الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المشهد الداخلي في إسرائيل في ظل حكومتها المتطرفة| بقلم نبهان خريشة

2023-01-14 01:34:52 PM
المشهد الداخلي في إسرائيل في ظل حكومتها المتطرفة| بقلم نبهان خريشة
نبهان خريشة

لنبدأ من النهاية .. بعد الإنتخابات الإسرائيلية 2022، والتي كانت الخامسة خلال أقل من 4 سنوات، إشتعل الصراع في إسرائيل على عدة منظومات، يقوم عليها المجتمع الإسرائيلي (الجيش والقوانين والتعليم وغيرها)، بين اليمين الديني المتطرف والمستوطنين من جهة، والقوى العلمانية اليسارية واليمينية "البراجماتيه" من الجهة الأخرى. وفي مقال لرئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك في صحيفة يديعوت أحرانوت بعنوان: (حكم نتنياهو سينتهي .. لكن الطريق قد يكون طويلاً)  قال فيه "إنه على الرغم من انتخاب نتنياهو قانونياً ، فإن تصرفات حكومته تجردها من شرعيتها .. إن الخطر المؤكد والوشيك بانهيار الديمقراطية الإسرائيلية يقع على عاتقنا."

النائب في الكنيست عن حــزب" القوة اليهودية" برئاسة إيتماربن غفير، والمرشح لرئاسة لجنة الخارجية والأمن فيها "زفيكا فوغل"، كان قد دعا لإعتقال رئيس الوزراء السابق يئير لابيد، ووزير الجيش بيني غانتس، ورئيس اركان الجيش السابق موشيه يعلون، لتحريضهم على الحكومة. ووصلت حالة الإحتقان في إسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة من التحريض المتبادل، لدرجة أن مستويات سياسية فيها حذرت من تفاقم الأزمة، لتصل إلى وقوع أغتيالات كحادثة إغتيال اسحق رابين عام 1995..   

إن إيتمار بن غفير رئيس حزب "القوة اليهودية"، الذي لم يصل حزبه الى نسبة الحسم في انتخابات آذار 2020، وصل عدد المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 2022 الى 14 مقعدا، بالتحالف مع حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة "بتسلئيل سموتريش"، وحزب "نوعام" برئاسة "آفي ماعوز". بل وأكثرمن ذلك، فإن بن غفير المطرود من الجيش في اواسط التسعينيات، يتمتع في حكومة نتنياهو  بصلاحياتٍ واسعه، لممارسة نشاطات إستيطانية بتمويل حكومي، وعلى وحدات حرس الحدود في الضفة الغربية، و"الشرطة الخضراء"، و "الدوريات الخضراء " في الجليل والنقب.

 وبحسب الإتفاقيات الإئتلافية المبرمة بين نتنياهو وشركائه اليمينيين، يستحوذ رئيس حزب الصهيونية الدينية "بتسلئيل سموتريتش"، على صلاحيات في وزارة الجيش، تنتقص من صلاحيات وزيرها "يوآف غالانت"، وتولي ايتيمار بن غفير حقيبة الأمن القومي بصلاحيات واسعه على الشرطة وحرس الحدود، ما يؤكد على أنهما يقودان الحكومة، جنبا الى جنب مع نتنياهو. 
إن حالة الإستقطاب الحادة في إسرائيل، بين أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط من جهة، والأحزاب اليمنية الدينية والقومية المتطرفه من الجهة الأخرى، تنعكس على المنظومات العسكرية والقانونية والتعليمية، ومنظومة العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية... وحالة الإستقطاب هذه وصفها موقع صحيفة يديعوت أحرانوت "ynet"، بالسياسات الإنتقامية المشحونة بمواقف آيديولوجية، وهي :  

المنظومة العسكرية

بحسب الصلاحيات الممنوحه لــ "بتسلئيل سموتريتش"، كوزير في وزارة الجيش، تخضع الإدارة المدنية في الضفة الغربية له، بتعيين رئيسها ومنسق اعمال الحكومة فيها، بالإضافة لتخطيط وتطبيق سياسات حكومة الإحتلال، في كافة المجالات الحياتية اليومية للفلسطينيين، ما يجعل منه الحاكم المطلق للضفة الغربية، كما جرى توسيع صلاحيات وزيرالأمن القومي "بن غفير"، لتشمل حرس الحدود في الضفة الغربية وحول القدس، ناهيك عن أن الإتفاقيات الإئتلافية تتضمن أيضا، محفزات للمتديننين للتوجه للمدارس الدينية بدلا من التجنيد في الجيش.   

