بقلم: نسرين مصلح
بصراحة، لم أولي قوة الكلمة الكثير من الاهتمام سابقا إلى أن رأيت أثر الكلمة على الشخصية الثابتة والواثقة والتي قد تهتز وتغير ثباتها على مبدأ ما أمام وقع كلمة! وأول ما نتعلمه في التواصل هو انتقاء الكلمات ولكن رأيت نتيجة عدم انتقاء الكلمات في بعض المواقف مؤخرا وهو ما دفعني للتفكير بقوة الكلمة.
والكلمات تكمن قوتها في ثلاث: مصدرها، واختيارها وتوقيتها.
مصدر الكلمة قد يكون شخص مقرب يعرفك جيدا وبالتالي يعرف الكلمات التي تؤثر عليك ومن هنا بيده القوة للتأثير عليك وهو من يختار أن يكون هذا التأثير لصالحك أو لا. مصدر الكلمة قد يأتي من شخصية عامة متكلمة انتقت كلماتها لتضع يدها على جرح ما عندك أو رسالة عبر تسجيل صوتي أو فيديو يحاكي شأن ما يشغل دماغك فترى أن قرارك التالي قد تأثر بما تعرضت له من كلمات، لا شعوريا أحيانا، وأن القرار اتُخذ دون تفكير عميق بمسبباته ولكن في خطوة واحدة للوراء وبعض التحليل تستطيع رؤية أثر الكلمة جليا.
اختيار الكلمة، وكثيرا ما حضرنا تدريبات في مهارات التواصل تعطينا النصيحة الأولى بأن نعبر عما نود قوله بانتقاء كلمات أكثر إيجابية لتصل نفس الفكرة، واستخدام عبارات الإيجاب بدلا من التعليقات السلبية وهي التي تحفز وتحرك الشخص المستقبل للكلمة. نوايا الإنسان تؤثر كثيرا في اختيار الكلمات وكما تقول والدتي دائما "الكلمة المنيحة طالعة والعاطلة طالعة" وهذا خير مثال على أهمية اختيار الكلمة.
أما التوقيت فهو بذات الأهمية وهنا يحضرني مثال متكرر حيث تذهب لزيارة مريض قد خرج للتو من العناية المشددة بسبب وعكة شديدة وتنظر إليه بنظرة خوف عليه وتبدأ بسيل من الكلمات ... ألم أقل لك مرارا بأن تقلع عن تناول الحلويات هل تريد أن تخسر عينك المرة القادمة! كلها كلمات قوية بالفعل ولكن هل حصلت على النتيجة المرجوة؟ هل سينتبه الشخص لاختيارات طعامه بعد ذلك؟ أم لندعو الله ألا تكون ردة فعله معاكسة بحيث يأكل الأخضر واليابس!
ومن يعرف قوة سلاح الكلمة يوظفه على أحسن وجه فالكلمة قد تحفز وتضر وتدمر وتؤذي وتُنهض وتؤمل وتشجع وتحجم وتذل وتهين وبكلمات أخرى هي قد تحيي أو تميت بأثرها فقط!
والدافع الأساسي لانتقاء الكلمات هي قناعاتنا وما نؤمن به وهي ما يدفعنا لتوظيف قوة الكلمة كوسيلة للوصول إلى المبتغى. ودوما ما نبحث عن الثقة بين الكلمات وإن علمنا بدوافع وقناعات المتحدث سنعرف بأننا نختار أن نسلم لما يقال أو نحاجج ما يقال. لعل هذا يجعلنا نرى الأمور بوضوح عندما نستقبل الكلمة وعندما نكون مصدرها.
هل يتطلب استخدام الكلمة تدريب وممارسة؟ نعم بالطبع التمرس والتدريب على كيفية توظيف الكلمات لخدمة هدفك أمر قابل للتعلم وضروري جدا، ويتطلب المشاهدة والملاحظة لوقع كلماتك على الآخرين ومن ثم تبدأ بصقل هذه المهارة لتصبح وسيلتك الجديدة للوصول إلى ما تريد إذ قد تكون لدينا أفضل المعلومات ولكن بسوء اختيار الكلمة تذهب المعلومات أدراج الرياح.
كل كلمة مهما كانت صغيرة مثل "ييييي" لها أثرها الكبير.
الكلمة قوة ويمكنها أن تكون قوتك أنت.
نسرين مصلح، مؤسس ومدير عام شركة رتاج للحلول الإدارية في رام الله