أدت حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف برئاسة نتنياهو، اليمين القانوني في الكنيست الإسرائيلي الخميس 29 سبتمبر 2022 ، بعد سن قوانين تسمح بتعيين زعيم حزب الصهيونية الدينية "بتسلئيل سموتريتش"، وزيرا مستقلا في وزارة الدفاع، مسؤولا عن البناء الإسرائيلي والفلسطيني في المنطقة (سي) بالضفة الغربية، وكذلك تعيين زعيم حزب "القوة اليهودية" إيتيمار بن غفير وزيرا للأمن القومي، بتوسيع صلاحياته على قيادة وسياسة الشرطة الإسرائيلية، ووضع وحدات حرس الحدود العاملة في الضفة الغربية تحت أمرته.
وعلى الجانب الآخر، أصدر الرئيس محمود عباس قرارا بتشكيل لجنه "وطنيه" برئاسته، للتحرك على الساحة الدولية لمواجهة سياسات حكومة نتنياهو، وتضم عددا من مستشاريه ووزراء وشخصيات حقوقيه، وهذه اللجنة لن تأتي بجديد مختلف عما عهدناه في السابق من حراكات دبلوماسية وتصريحات وبيانات تعبرعن القلق والتحذيرمن سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبه، ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لحماية الشعب الفلسطيني !!
وكما قال المثل "اللي بجرب المجرب عقله مخرب"، فإن سياسة الحراك الدبلوماسي الفلسطيني على الساحة الدولية السابقة، التي تعد نشاطات "اللجنة الوطنية " المشكلة حديثا امتدادا لها، لن تخرج عن سياسة الرئيس محمود عباس، بالمراهنه على إدارة الرئيس بايدن الديمقراطيه، ورهانه سابقا على فوز تحالف يمين ويسار الوسط الإسرائيلي بزعامة "لابيد-غانتس"، في انتخابات إسرائيل في الأول من تشرين ثاني 2022، الا أن هذه المراهنات والأماني لم ولن تتحقق، بل وأكثر من ذلك، فإن مصير السلطة بات مفتوحاً على سيناريو إزدياد ضعفها، وبالتالي إحتمال أن تصبح الفوضى سيدة الموقف في الأراضي الفلسطينية..
إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ليست كسابقاتها من الحكومات، وإن كانت جميعها انتهجت وتنتهج سياسات تتنكر للحقوق الفلسطينية، وعملت وتعمل على إستدامة الاحتلال والإستيطان والقتل وهدم المنازل والإعتقال، لكن ما سيؤول اليه الوضع خلال الأربع سنوات المقبله خطير جدا على الوجود الفلسطيني شعبا وقضية، بعد أن منح نتنياهو لوزراء المستوطنين في حكومته، الصلاحيات بشأن القضايا المتعلقة بحياة ووجود الفلسطينيين في الأراضي المحتله..
إنه من المؤكد أن سياسات حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو بشأن القضية الفلسطينية، ستضع الفلسطينيين في مرحلة قد تكون الأخطر منذ بدء الإحتلال في العام 1967، من خلال تنفيذ سلسله من الإجراءات، كضم أجزاء من الضفة الغربية بما تصل نسبته الى 30% بحسب تقارير صحفية إسرائيلية، وإضفاء الشرعية على كافة البؤرالإستيطانيه، بالإضافة لتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى، وغيرها من السياسات التي وردت في الدعايه الإنتخابية لكل من "بتسلئيل سموتريتش" و"أيتمار بن غفير"، وهو ما يطرح علامات استفهام بشأن كيف ستتصرف قيادة السلطة تجاه الحكومة "البنيامينية" المتطرفه في المرحلة المقبلة!!
وما لم يغيررئيس السلطة محمود عباس، سياسته تجاه حكومة "نتنياهو- سموتريتش- بن غفير" جذريا، فإن مأزق السلطة الفلسطينية سيتعمق، بأن تصبح السلطة وكيلا أمنيا لإسرائيل على رؤوس الأشهاد، دون مساحيق تجميل وطنية أو شعارات ورموز سياسية مخادعه للذات ... وعليه، فإنه لمواجهة كل ذلك، المطلوب من قيادة السلطة، بلورة إستراتيجية بالخطوط الرئيسية التاليه:
(1) التخلي عن برنامج عباس السياسي، وعدم المراهنه على خيار المفاوضات، خاصة وأن نتنياهو أغلق بوابة الحل السياسي منذ فترة طويله، واقتصر علاقات إسرائيل مع السلطة، على جانب التنسيق الأمني والجوانب الاقتصادية.
(2) تطبيق قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير، بالخروج من مسار أوسلو، والتحلل من إلتزاماته، والإستعداد لتحمل إرتدادات تطبيق هذا القرار من جانب إسرائيل.
(3) وقف الرهان على مواقف المحور العربي – الأمريكي – الإسرائيلي، والتوجه الى فضاء عربي – إسلامي أرحب، للضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية، لإتخاذ مواقف عملية، للجم ما قد تقدم عليه حكومة نتنياهو من سياسات ضد الشعب الفلسطيني ..
(4) العمل الجدي على استعادة الوحدة الداخلية، بتطبيق الإتفاقيات التي تم التوصل لها بين حركتي فتح وحماس..
دون ذلك، فإن السلطة الفلسطينية ستفقد ما تبقى لها من شرعية وطنية، وستتسع الفجوات بينها وبين كافة القوى الوطنية، وستتعمق قطيعتها مع الشارع الفلسطيني، ناهيك عن أن إطلاق يد "سموتريتش" و"بن غفير" ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي مناطق الـ 48 ، سيهدد الوجود الفلسطيني، ويؤدي الى تراجع القضايا الوطنيه الفلسطينية الى المربع الأول ..!!!
صحيح أن حكومة نتنياهو الحالية، كما الحكومات السابقة، لن تجهزعلى السلطة الفلسطينية، لأنه بوجودها تضمن إسرائيل استمرار إحتلالها غير المكلف للأراضي الفلسطينية، وإذا تفككت السلطة فحينئذ ستضطر للتكفل بالحاجات الصحيه، والإجتماعية والتعليمية والخدماتيه، لنحو خمسة ملايين فلسطيني، لكنها ستعمل على إضعافها لتصبح سلطاتها لا تتعدى سلطات بلدية.
إن السؤال الذي ستكشف الأيام القادمة عن إجابته هو: هل سيكون بمقدورالسلطة مواجهة حكومة نتنياهو بإستراتيجية جديدة، وتتخلى عن سياساتها الحالية، التي ليست أكثر من ظاهرة صوتية؟!!