إن إستحواذ سموتريتش على صلاحيات في وزارة الجيش، وتوسيع صلاحيات وزيرالأمن القومي بن غفير، أثار مخاوف مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين، من تحول الجيش من مؤسسة نظامية إلى ميليشيات، وهذا ما عبرعنه رئيس الوزراء السابق "يائيرلابيد"، بإعلانه في حسابه على التويتر، بأن وزراء في حكومة نتنياهو يحرضون الجنود في الجيش على قادتهم، ما يعد تدميرا للمؤسسة العسكريه، لأن حياة الإسرائيليين تعتمد على وجود جيش قوي بتسلسل قيادي وانضباط وذلك بحسب لابيد، في حين قال وزيرجيش الإحتلال "بيني غانتس" إن من لديهم صلاحيات على الجيش والشرطة في حكومة نتنياهو اليوم، لم يخدموا بالجيش دقيقة واحدة.   

أما رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء إحتياط "غيورا آيلند"، قال في تصريح للتلفزيون الإسرائيلي الرسمي "إن برنامج سموتريتش السياسي، يتناقض مع السياسات العامة للحكومات الإسرائيلية السابقة بشأن السلطة الفلسطيينة، والتي تقضي بتعزيزها، الا أن سموتريتش يسعى لتفكيكها، وتفكيك الإدارة المدنية التابعة للجيش، المسؤولة عن جوانب في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، ما سيضع إسرائيل في مواجهه متعددة الجبهات: فلسطينية وأمريكية ودولية".   

منظومة القوانين   

بعد أقل من أسبوعين على تولي حكومة نتنياهو مقاليد الحكم، أعلن وزير القضاء فيها ياريف ليفين عن خطته، لإحداث تغييرات جذرية في جهاز القضاء الإسرائيلي، منها تقليص صلاحيات المحكمة العليا، بما في ذلك منعها من إبطال قوانين يسنها الكنيست، أو استخدام "حجة عدم المعقولية" لإلغاء قرارات حكومية، ويرى ليفين أن خطته هذه ستلغي رقابة السلطة القضائية على السلطتين التشريعية (الكنيست) والتنفيذية (الحكومة)، وقال إنه سيتم تشكيل لجنة لإختيار القضاة، بتمثيل متساو للسلطات الثلاث في عضويتها..

الا أن رئيس المحكمة العليا السابق، إلياكيم روبنشتاين، قال في تصريح لموقع واي نت "إن جميع البنود في خطة ليفين إشكالية، تمثل ضعفا شديدا في السيطرة القانونية، والقدرة على حماية حقوق الإنسان" ، ووصف روبنشتاين خطة ليفين بانها إنقلاب على النظام تحول إسرائيل الى نظام دكتاتوري بأدوات ديمقراطية، وترافقت تصريحات روبنشتاين هذه مع تظاهر مئات الإسرائيليين أمام منزل ليفين، وحملوا لافتات كتب على واحدة منها " ياريف عدو الديمقراطية"، ورددوا شعارات مثل: "ليس إصلاحا قضائيا .. إنه انقلاب" .

وترى المعارضه أن نتنياهو يسعى من خلال خطة "الإصلاح القضائي" كما تسميها حكومته، أو خطة "إضعاف القضاء" كما تسميها المعارضة، للإفلات من الملفات الجنائية التي تلاحقه، وقال رئيس المعارضة بيني غانتس في معرض هجومه على الخطة مخاطبا نتنياهو: "إذا واصلت السير في الطريق التي تسير فيها، فإن المسؤولية عن الحرب الأهلية التي تهدد المجتمع الإسرائيلي ستلقى عليك".  

وترى المعارضه أن خطة ليفين تهدف، لتقييد صلاحيات المحكمة العليا، من خلال تمكين الكنيست بأغلبيته الائتلافية العادية (60+1)، من إعادة سن قوانين، بإمكان المحكمة العليا شطبها بدعوى عدم دستوريتها، وكذلك تقليص الحق في تقديم التماسات إلى المحكمة العليا، وإعطاء "القضاء الديني"، الذي تنص عليه الشريعة والموروث اليهوديين، أفضلية على القوانين والتشريعات الأخرى.. بعبارةٍ أخرى فإن الغرض من هذا التعديل القانوني، يمنح الائتلاف الحكومي سلطات مطلقة غير محدودة، كما ترى المعارضه ..  

 إسرائيل هي ليس لديها دستور، يحل محله ما تسميه "القوانين الأساسية"، وعلى عكس ما هو متعارف عليه في دول عديدة حول العالم، فإن تعديل الدستور يتطلب أغلبية خاصة وإجراءاتٍ طويلة ، الا أن  تعديل القوانين الأساسية في إسرائيل أسهل بكثير، إذ يمكن تعديل معظم القوانين الأساسية بأغلبية بسيطة في الكنيست ( 60 + 1) ، ويمكن تعديلها حتى في ثلاث قراءاتٍ في يوم واحد، وعليه فإن حكومة نتنياهو تهيمن على العملية التشريعية دون ضوابط وتوازنات سياسية، بل بناء على مصالح سياسية ضيقة، وفقا للمعارضه.

