الأربعاء  20 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

القضاء في فلسطين... اختناق، تسييس، وضوء الإصلاح خافت!

قوانين هرمة واستقلالية متأرجحة

2015-05-05 12:45:39 AM
القضاء في فلسطين... اختناق، تسييس، وضوء الإصلاح خافت!
صورة ارشيفية
 
تقرير- محمود الفطافطة
قيل قديماً: "إذا فُقد العدل توارى الحق ووريت الحقيقة وتبارى الظالمين قسوة وفساداً". هذه المأثورة سُقناها هنا لنستأنس بها كمدخل للانطلاق في موضوعنا العام وهو القضاء، تلك المهنة التي هي وعاء لرد الحقوق والدفاع عن المظلومين ورعاية مصالح الناس وحفظ أعراضهم وأموالهم من كل معتدٍ وشر مستطير... إنها رسالة الحق وراية العدل وزاد التقدم والرقي لكل مجتمعٍ يؤمن بهذه المهنة كمشروع إنساني؛ أخلاقي وخلاق لا مجرد شعاراً خاوياً من قيم الالتزام والرعاية والحماية لروادها ورائديها والمدافعين عن محرابها العبق والعريق.
 
هذه المهنة التي يلازمها شعار "العدل أساس المُلك" تتعرض إلى خلل واختلال وتدخل بين حينٍ وآخر من قبل جهات رسمية وأهلية خاصة في المجتمعات الفاقدة للديمقراطية والحرية. في حالتنا الفلسطينية يُعتبر الأمر استثنائياً لوجود احتلال يريد إلغاء كل ما هو موجود، وسلطتين سياسيتين متناقضتين في الرؤى والمؤسسات.. في هذا التقرير سنسلط الضوء على واقع القضاء في فلسطين بهدف الاطلاع على مشكلاته والتحديات والتوصيات التي من شأنها المساهمة في إصلاحه وتطويره. 
 
في دراسة للباحث المحامي ناصر الريس حول القضاء في فلسطين، أعدها لصالح ائتلاف "أمان" أكد فيها أن واقع القضاء في مختلف دول العالم أضحى مؤشراً ودليلاً لا بد من استحضاره وطرحه حال الشروع في تقييم مختلف جوانب الأداء الاجتماعي والسياسي والإداري والمالي للنظم السياسية على اختلافها، كون فساد القضاء أو استقامته ونزاهته وشفافيته ما هي إلا مرآة عاكسة لحقيقة حال مختلف السلطات الأخرى وأوضاعها، فإذا صلح القضاء واستقام عوده صلحت واستقامت حكماً سائر السلطات.
 
 اختلال وانقسام قضائي!!
في دراسةٍ لمؤسسة "مساواة" حول واقع القضاء أشارت إلى أن منظومة العدالة في فلسطين يشوبها اختلالات ومواطن ضعف بينة، مضيفة: "بالإضافة إلى ما يعتريها من بطء وتعقيد وما تسجله من نقص في الشفافية وقصور في التدابير الحديثة، فإن تقييد اللجوء إلى القضاء أو التدخل في شؤونه وتحجيم استقلاله وحياديته وحلول الوسائل البديلة لحل النزاعات محل القضاء يمثل الآفة الرئيسة التي تواجه هذا القضاء. كما أن غياب الإرادة السياسية في الإصلاح والتغيير من شأنه إلحاق الضرر به على كافة المستويات".
 
 وتبين الدراسة أن أخطر الاختلالات في منظومة العدالة تكمن في وجود نظاميين سياسيين في الضفة والقطاع والذي أدى إلى وجود نظاميين قضائيين منفصلين عن بعضهما والافتقار التام إلى التنسيق والعمل المشترك بينهما .  وتذكر الدراسة: "أن هناك انخفاضاً في درجة ثقة المواطن بالقضاء، ما أفقد المواطن الثقة في الحصول على العدالة بالسرعة المناسبة. فعلى مستوى استقلال القضاء، تتغول السلطة التنفيذية وتتدخل في شؤون القضاء".
 
 وفي دراسة أعدتها الباحثة عائشة أحمد لصالح المركزالفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أكدت فيها أن أهمال مشاكل التي عانى منها الجهاز القضائي تكمن في اختلاف رؤية الأشخاص الذين تعاقبوا على هذا الجهاز في فترات مختلفة لمفهوم استقلال القضاء. حيث اختلفت رؤية هؤلاء الأشخاص للمواد وللنصوص القانونية باختلاف مراكزهم وارتبطت باللحظة الآنية دون قيامها على رؤية ومفهوم عام للسلطة القضائية وعلاقة هذه السلطة بوزارة العدل، ودون أن تقوم على رؤية شاملة لمفهوم استقلال القضاء. بل ارتكزت على حسابات ومصالح شخصية ارتبطت بدور كل منهم ومركزه. وتبين أن من المشاكل التي تعصف بقوة واستقلالية القضاء استمرارالخلاف حول المهام والصلاحيات بين كل من وزارة العدل من جهة وبين مجلس القضاء الأعلى من جهة أخرى بخصوصا لإشراف الإداري على المحاكم وغيرها من القضايا.
 
