السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السينما الفلسطينية والوصول إلى المحافل العالمية منوط بتقديم تنازلات.. هل نجحنا في نقل الرواية الفلسطينية؟

2023-01-02 09:26:41 AM
السينما الفلسطينية والوصول إلى المحافل العالمية منوط بتقديم تنازلات.. هل نجحنا في نقل الرواية الفلسطينية؟
تعبيرية

رمزي مقدسي: الإسرائيليون تفوقوا سينمائيا بالمعنى الإنتاجي لأنهم جاؤوا من مراكز صناعة السينما

نضال خلف: غالبية الأفلام الفلسطينية التي تصل إلى العالمية فيها تنازلات وجمهورها ليس من الفلسطينيين والعرب    

فوزي إسماعيل: حتى الآن لم يصنع فيلم حقيقي يحكي معاناة الشعب الفلسطيني

الحدث- سوار عبد ربه

بين فيلم فرحة الفلسطيني وفيلم الطنطورة الإسرائيلي، وما أثاراه من ضجة في أوساط الإسرائيليين، ومؤيدي الحركة الصهيونية حول العالم، تفتحت أسئلة كثيرة حول السينما الفلسطينية وأثرها في نقل وترسيخ القضية الفلسطينية إلى العالم، ومدى نجاحها في هذا، سيما في ظل السيطرة الصهيونية على الإعلام الغربي وكل ما له علاقة بالصورة، وسط دعم وتمويل أوروبي وأمريكي.

فيلمان تزامن عرضهما مع بعضهما البعض، ورافتقهما حملة تحريضية افتعلتها وسائل إعلام إسرائيلية وشخصيات صهيونية بزعم أنهما يشوهان صورة جنود جيش الاحتلال ويحرضان ضدهم، وما دفع لهذه الحملة بث منصة نيتفلكس العالمية لفيلم فرحة، وتصدر الطنطورة مهرجان الأفلام في مدينة نيويورك في الأشهر الأخيرة، ما لم يرق للاحتلال.

هذه الحملة الإسرائيلية ضد الأفلام الفلسطينية أو الأفلام التي تتبنى القضية الفلسطينية من وجهة نظر فلسطينية ليست وليدة اللحظة، بل هي مستمرة منذ نشأة الحركة الصهيونية التي التفت إلى أهمية السينما في صناعة الصورة وخلق وترسيخ الأفكار.

يقول الممثل والمخرج الفلسطيني رمزي مقدسي في لقاء خاص مع صحيفة الحدث إن الحركة الصهيونية التفتت لأهمية السينما في وقت مبكر، وعملت على ترسيخ فكرة في أفلامها أنها احتلت أرضا بلا شعب، وما ساعدها على ذلك أن الإسرائيليين عندما استوطنوا فلسطين، جاؤوا من أماكن كانت السينما موجودة ومتطورة فيها، ما أثر في طريقة تمريرهم لروايتهم من جهة، ومحاربتهم للرواية الفلسطينية من جهة أخرى.

ويوضح: "بسبب توفر المعدات والأدوات والطاقات والكوادر وعمل الحركة الصهيونية بجد على هدفها، يمكن القول إن السينما الإسرائيلية تفوقت بالمعنى الإنتاجي على نظيرتها الفلسطينية والعربية التي كادت أن تكون معدومة في ذلك الحين، باستثناء مصر".

في المقابل كانت المحاولات الفلسطينية محصورة في مؤسسة الفيلم الفلسطينية التي ظهرت في وقت متأخر، وكانت تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية، وفقا للمخرج.

بداية السينما الفلسطينية

ثمة اتفاق على أن السينما الفلسطينية بدأت على يد إبراهيم سرحان عام 1935، وذلك عندما صور فيلما تسجيليا قصيرا مدته 20 دقيقة، عن زيارة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود لفلسطين.

وفي هذا الجانب يقول رئيس مهرجان الأرض السينمائي فوزي إسماعيل "إن السينما الفلسطينية بدأت بمبادرات فردية من بعض المهتمين بهذا الموضوع في فلسطين وبالضبط مع إبراهيم سرحان، لكن الحركة الصهيونية منذ بدايتها انتبهت لأهمية السينما وأهمية الصورة ومن هذا المنطلق يمكن أن نقول إنه يوجد نوعان من السينما بشكل عام السينما التي توثق الحقيقة الموضوعية وتصور الواقع كما هو، أما النوع الثاني وفقا لإسماعيل فهو يعتمد على خلق حقائق جديدة على الأرض وهذا ما اتبعته الحركة الصهيونية في حربها ضد الشعب الفلسطيني، من خلال تزييف الواقع وخلق واقع جديد ومحاولة إضفاء شرعية على وجود الحركة الصهيونية ووضعها في فلسطين المحتلة.

