الحدث- محمد مصطفى
قد يصدم البعض حين يشاهدون شخصاً كان معروفاً بفقره، وعمله البسيط، أضحى يمتلك أفخم المنازل، ويركب السيارات الفارهة، ويمتلك من العقارات ما لا يعد ولا يحصى.
لكن سرعان ما تتبدد تلك الدهشة، إذا ما علمنا بأن هذا الشخص كان يعمل في الأنفاق، فالعمل في الأخيرة في فترات ذروتها، كان كفيلاً بتحويل الفقير إلى ثري، والعامل إلى سيد.
ثراء مفاجئ
"الحدث" بحثت عن نماذج ثراء مماثلة، ورغم كثرتها، وقع الاختيار على عدد منها، من بينها قصة لعدد من الأشقاء منيو بثراء فاحش في وقت قصير.
بين عشية وضحاها تحولوا من الفقر إلى الثراء..تروي الفتاة والناشطة فاطمة محمد، ما حدث مع مجموعة من الأشقاء تعرفهم عن قرب، موضحةً أنهم كانوا يعيشون تحت خط الفقر، بعضهم يعمل عتالاً، وآخرون على عربات كارو، لكن حالهم تبدل وتغير بين عشية وضحاها.
وأشارت محمد، إلى أن موقع منزلهم على الحدود المصرية الفلسطينية، دفع شخص يمتلك رأس مال لعرض عليهم فكرة حفر نفق من داخل المنزل، مقابل حصة من الأرباح، فسرعان ما وافقوا، وكان هذا في العام 2008، في ذروة إدخال الوقود، وقبل فرض ضرائب عليه، حين كانت الأرباح تصل إلى ـأكثر من 400%.
وأكدت محمد، أن الأموال جرت في أيديهم بسرعة البرق، وتبدل حال الأشقاء من الفقر للثراء، وأضحوا يركبون أفخم السيارات، وأصبح الناس ينادونهم ب"السادة".
والثراء الفاحش بعد فقر مدقع، يجعل من صاحبه شخص متعالي على المجتمع، وهذا ما حدث مع الأشقاء، فقد أصابهم الكبر، وباتوا ينظرون للناس بنظرة مختلفة، ولسان حالهم يقول بأن ما فات مات.
وأوضحت محمد أن هذه الصورة تكررت مع أناس كثيرين، بعضهم عاد للفقر من جديد بعد إغلاق الأنفاق، لسوء إدارته للثروة وتبديدها بشكل سريع.
أما الشاب ياسر زكي، فأكد أنه عايش وشاهد أكثر من حالة ثراء بعض الفقراء بسبب الأنفاق، موضحاً أن الأمر يبدأ بشراء حصة صغيرة في نفق، وغالباً ما يحدث ذلك بعد بيع مصاغ الزوجة، أو الاقتراض، وهو أمر بالغ الخطورة، ويحوي مجازفة غير مضمونة، فهذا النفق وغالباً ما كان قيد الإنشاء، إما أن يصل ويجلب بضائع ويدر مالاً وفيراً، أو يحدث أمر ما يضطر مالكوه لإغلاقه، أو عدم اكتمال الحفر نتيجة لخلل ما، فتذهب الأموال التي استثمرت فيه سدى.
وأشار زكي إلى أن عائلة من جيرانه، كان حظها قوي، بأن النفق الذي استهمت فيه وصل بأمان إلى الشق الآخر، والفتحة كانت في مكان جيد، يسهل ويسرع نقل البضائع، وقد أدركوا أن الأمر مجرد فترة محدودة، وأن الأنفاق ظاهرة لن تدوم طويلاً، فسرعان ما حفروا نفق ثاني وثالث، وجلبوا البضائع لحسابهم، حتى أضحى الثراء حليفهم.
بضائع وممنوعات
ولفت إلى أن هذا الثراء جعلهم أيضا يتعالون على الناس، ويعيشون في برج عاجي.
وشكك الشاب محمد إبراهيم في ظروف ثراء بعضاً من ملاك الأنفاق والتجار، مؤكداً أن الأمر ربما لا يخلو من إدخال ممنوعات، ففترة الأرباح الطائلة من عمر الأنفاق كانت قصيرة جداً، وآخر ثلاث سنوات من عمل الأنفاق كانت تدر على ملاكها دخل محدود، لذلك فالبعض كان يتعمد إدخال مواد مخدرة وحبوب ترامادول، لتحقيق الثراء.
وأكد أن نتيجة ذلك كانت واضحة وسريعة، فالمليونيرون الصغار سرعان ما أفلسوا، وبدؤوا ببيع عقاراتهم ومملوكاتهم التي اشتروها، لأن أصل مالهم حرام، جمعوه بطرق غير مشروعة، فنزعت البركة منه، على حد قوله.
وأوضح إبراهيم أنه يعرف قصة احد الأشخاص عن قرب، ممن حققوا ثراء فاحش بعد فقر مدقع، وهو الآن يبدد ثروته، ويسير بسرعة نحو العودة للفقر.
تلاعب بالمنظومة الاقتصادية
واللافت بل الغريب أن هؤلاء الأثرياء الفجائيون، وعددهم بالعشرات في مدينة رفح، تلاعبوا بشكل غريب في المنظومة الاقتصادية في المدينة، خاصة قطاع العقارات.
فبعد أن امتلكوا الملايين، توجهوا لشراء الأراضي والعقارات غير المنقولة، والاشتراك في مشاريع تجارية، بغية الحفاظ على أموالهم واستثمارها، وهذا تسبب في ارتفاع أسعار الأراضي لزيادة الطلب عليها، وقد وصلت الأسعار لمستويات قياسية.
وبعد توقف العمل في الأنفاق، وتبديد الثروة، لجأ نفس الأشخاص لبيع أراضيهم ومشروعاتهم، وتم طرحها بصورة جماعية في الأسواق، وهذا أدى إلى هبوط الأسعار بشكل حاد، خاصة مع عدم وجود مشترين، ورغبتهم في البيع السريع.