القانوني أبو حية: القرار بقانون بخصم شيقل من فواتير الاتصالات مخالفة دستورية للقانون الأساسي
المحامي كراجة: القرار قانوني ولكن قد يصرف جزء من أمواله بطرق غير قانونية وفي سراديب الفساد
د. الشعيبي: من أجل القدس الناس تدفع أكثر من شيقل ولكن القضية تتعلق في عدم ثقتهم في إدارة المال العام بشفافية
حليلة: إنشاء صندوق واختيار مجلس أمناء له بعيدا عن الحكومة يعزز الثقة بصرف الأموال
د. عبد الكريم: التزام ربع خطوط الهاتف الخلوي في العالم العربي فقط من بينها حوالي 5 مليون خط فلسطيني يحقق 240 مليون دولار سنويا منها حوالي 14 مليونا من فلسطين
الحدث – إبراهيم ابو كامش
القدس تستحق أكثر بكثير من خصم شيقل واحد من كل فاتورة تزيد عن 20 شيقلا لكل مواطن أو مشترك بخدمات شركات الاتصالات الفلسطينية، هذا إجماع فلسطيني لا خلاف عليه، ولكن أزمة الثقة وزعزعتها إن لم نقل انعدامها بين المواطن والسلطة الفلسطينية وخاصة في القضايا المالية تضع القرار بقانون للرئيس ومن ثم قرار مجلس الوزراء المتعلق بخصم الشيقل لصالح دعم القدس على المحك لا سيما إذا انعدمت فيه شفافية آليات التنفيذ والجهات والإشرافية.
جدل كبير شهدته الساحة الفلسطينية حول قانونية القرار بقانون وقرار مجلس الوزراء، حول جمع التبرعات أو خصم الأموال من المواطنين أو المشتركين أو حتى الموظفين العموميين فلا يجوز الإقدام على ذلك من قبل أي كان، استنادا لما ينظمه وينص عليه القانون الأساسي حتى لو جاء القرار بقانون للرئيس محمود عباس استجابة لقرار القمة العربية في الجزائر المتعلق بدعم القدس، أو لتحفيز وتشجيع الدول العربية على تنفيذ هذا القرار، فتجربة الفلسطينيين مع شبكة الأمان المالي العربية صادمة. وهناك من يرى أن القرار قانوني حيث يمنح الرئيس صلاحية إصدار التشريعات في ظل غياب المجلس التشريعي.
من الواضح أن الإجراء يكتنفه الغموض وعدم الوضوح في آليات التنفيذ والجهات الإشرافية والمستفيدة، ابتداء من قرار الحكومة برئاسة د. محمد اشتية الذي جاء متناغما مع القرار بقانون وإن كانا يختلفان في النصوص، فالأول دعا إلى جمع ما يتم خصمه في حساب خاص تنشئه وزارة المالية، فيما القرار الثاني دعا إلى ترصيد إجمالي الخصومات في صندوق تابع لبنك التنمية الإسلامي.
أي رسوم أو ضرائب يجب أن تفرض بقانون صادر عن مجلس تشريعي منتخب، هذا ما يشدد عليه المستشار القانوني لمؤسسة الحق المحامي أشرف أبو حية، واصفا ذلك بالمواقف المبدئية، ويقول: "أما والحالة التي نعيشها بإصدار قرار بقانون كل ليلة وكل يوم فهو من الناحية القانونية لا يتواءم والحالة الواردة في المادة 43 من القانون الأساسي والتي تتحدث عن حالة الضرورة التي لا تحتمل التأجيل في حالة عدم انعقاد البرلمان، وبالتالي كل القرارات بقانون الصادرة من الرئيس بما فيها هذا القرار بقانون والذي له علاقة بموضوع خصم شيقل على فواتير الاتصالات هي مخالفة للقانون الأساسي، وبالتالي فهي مخالفة دستورية ولا أساس لها في الإطار القانوني، هذا هو التوصيف القانون الدقيق لهذا القرار".
ويشير أبو حية، إلى أن أي خلاف في آلية وكيفية التعامل مع الموضوع يندرج في إطار العملية التنظيمية ما بين صلاحيات الحكومة وصلاحيات الرئيس، وبالتالي "لا صلاحيات للرئيس في إدارة الشأن الحكومي، فالصناديق وغيرها من صلاحيات الحكومة وشغلها وهي التي تقرر أين يرصد وينفق، أما إذا كان القرار بقانون يتضمن نصا في وضع الأموال المجمعة في حساب خاص فهذا له علاقة بكيفية الفصل بين السلطات في إطار القانون الأساسي، وبالرجوع إليه هناك مادتان مختصتان بصلاحيات الرئيس والتي هي محدودة جدا جدا ومحصورة في قضايا محددة بعيدا عن إدارة المال العام وإدارة الشأن الحكومي فهذا شغل الحكومة".
