أخيرا ولدت حكومة نتنياهو السادسة، ورغم الانشغال بالمونديال وجد المحللون والسياسيون مساحة لمتابعة المسلسل السياسي الذي لم يخلُ من تشويق، والذي بدأ بالانتخابات الإسرائيلية وازداد إثارة بفوز نتنياهو المدوي ثم توزيع الغنائم على الشركاء، فيما وصف بمخاض تشكيل الحكومة والذي رافقته سلسلة انقلابات في بنية النظام السياسي أملته الحاجة لإرضاء الحلفاء ولو بقسمة الوزارة الواحدة إلى قسمين.
المعالجات الصحافية الإسرائيلية طغت عليها نغمة الخوف من "ديكتاتورية الأغلبية" التي وظفها نتنياهو بكفاءة عالية لمصلحة بقائه في الحكم لأطول مدة ممكنة.
والخوف من تقويض سلطة القضاء بسلبه استقلاله الذي كان يُتباهى به ووضعه تحت سطوة الأغلبية العنصرية والخوف على صورة إسرائيل أمام العالم بما يصعّب نفي العنصرية عنها ما دام الثنائي بن غفير وسموتريتش ليسا مجرد واجهة لها بل أحجار أساس في بنائها وسياستها.
وبالكاد كنت تقرأ مقالة تشيد بما يفعل نتنياهو أو تقلل من أذاه.
بالنسبة لنا نحن الواقعين تحت الاحتلال كانت معالجتنا لعودة نتنياهو وائتلافه العنصري وخصوصا على الصعيد الرسمي خالية تماما من إجابة مقنعة عن السؤال ماذا يتعين علينا أن نفعل؟ فقد تحدثنا كثيرا عن الخطر الذي تجسده الحكومة الجديدة في إسرائيل، دون أن نقول شيئا عن خططنا في مواجهة هذا الخطر، ويبدو أن الانشغال في الصراع الداخلي وتسريباته المتبادلة لم يبقِ مساحة لمجرد التفكير في ما يجب أن يُفعل سوى مواصلة تشغيل الأسطوانة التقليدية القديمة، التي تدعو المجتمع الدولي إلى التحرك وتدعو أمريكا إلى التوقف عن الكيل بمكيالين وتدعو إلى حتمية إنهاء الانقسام دون بذل أي جهد يذكر على هذا السبيل، حتى ترتيب بيتنا الداخلي بالحد الأدنى، وإنقاذ السلطة من الانهيار فقد أوكلنا المهمة لغيرنا لعلهم يحققون لنا ما لا نبذل فيه أي جهد كي نحققه لأنفسنا.
نحن في حالة غريبة بل وغير منطقية، كل التطورات من حولنا وكل الحركة المتسارعة على صعيد مخططات خصمنا لم تفلح في تحفيزنا كي نبادر إلى فعل شيء جدي يستجيب ولو بالحدود الدنيا للتحديات الماثلة. فلا جديد داخليا ولا جديد خارجيا ولا جديد في أي مجال.
وأنا أتحدث هنا عن الطبقة السياسية وليس عن الحالة الشعبية التي تزدهر بالمبادرات رغم المعيقات وتملأ الفراغ الذي ينتجه جمود وتحجر الطبقة السياسية المنصرفة كليا إلى صراعاتها وتنافساتها بما في ذلك التسابق على إدامة الانقسام كما لو أنه صار أهم مكون من مكونات بقائها.
حكومة نتنياهو السادسة ستواصل كل ما فعلته الحكومات الإسرائيلية الستة والثلاثين، ولكن هذه المرة بلا مساحيق تجميل ولا أقنعة ولا حتى جزرة إلى جوار العصا، إنها حكومة تحمل أسماءً قديمة وأخرى جديدة إلا أنها وضعت إسرائيل الحقيقية أمام الشعب الفلسطيني كله دون أن تدرك بأن لدى الفلسطينيين مناعة فطرية ومكتسبة، فمن لم يخف من كل الحكومات التي سبقت فلن يخاف يقينا من سادسة نتنياهو ومليشياتها.