تنازع وشخصنة!!
وترى الباحثة أحمد أن مفتاح حل أزمة الجهاز القضائي يكمن في وجود الإرادة السياسية للإصلاح لدى السلطة الفلسطينية، وفي العمل على احترام سيادة القانون واستقلال القضاء، واحترام نصوص القانون وأحكامه وعدم المس ﺑﻬيبة القضاء من قبل السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ذاﺗﻬا. كما يتطلب الإصلاح ضرورة استكمال توحيد الأنظمة القضائية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وخلق المؤسسات المساندة للسلطة القضائية كبناء المحاكم ورفد الجهاز القضائي بالكادر البشري المؤهل للقيام بالوظيفة القضائية.
 
 
إلى ذلك، يقول د. عزمي الشعيبي المفوض العام لائتلاف "أمان": "إن إعادة البناء والترميم لجهاز القضاء الفلسطيني تحتاج إلى جهد مجتمعي واسع، تشارك فيه مؤسسات السلطة الرسمية بجانب مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بسيادة القانون والعدالة وحقوق الإنسان وفي مقدمتهم المحامين والقانونيين والقضاة لاستخدام وتوظيف الطاقات والمصادر المتنوعة بشكلٍ متكامل وبآلية ومشاركة مخلصة، توفر بيئة عمل وتعاون وطني مشترك تحدد فيه أدوار كل الأطراف في التنفيذ والتقييم في إطار خطة عمل وبرنامج ورؤية متفق عليها ومعلنة".
 
وفي السياق ذاته، نشرت "مؤسسة الحق" رؤيتها للإصلاح القضائي في فلسطين في إطار دورها الرقابي وحرصها على استقلال القضاء ودعم قطاع العدالة، حيث أكدت في مقدمة الرؤية: "أنه وبالرغم من اهتمام قانون السلطة القضائية بدعم استقلال القضاء، إلاّ أن العمومية التي سيطرت على نصوص القانون، وافتقاره إلى معايير وآليات واضحة تبين مهام واختصاصات مؤسسات العدالة والعلاقة القائمة فيما بينها وحدودها، وتخطي أحكامه في كثير من الأحيان، وغياب التكوين والأداء المؤسسي لصالح الاجتهاد الشخصي، قد أضعفت من دوره كمرجعية قانونية في تعزيز استقلال القضاء ودعم العلاقة التكاملية بين مؤسسات العدالة، بما يتطلب إجراء تعديلات جوهرية على قانون السلطة القضائية تنسجم مع طبيعة أهدافه وغاياته، وتكون واجبة الالتزام في التنفيذ، عملاً بمبدأ سيادة القانون كأساس واجب الاحترام.
 
وأوضحت الرؤية أن الإصلاح الشامل في القضاء ومنظومة العدالة يتطلب وبالأولوية القصوى بذل جهود حثيثة لتوحيد السلطة القضائية ومنظومة العدالة في الضفة الغربية وقطاع غزة على أُسس مهنية وشفافة، بما يؤسس وينعكس إيجاباً على استعادة وحدة عمل المؤسسات وعلى واقع الحقوق والحريات في دولة فلسطين.
 
12000 تشريع !
 المحامي محمد الرابي أكد في ندوة أن مقياس نجاح السلطة القضائية هو ثقة المواطن أو عدم ثقته بالقضاء، مبيناً أن القضاء الفلسطيني لم يحظ بالاستقلالية والقوة منذ عهد العثمانيين ومرورا بعهد الانتداب البريطاني والحكم الأردني للضفة والمصري لغزة، وصولا للإدارة العسكرية الإسرائيلية. وأشار إلى أن هناك الكثير من المفاصل التاريخية قد عملت على إرباك وزعزعة القضاء الفلسطيني، ومنها أن القضاء الفلسطيني عاش في شبه انقسام تشريعي وإجرائي بين غزة والضفة منذ الحقبة المصرية والأردنية، موضحاً أن من أكبر الإشكاليات التي يواجهها الإرث التشريعي الضخم والذي يتمثل بوجود 12000 تشريع متعلق بالقضاء منذ عهد السلطة العثمانية، منوهاً إلى أن هذا الإرث التشريعي لم تتم دراسته وتقنينه وإلغاء وتطوير ما يلزم تطويره منه، مما أوقع القضاة في إرباكات كثيرة، بسبب التضارب بين هذه التشريعات.
 