ويقول المستشار القانوني لمؤسسة الحق: "ما حصل أن الرئيس استغل غياب التشريعي وأصدر قرارا بقانون بفرض الشيقل، والحكومة تتطلع إلى كيفية الاستفادة من الأموال المتأتية من هذا القرار".
ويرى المحامي أبو حية، أن التجارة السابقة وما حدث في صندوق (وقفة عز) من غياب الشفافية فيما يتعلق بالمال العام وإدارته والتي تحدثت عنه كل المؤتمرات التي نظمها (ائتلاف أمان) بشأن موضوع النزاهة وشفافية الحكومة، أفقد الكثير من ثقة المواطنين بالحكومة. إضافة إلى الأزمة التي تعرض لها مشروع مستشفى خالد الحسن للسرطان، حيث جمعت ورصدت الأموال في حسابات بنكية، ومن ثم شهدت القضية جدلا وخلافا ما بين وزارتي الصحة والمالية حول الأموال المجمعة لصالح أي الوزارتين يتم إيداعها، ولم يعط أحد إجابة واضحة للمواطن. ولم يصدر ما بعد جائحة كورونا وصندوق وقفة عز تقرير حكومي يكشف عن ما جمعته من أموال وأوجه الصرف لكل شيقل.
ويؤكد المحامي أبو حية بأن هذه التجارب راكمت من مدى الثقة بالحكومة في إدارة المال العام في ظل عدم وجود انتخابات ومجلس تشريعي يقوم بعملية الرقابة على أداء الحكومة واستجواب الوزراء والحكومة وسحب الثقة في حال الكشف عن سوء في إدارة المال العام أو في فساد أو في غياب الشفافية، وبالتالي "هذه التجارب كلها جعلت موضوع القرار بقانون وخصم الشيقل مدعاة للتندر على منصات التواصل الاجتماعي من الاتصالات التي وردت لشركات الاتصالات فيما يتعلق بخصم الشيقل، وفي ظل غياب عملية الشفافية في إدارة المال العام يشعر المواطن بأن لا ثقة في حكومة غير منتخبة ولا يوجد من يسائلها ولا يوجد برلمان يستطيع أن يسائل".
ويختلف المحامي فراس كراجة، جزئيا مع زميله أبو حية في جزئية بأن القرار بقانون الصادر عن رئيس الدولة الفلسطينية هو قرار قانوني، "ففي حال غياب المجلس التشريعي تصبح السلطة التشريعية بيد الرئيس. أما ما مدى قانونيته، فهو قانوني ودستوري في شكل القرار بقانون وهو نظامي لأنه في حال غياب المجلس التشريعي السلطة التشريعية تنتقل للرئيس، بينما يتم تنفيذه بالأنظمة والمراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء، وبالنتيجة لا تعارض بين قرار الرئيس والحكومة حول أين يرصد الشيقل ولا يوجد تضارب أو تعارض قانوني".
وفي نفس الوقت يتفق المحامي كراجة مع زميله المحامي أبو حية، حول إمكانية الادعاء بالقول إن القرار بقانون غير دستوري لأن فرض الرسوم على أي مواطن يجب أن يكون من خلال قانون، وهذا يمكن الطعن فيه بالقرارات الإدارية بصفته قرار إداري".
ولكن كراجة أعلن موقفه الرافض للطعن بهذا القرار بقانون لأنه ناتج عن قمة عربية وسيتم فرضه على كل المواطنين العرب في صالح دعم القدس بأشراف بنك التنمية الإسلامي، "وإن كانت برقابة عربية وبدعم ومساهمة عربية، بغض النظر عن ثقتنا أو عدمها بالأمور المالية في مؤسسات السلطة الوطنية، ولكن نأتي نحن الفلسطينين لنرفض أو نطعن أو نواجه هذا القانون فهو سلوك غير منطقي".
ولا يختلف المحامي كراجة مع زميله والآخرين حول الثقة المالية للمواطن بالحكومة "فهي معدومة ولا نقاش ولكن أقول: لن يذهب الشيقل كله للقدس، قد ينفق جزء منه لبعض المشاريع الصغيرة في القدس والباقي ينفق في طرق غير قانونية وفي سراديب الفساد المنتشرة في المؤسسات، ولكن حتى لو كان سينفق بهذه الطريقة، المصلحة الفلسطينية العليا لا تتطلب ولا تقتضي أن ندخل في صراعات قانونية وطعونات أمام الدول العربية وإنما علينا أن نعزز ثقة العرب بأن يتخذوا مثل هذه القرارات ويستمروا في اتخاذها".