وبحسب رئيس مهرجان الأرض السينمائي جرى ذلك من خلال الإمكانيات والقدرات التي تمتعت بها الحركة الصهيونية وخاصة باعتمادها على الغرب وبشكل خاص في أوروبا وأمريكا، حيث أنتجت صناعات سينمائية موالية للحركة الصهيونية وحاولت منذ البداية وما زالت تشويه حقيقة الصراع القائم في فلسطين.

وحول البداية الفعلية للسينما الفلسطينية يقول إسماعيل إنها بدأت بعد انطلاق الثورة الفلسطينية عقب حرب عام 1967، ففي حينها بدأت التنظيمات الفلسطينية بالانتباه لهذا الموضوع وتوثيق حركة الشعب الفلسطيني وثورته من خلال أفلام وثائقية عديدة، وفي حينها ظهر مخرجون شباب بدأوا بالعمل على محاربة الرواية الصهيونية وخاصة في الغرب وذلك بمشاركتهم في مهرجانات عالمية.

أما عن تطور السينما الفلسطينية فبدأ بعد الانتفاضة الأولى بشكل فعلي لتدارك أهمية الصورة وأهمية ما يحدث بفلسطين في تلك المرحلة، وهنا بدأت عملية هذا التوثيق من خلال مخرجين وسينمائيين أوروبيين بشكل خاص وبعض العرب بشكل أقل أهمية، إلا أن تنامي الرغبة لدى الفلسطينيين في التعبير عن رأيهم ومحاربة الحركة الصهيونية دفع بالكثير من الشباب اللجوء لدراسة السينما والإخراج، بحسب إسماعيل.

 

السينما الفلسطينية العالمية ودور المهرجانات

بعد فترة منتصف الثمانينات والتسعينات ظهر جيل جديد من المخرجين لعب دورا أساسيا في توثيق الرواية الفلسطينية بمختلف الجوانب والاتجاهات، استطاع البعض منهم أن يظهر حرفية ومهنية، ما أدى إلى وصولهم للعالمية، ثم بدأ العالم تدريجيا بشكل بطيء جدا بالتعرف على السينما الفلسطينية، وسط محاربة شديدة من الحركة الصهيونية واللوبي الصهيوني، في مختلف مناطق العالم، ما أدى إلى محدودية انتشارها ووصولها إلى الجمهور العالمي، وفقا لإسماعيل.

ومع التطور التكنولوجي أصبح بالإمكان خلق أفلام ووثائق حول "الصراع" العربي الصهيوني بإمكانيات أقل، وبمستوى عال من التقنية، ما سمح لهم بالوصول إلى العالمية بشكل أسهل وأسرع، ما يعني أن الحركة الصهيونية رغم إمكانياتها الهائلة لم تستطع حجب الرواية الفلسطينية، وفقا لرئيس مهرجان الأرض السينمائي.

أما العامل الآخر والأكثر أهمية وفقا لإسماعيل والذي أسهم في انتشار السينما الفلسطينية وخاصة الوثائقية منها، في مختلف مناطق العالم هو المهرجانات السينمائية التي عرفت الجمهور العالمي على السينما الفلسطينية وإبداعات الشعب الفلسطيني ومعاناته.

ويرى إسماعيل أنه رغم التقدم الذي حققته السينما الفلسطينية، إلا أنها لا تزال تعاني من أزمات كثيرة من حيث شح الإمكانيات الاقتصادية والتقنية، منوها إلى أنها اليوم بحاجة لحاضنة رسمية وجماهيرية لكي تتطور.

مشكلات السينما الفلسطينية

من جانبه، قال المتابع للسينما الفلسطينية نضال خلف، إنه منذ النكبة حتى عام 1990 كانت السينما الفلسطينية جزءا من السينما العربية، ولهذا أعدت أفلام عن روايات وقصص غسان كنفاني في دمشق من قبل ممثلين سوريين ومخرجين سوريين فلسطينيين، لأن فلسطين لم تكن منفصلة عن العالم العربي، وكذلك بعض المحاولات في مصر والكويت، إلا أنها كانت مرحلة مبتدئة بسبب ضعف التقنيات وقلة رأس المال. أما بعد اتفاقية أوسلو، أصبحت السينما الفلسطينية مستقلة وقسمت جغرافيا إلى سينما الضفة وغزة، وسينما الداخل المحتل، وفي الأخيرة عمل بعض الفنانين ضمن سياق العمل الفني الإسرائيلي، وشاركوا في أعمال إسرائيلية، وفي الوقت نفسه شاركوا في أعمال فلسطينية وهو أمر غير مقبول فكيف لفنان أن يكون مطبعا ومساهما في نشر رواية الاحتلال وفي الوقت نفسه يمثل رواية شعبه ومعاناته، وفقا لخلف.