منظومة التعليم

بموجب الاتفاق الإئتلافي الذي تشكلت حكومة نتنيياهو على أساسه، يتولى "آفي ماعوز" رئيس حزب "نوعام" الديني، والذي له مقعد واحد في الكنيست المؤلف من 120 مقعدا، المسؤولية على البرامج اللامنهجيه في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، وحزب "نوعام" كان قد دعا في برنامجه الإنتخابي، الى زيادة الدروس الدينية في المدارس العلمانية، وتعزيز الهوية اليهودية الفردية والجماعية، وقمع الهوية والثقافة العربيه.

وكان  رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، أعرب في تدوينة على حسابه في الفيسبوك قبل إنصرافه، عن قلقه على مستقبل جهاز التعليم في إسرائيل، وقال إن حكومة نتنياهو  سلمته للعناصر الأكثر تطرفاً وظلامية في المجتمع الإسرائيلي.

إن القوانين والأنظمة الخاصة بالتعليم في اسرائيل، كانت قد صدرت عن الكنيست في الأعوام 1994 و1953 و 1969، وهي تنظم أهداف ومجالات عمل جهازي التعليم الرسمي والخاص، وأنواع المؤسسات التعليمية، وطرق تشغيلها وتنظيمها. وهذه القوانين والأنظمة تضع آلية منظومة التعليم بيد الحكومة، لنشرما تعتبره قيما هامة، تعمل على نشرها وتعميقها في مجتمعها.

ومرت المنظومة التعليمية الإسرائيلية بعدة تحولات، في مقدمتها تفشي ظاهرة التدين، في مناهج وكتب تعليمية خاصة بمواضيع الآداب والإجتماعيات، كما تتغلغل مكونات ومركبات المواضيع الدينية في تلك المناهج والبرامج التعليمية، تصل الى حد إحتواء  كتب المواد العلمية، على مضامين دينية، وهذا ما أثار إعتراض أولياء أمور الطلبه العلمانيين، هذا بالإضافة إلى أن المؤسسات الدينية التعليمية تتلقى ميزانيات ضخمه، وصلت الى اكثر من 60 مليون دولار في العام 2021.    

العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية

نتيجة للدور الذي تلعبه الجاليات والمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، بالدعم اللامحدود لإسرائيل، فإن ما يقلق جنرالات الجيش والمعارضه فيها، تصدع علاقات اسرائيل باليهود في الولايات المتحدة، معظمهم من المحسوبين على المعسكر الليبرالي في السياسة الداخلية الأمريكية، والذين اتسمت علاقات نتنياهو بهم في أحيان كثيرة بالتوتر، وعلى الرغم من ذلك فإن محاولاته لترميم هذه العلاقات، قد تصطدم بخطط شركائه في الحكومة التي يترأسها، التي سيعجز عن ايقافها، بسبب حاجته  لدعمهم.

وفي تصريح سابق، إستخدم نتنياهولفظ "الهيمنة "، في توصيفه لعلاقات اسرائيل بالولايات المتحدة، وقال "إن واشنطن تحدد أولويات سياستها الخارجية، وتطلب من إسرائيل تكييف مواقفها بما يتفق وهذه الأولويات، حتى وإن الحقت الضرر بمصالح إسرائيل"، بل وأكثر من ذلك، فقد أعلن في تصريح آخر بأنه "مستعد لتعريض العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية للخطر، إذا كان ذلك ضرورياً للأمن الإسرائيلي."  

ومن المحتمل أن تشهد العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية في عام 2023 تدهورا، على خلفية عدة ملفات، كمعارضة إسرائيل لعودة الولايات المتحدة الى الإتفاق النووي مع إيران، وتجاهلها للتحفظات الإسرائيلية عليه، هذا بالإضافة لمقاومة إدارة بايدن للضغوط الإسرائيلية، التي تهدف لوضع الخيار العسكري ضد طهران على الطاولة، في حال فشل محاولات إحياء الاتفاق.

وفي ما يتعلق بالتطبيع مع دول عربية وإسلامية، فإن نتنياهو في سعيه لتوسيع نطاق ما يسمى بـ"الإتفاقات الإبراهيمية"، يرفض ربط التطبيع بحل القضية الفلسطينية، ما يضعه على خط معارض مع وزير الخارجيه الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي أعلن مرارا بأن تطوير وتوسيع آفاق هذه الاتفاقات، لا يجب أن يكون على حساب إيجاد حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ويخشى نتنياهو أن تستغل واشنطن رعايتها للاتفاقات، وقدرتها على استثمارها في الضغط على إسرائيل، لتليين موقفها المتصلب من مسألة "حل الدولتين".

ولكن نتنياهو سيكون حريصا على تجنب المواجهات مع إدارة بايدن خلال عام 2023، على أمل أن تتراجع حدة الضغوط الأمريكية على إسرائيل مع بداية عام 2024، الذي سينشغل فيه الأمريكيون بالانتخابات الرئاسية، والتي يأمل نتنياهو بأن تأتي برئيس أمريكي جديد، يعمل على تغيير سياسة واشنطن حيال الملفات، التي تتسبب بحرج لإسرائيل، وقد تحدث توترات في العلاقات بين الجانبين .