في إجتماع ثلاثي عقد ليل الثلاثاء 24/1/2023، ضم نتنياهو ووزير الجيش "جالانت" ووزير المالية " سموتريتش" ، تقرر الشروع بما وصفته صحيفة اسرائيل اليوم، بـ "ثورة إستيطانية" كبرى في الضفة الغربية، بالمصادقة على مخططات إنشائية إستيطانية، لبناء 18 ألف وحدة استيطانية في الأشهر القليلة المقبله، في إطار مشروع الـ "مليون" مستوطن، وإخراج الإدارة المدنية من وزارة الجيش، وأضافت الصحيفة أن هذا المخطط عند اقراره، سيُعتبر " ضماً مصغراً " ، سيتم بموجبه تلقي المواطنين الفلسطينيين في المناطق التي سيشملها هذا الضم، "الخدمات" من حكومة الإحتلال.
مخطط حكومة نتنياهو هذا، يتضمن استكمال المشاريع التي توقفت في عهد الحكومة السابقة، وخاصة تعبيد الطرق وتطوير تلك القائمة منها، إضافة لإجراءات أمنية على الطرقات وحول المستوطنات، مثل الكاميرات والأسوار وغيرها من الإجراءات الأمنية، تشمل زيادة الرقابة على حركة المرور، وتوظيف قوى بشريه لضمان ذلك .
والسؤال هنا : هل ستعمل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، على ضم أجزاء من الضفة الغربية، على طريق ضمها كاملة على المدى البعيد؟ وما هي التداعيات المترتبه على ذلك، فيما لو تم فعلا ؟
إن حكومة نتنياهوالحالية ليست كحكوماته السابقة، التي اعتمدت إستراتيجية "إدارة الصراع" مع الفلسطينيين، إذ عملت تلك الحكومات على امتداد أكثر من عقد من الزمن، على تقويض حل الدولتين، وحددت وظائف السلطة الفلسطينية، من خلال التعامل بإنتقائية مع بنود إتفاق أوسلو، بتفعيل ما يصب في مصلحتها، وتعطيل ما هو في صالح السلطة الفلسطينية، للإبقاء عليها ضعيفه ومحاصره ماليا، ومعتمدة على الدول المانحة، ذات الأجندات التي تخدم اسرائيل، والأهم من ذلك، أن تعمل السلطة لديها كوكيل في خدمة مصالحها الأمنية.
إن سياسة نتنياهو "لإدارة الصراع "، أو سياسة "تقليص الصراع" التي تبناها نفتالي بينيت لاحقا، هما علامتان تجاريتان لنفس المنتج، تهدفان للحفاظ على الحكم الذاتي (السلطة الفلسطينية)، دون تهديد للأمن الإسرائيلي، وتمزيق الوحدة الجغرافية والسياسية للضفة الغربية، بخلق "كنتونات" فيها، وعدم التوصل الى معاهدة سلام قد تفضي لقيام كيان سياسي فلسطيني أيا كان شكله.
الا أن لدى سموتريتش خطة أخرى، وهي "حسم الصراع " مع الفلسطينيين، مستلهما فيها شخصية "يهوشع بن نون" الدينية الدموية، الذي تخبرنا أساطير التوراه بأنه دمر مدنا كنعانية، وأباد سكانها وحرث أرضها بالملح. إن سموتريتش وشريكه بن غفير، يعملان على إعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية كاملة، على أساس أنها لليهود دون غيرهم، بعد تفكيك السلطة الفلسطينية، وعدم منح الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أي حقوق مدنية أو سياسية، وتخييرهم بين الهجرة أو البقاء كحطابين وسقائين لليهود بحسب الرواية التوراتيه ..
إن لسموتريتش ولبن غفير اليد العليا في حكومة نتنياهو، الذي يسعى للبقاء في السلطة بأي ثمن، لتجنب دخول السجن بسبب تهم الفساد التي تلاحقه، ما سيجعله يرضخ لتوجهاتهما بشأن حسم الصراع مع الفلسطينيين، وكما وردت في الاتفاقيات الائتلافية بين حزب "الليكود" وحزب سموتريتش"الصهيونية الدينية" وحزب بن غفير"القوة اليهودية"، حيث نصت هذه الإتفاقيات على أن "لليهود دون غيرهم الحق غير القابل للتصرف في كافة أراضي فلسطين من البحر الى النهر، وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، دون تحديد جدول زمني.."
إن فكرة ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، كان نتنياهو قد حاول تطبيقها في تموز/يوليو 2020 عندما اعلن عن عزمه ضم أكثر من 30٪ من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وتشمل جميع المستوطنات وأراض في محيطها وغور الأردن وحتى بلدات فلسطينية في عمق الضفة، في إطار خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب "صفقة القرن" لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتنص على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على قطاع غزة، وأجزاء غير مترابطة جغرافيا من الضفة الغربية.
وإذا ما تم إعتماد خطة سموتريتش لحسم الصراع، وإنهارت السلطة لفلسطينية، فإن إسرائيل ستعيد إحتلالها العسكري المباشر لمناطق (أ) التي تخضع "إسميا" للسلطة، وهي بذلك ستكون مجبرة للتكفل بالمتطلبات الإقتصادية والصحية والإجتماعية والتعليمية، لأكثر من أربعة ملايين فلسطيني، بحسب إتفاقية جنيف الرابعه لعام 1949، ما سيكلفها نحو 6 مليارات دولار سنويا، بحسب ما أفاد به الصحفي ألإسرائيلي داني روبنشتاين في مقال في صحيفة "غلوبس" الإقتصادية، ويضيف " أن إسرائيل ستدفع ثمناً اقتصادياً باهظاً نتاج تدهور الأوضاع الأمنية المتوقع في أعقاب تفكيك السلطة الفلسطينية.."
وإذا إختار نتنياهو ضم الضفة الغربية كاملة لإسرائيل، أو ضم أجزاء منها، وفقا لبرنامج حكومته السياسي، الذي جاء فيه حرفيا " أن توقيت الضم يترك لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مع اختيار الوقت المناسب، ومع الأخذ بعين الاعتبار الحسابات القومية والديبلوماسية الدولية لإسرائيل"، فإن ذلك سيضع علاقات إسرائيل بالفلسطينيين على مسار اكثر عنفا من أي وقت مضى.
لا شك أن حكومة نتنياهو- سموتريتش - بن غفير، تعد الأكثر دموية وتطرفاً تجاه الفلسطينيين، كما تشير إتفاقاتها الإئتلافية، مما يزيد من التوقعات بأن الفترة القادمة ستشهد اتساع دائرة المواجهة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعاظم المقاومة فيها، ما سيعيد الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي للمربع الأول، على الرغم من تطمين جهات أمنية وسياسية ومراكز أبحاث إسرائيلية، من أن نتنياهو سيمنع سموتريتش وبن غفير، من الإقدام على خطوات من شأنها "هدم المعبد على رؤوس أصحابه"، كما فعل سابقا مع وزير الجيش أفيجدور ليبرمان في حكومته في عام 2016 ، وأنه سيحافظ على علاقات أمنية وإقتصادية مع السلطة الفسطينية..