أما المشكلة الثانية فهي المحتوى، وتحديدا ما بعد أوسلو حيث تحولت فكرة السينما الفلسطينية من سينما قائمة على روايات غسان كنفاني وعلى قصص عن المقاومة والثورة لمجرد بكائيات وتمثيل لدور الضحية والتركيز الدائم على فكرة الحواجز التي قد تبدو أنها صورة مهمة للتركيز عليها، إلا أن الهدف البعيد من التركيز المفرط عليها هو تصوير الفلسطيني كمواطن يعيش في صعوبات وليس أنه تحت استعمار وإبادة أي أن الفلسطيني يمكن أن يعيش حياة طبيعية لولا هذه الحواجز والجدار.

ويعزي خلف هذه الصورة للفلسطيني في السينما الفلسطينية للتمويل الأوروبي من خلال الحكومات أو المنظمات غير الحكومية التي تريد أن تظهر الفلسطيني كشخص مسالم، وحتى العمل المقاوم الذي يقدم عليه يكون كرد فعلي فردي وشخصي بعيدا عن الشعب، وهذا ما نراه في فيلمي عمر والجنة الآن على سبيل المثال.

واعتبر خلف أن بعض هذه الأفلام استطاعت الوصول إلى العالمية، وهي بفهوم صناع السينما تعتبر إنجازا إذا كان الهدف هو الوصول إلى العالمية، أما هذه الإنجازات فلم تحقق شيئا لصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ما يعني أنهم لم يحققوا شيئا ووصولهم للعالمية قائم على التنازلات التي قدموها.

ويوضح خلف أن صناع السينما دائما ما يدخلوا عنصرا لإثارة الجماهير التي تتابع في صالات العرض وتوزيع الجوائز، وهذه الأفلام ليست موجهة للعرب ولا للفلسطينيين، ضاربا مثالا من فيلم فرحة الذي يعرض مشهدا لجندي إسرائيلي يرفض قتل طفل فلسطيني، معتبرا أن هذا المشهد الأساسي الذي يبقى عالقا في الذهن.

ويتساءل خلف عن السبب في وجود مشهد كهذا في فيلم فلسطيني، مناقض للرواية التاريخية التي تقول إنه في العام 1948 قتلت الأطفال وتشوهت جثثهم، في حين أنه في مسلسل التغريبة الفلسطينية الذي عرض عام 2004 صور المخرج السوري الراحل حاتم علي جيش الاحتلال وهو يقتل طفلا رضيعا على الأرض، وهو ما يتماشى مع روايتنا التاريخية.

واعتبر خلف أن المشهد في فيلم فرحة مقابل المشهد في مسلسل التغريبة الفلسطينية فيه نقلة نوعية وتغيير في الرواية حتى يتقبلها الغرب والسينما الغربية في المحافل العالمية.

ختاما، أجمع المشاركون في التقرير على أنه حتى اللحظة لم يتم إخراج فيلم فلسطيني يعبر عن مأساة ومعاناة الشعب الفلسطيني بشكل إبداعي.

حيث قال الممثل والمخرج رمزي مقدسي إن كل ما أنجز من أفلام حتى الآن هو إنجاز فردي وليس جماعيا، متسائلا عما إذا كانت ملائمة لما نريده أم أنها ملائمة لرؤى صانعي هذه الأفلام، والأفلام تفتقر لرؤى واضحة عند المخرجين العرب والفلسطينيين كما أنه لا يوجد جسم حاضن لهذه الأفلام.

وقال رئيس مهرجان الأرض السينمائي فوزي إسماعيل إنه بالرغم من وجود العديد من المخرجين الفلسطينيين المهمين والذين لا يقلون أهمية عن المخرجين العالميين إلا أنه لم يتم إخراج فيلم فلسطيني  يعبر حقيقة عن معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني بشكل مبدع، كما أنه من المستغرب أنه حتى الآن لم يقم أي مخرج فلسطيني بإخراج فيلم عن رواية لكاتب فلسطيني وما زلنا بانتظار أن ينجز هذا العمل.