وأضاف: "من الإشكاليات التي يعانيها القضاء، كذلك، إيجاد نص يعدل بعض التشريعات دون الإشارة إلى إلغاء التشريع السابق مما يوجد اختلافا في التفسير بين القضاة، كذلك غياب السلطة التشريعية والاستعاضة عنها بالمراسيم الرئاسية والتي هي لصالح مجموعة من المنتفعين على حساب المواطن مثل قانون التامين، وغيرها من المراسيم المتعلقة بالاقتصاد، وخاصة قانون الشركات وغيرها".
 
في محاضرة له بجامعة النجاح استعرض رئيس مجلس القضاء الأعلى علي مهنا التحديات التي تواجه العدالة في فلسطين ممثلة بالاحتلال وإفرازاته وممارساته التي تحد في فعالية القضاء، وتطرق إلى واقع القوانين الفلسطينية والاحتياجات التشريعية مركزاً على أهمية تعديل قانون السلطة القضائية. وشدّد على ضرورة تجاوز الأفكار التقليدية والنمطية التي تحول دون تحقيق العدالة، وعدم الوقوف عند الأمور الشكلية التي لا تحقق المنفعة للوطن أو للمواطن.واستعرض مهنا، أبرز الإنجازات في عمل القضاء الفلسطيني مركزا على التطورات التكنولوجية في مختلف مجالات العمل القضائي، وتفعيل النظم الإدارية الفعالة، والتطورات في إدارة سير الدعوى، وعمل دوائر التنفيذ وغيرها، مستعرضاً رؤية مجلس القضاء الأعلى لتطوير واقع العدالة في فلسطين.
 
 الباحث ضياء صباغ يؤكد أن المشكلات التي تواجه القضاء تتمثل في: تدخلات خارجية في عمل القاضي، وجود جيل جديد من الشباب القضاة غير متمرس أو لا يملك الخبرة، إلى جانب وجود بعض القوانين المهترئة التي تساهم في تضييع الحقوق وتقييد القاضي، علاوة على "تسييس القضاء" لمصالح شخصية، إضافة إلى العدد الكبير من الملفات الواجب على القاضي البت فيها يومياً، وهذا ما يؤدي إلى الخطأ وإهدار الحقوق.
 
العقوبة بديلاً عن التشجيع!
وفي الإطار ذاته نشير إلى حالة القاضي أحمد الأشقر الذي قرّر رئيس مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني نقله من منصبه كقاضي صلح جزائي إلى قاضي تنفيذ، وذلك لإصداره حكماً يقضي برفض تطبيق اتفاقية أوسلو. هذه القضية التي أثارت جدلاً واسعاً في الشارع الفلسطيني ورفضاً قاطعاً من قبل المؤسسات الحقوقية وسواها تمثل حسب أستاذ السياسة والشؤون العامة بجامعة بيرزيت د.عمار الدويك مشكلة أكبر من قرار نقل القاضي إلى اعتباره قراراً سياسياً وليس قضائياً. وأكد د. الدويك أن  خطوة  المجلس "لا تساعد في رفع ثقة المواطنين في القضاء الفلسطيني"، منوهاً إلى أن بيان مجلس القضاء حول قضية الأشقر يحمل رسالة للقضاة الشباب في درجات القضاء الدنيا بعدم الاجتهاد لاتخاذ القرارات "وتخويفهم بدل تشجيعهم".
 
نسب ومعطيات
وفي السياق ذاته، سنتطرق إلى أبرز ما جاء من نسبٍ ومعطيات حول واقع القضاء في فلسطين، خرجت بها دراسة مسحية أعدتها مؤسسة "مساواة" مؤخراً.  بينت الدراسة أن أهم التحديات التي تواجه القضاء تتمثل في: الاحتلال الإسرائيلي والظروف السياسية، عدم الثقة بالقضاء، ثقافة المواطنين التي لا تقبل سيادة القانون، عدم وجود إرادة سياسية للإصلاح، تدخل السلطة التنفيذية، والتي أبرزها: وزارة العدل، مؤسسة الرئاسة، رئاسة الوزراء ومجلس الوزراء. يضاف لذلك، عدم وجود تدريب وتأهيل كافيين للموظفين والقضاة، ونقص في إعداد الموظفين والقضاة.
 
وتبين الدراسة أن ما نسبته 58% يعتقدون بأن أحكام القضاء تخضع للتأثيرات الخارجية ونسبة 35% فقط تعتقد خلاف ذلك.  و66% لا يوافقون على أن القضاء نزيه ويخلو من الفساد في حين أن 29% فقط يوافقون على نزاهته. 84% يعتقدون وجود بطء في الفصل بالأحكام في المحاكم النظامية، و13% يعتقدون خلاف ذلك. كما أفاد 58% أن المحاكم النظامية لا تعامل الجميع على أساس المساواة أمام القانون، بينما أكد ما نسبته 38% أن لهم رأي مخالف.
 
 
اكتظاظ وتدخلات!
أما أسباب المشاكل التي تواجه القضاء من وجهة نظر الجمهور فتمثلت في: مشكلة الاكتظاظ لدى كاتب العدل كنقص الموظفين، عدم توفر النظام داخل دائرة كاتب العدل، التدقيق المبالغ فيه لدى كاتب العدل، مما يسبب تأخير في الحصول على الخدمات وبالتالي زيادة الاكتظاظ. أما أسباب بطء السير في الدعاوى فمردها: ارتفاع عدد القضايا أمام القاضي، قلة الإمكانيات المادية والبشرية، بطء التبليغات بسبب عدم معرفة عناوين أطراف الدعوى أساساً،عدم حضور الشهود، تغيب القضاة عن الجلسات، عدم حضور المحامين.
 
وبشأن القضاء العشائري أفاد 65% أنهم يفضلون تدخل القضاء العشائري ونسبة 35 % لا يفضلون . ارتفاع النسبة ناتج من عدم الثقة بالقضاء النظامي.  حيث ينتعش القضاء العشائري عندما يضعف القضاء النظامي ويختل ميزان العدالة ويضعف مبدأ سيادة القانون. كما أفاد 12% أنهم لا يثقون بالقضاء العشائري و30 % يثقون به ثقة ضعيفة . ونسبة 58% يثقون بالمحاكم العشائرية. أما المحاكم الشرعية، فهناك ما نسبته 9% لا يثقون بالمحاكم الشرعية ونسبة 23% يثقون بها ثقة ضعيفة. ونسبة 69% يثقون بالمحاكم الشرعية. بلغت نسبة الجمهور الذين لا يثقون بالمحاكم الشرعية 24%عام 2011 في حين بلغت عام 2013 نسبة 32%. كما أن هناك 28% لا يثقون بالمحاكم العسكرية ونسبة 33% يثقون بها ثقة ضعيفة و40% يثقون بها.
 
كذلك، أظهرت النتائج أن الأجهزة الأمنية هي الأكثر تدخلا في العمل القضائي بنسبة 49 % والسلطة التنفيذية (وزارة العدل،  مجلس الوزراء ورئاسة الوزراء) 27%. كما أن هناك جهات أخرى تتدخل في عمل الجهاز القضائي هي: مجلس القضاء الأعلى 52%،  والقضاة الأعلى درجة 48%، ودائرة التفتيش القضائي أثناء النظر في المنازعات 29%،  وأعضاء النيابة العامة 51%. كما أفاد 77% أن القضاة يتعرض لضغوط موجهة عليهم للتأثير على أحكامهم من مجلس القضاء الأعلى، ومن وزير العدل 51%، ومن الأصدقاء والأقارب والمعارف 72%، ومن الأجهزة الأمنية 84%، ومن القضاة الأعلى درجة 72% ومن المتنفذين في القطاع الخاص 69%، ومن المحامين خارج إجراءات الدعوى 66%. 
 
القضاء في عيون المحامين والمواطنين!
تظهر النتائج وجود سوء فهم عميقة في علاقة المحامين بالسلطة القضائية وهي بالأساس ناتجة عن عدم وضوح العلاقة فيما بينهما،  ومن النتائج: 69% من المحامين المزاولين يؤمنون أن القضاء لا يسير نحو التحسن المستمر.72% يرون عدم نجاح الدولة في صيانة استقلال القضاء، 60% يرون أن الأحكام الصادرة عن القضاء تخضع للتأثيرات الخارجية، 72% يعتقدون أن القضاء لا يتمتع بالحيادية والنزاهة ويشوبه الفساد، 83% يفيدون بوجود بطء شديد في الفصل بالقضايا في المحاكم النظامية.
 
قمنا باستمزاج العديد من آراء المواطنين حول الإشكاليات والتحديات التي تواجه القضاء الفلسطيني، لنحصل على هذه الإجابات: قلة المراجع القانونية  وثغرات في نصوص مواد القانون،تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، غياب المجلس التشريعي، عدم الحزم والتراجع أمام أصحاب النفوذ، وعدم وجود عقوبات رادعة، وقوانين فضفاضة، اكتظاظ القضايا عند القضاة، عدم وجود قضاء مختص كأن يكون قضاء إدارياً وعقارات وجرائم اقتصادية وجنحاً ومستعجل وسواها، عدم الاستقلالية التامة وعدم احترام قراراته في كثير من الأحيان.