أما المنسق العام لائتلاف "أمان" د. عزمي الشعيبي، فقال: "لسنا ضد أن يخصص شيقل للقدس أو أكثر من ذلك فالشعب الفلسطيني لديه الاستعداد للتبرع للقدس بمرسوم وبدونه من حيث المبدأ، ولكن تجربة القطاع الخاص على المحك للمرة الثانية، وتساءل هل يدار هذا الموضوع بطريقة شفافة؟ ففي تجربة (صندوق وقفة عز) لم تكن المشكلة في القطاع الخاص، وإنما كانت في إدارة الملف وليس في اللجنة المشرفة عليه لأنه لم يكن لديها قاعدة معلومات كافية، والآن سنواجه نفس المشكلة لمن ستعطي في القدس؟ ومن الذي سيقوم بإدارة المشروع؟ وأي مؤسسات وقطاعات؟. فالقضية هنا هي في الثقة المتراجعة جدا لإدارة السلطة الفلسطينية للمال العام، فعدم ثقة الناس في إدارة المال العام بطريقة شفافة وصريحة هي التي تدفع الناس للسؤال على موضوع الشيقل الذي لا قيمة له عندهم ومن أجل القدس الناس تدفع أكثر من شيقل فالموضوع يتعلق بثقة الناس بإدارة أي مال عام".
ويتابع د. الشعيبي "لطالما أن الثقة مهزوزة، فإن المحاور التي تحتاج إلى نقاش، من الذي سيستفيد منها؟ وتحديد أين ستنفق وتصرف؟ وكيف ندير هذا الموضوع بطريقة تبين للناس بأشخاص موثوقين ولجنة وطنية موثوقة مكونة من أشخاص معروفين باستقامتهم تكون مسؤولة عن الإيراد المجمع تشرف على أوجه الصرف والإنفاق، كما يجب مشاركة أهل القدس بشكل مباشر في تحديد الأولويات والاستفادة، وبحيث لا يتم إعطاء الأمر لمسؤولين في الأجهزة الأمنية عن منظمات يديرونها أو محسوبة على طرف سياسي واحد".
وشدد الشعيبي، على وجوب أن يشكل أهل القدس لجنة محلية وطنية من أشخاص موثوقين وليسوا مسؤولين في السلطة الفلسطينية، إذ يجب أن تكون المؤسسات المقدسية شريكة في إدارة الأموال التي ستجمع وفي تحديد أولويات المساندة للمستشفيات، العائلات الفقيرة، المحامين للدفع عن رخص البناء وغيرها، فإن تم ذلك فإن الناس لديها الاستعداد أن تدفع أكثر من الشيقل، وبخلاف ذلك فإنهم يتحفظون من حيث المبدأ".
وختم د. الشعيبي حديثه بالقول: "المشكلة في كيف نستعيد ثقة الناس بالتضامن الاجتماعي وهذا يحتاج إعطاء نموذج وعلى السلطة في هذه المرحلة أن ترفع يدها عن إدارة مثل هذا الملف".
ويتفق رئيس مجلس إدارة بورصة فلسطين رجل الأعمال سمير حليلة، مع الآخرين حول معدومية ثقة الناس بطريقة عمل السلطة الفلسطينية في توزيع الأموال مستندا في ذلك إلى حوالي ثلاث تجارب شهدت ضبابية في أوجه الصرف مثلما هو الحال في القرار بقانون بالنسبة لعدم وضوح مجلس أو لجنة أو أيا كان يحظى بموثوقية لتنفيذه.
وقال: "إن كان هدفنا خلق أجواء وبيئة مساندة وداعمة للقدس، كان من الأهمية بمكان إنشاء صندوق واختيار مجلس أمناء له ويفضل أن لا تكون الحكومة جزءا منه مع أن صندوق (وقفة عز) وضع له مجلس، ولكن نوعيته كانت مختلفة لتعزيز ثقة الناس بأن الأموال المجمعة ستصرف بالاتجاه وأوجه صحيحة، وليس هناك ما يمنع بأن يصدر مجلس الوزراء قرارا ينظم العملية بطريقة صحيحة ويعزز الثقة".
وكان الأجدر وفقا لما يراه حليلة، بأن لا يرتبط القرار بالاتصالات فقط وإنما بخمسة عناصر غيرها حتى لا يكون التمويل من جانب واحد، ولكنه قال مستدركا: "كالعادة اتخذ القرار على عجالة بدون أن يتم عمل إطار صحيح له حسب الأصول، فأي غموض أو لبس أو عدم وضوح يساهم برفض البعض للقرار ونتائجه ولا يزيد الثقة بإجراءات الحكومة وطريقة عملها ولا خلاف على الهدف في دعم القدس، ولكن إن أردت أن تحصل على الأموال من الناس يجب أن تحظى برضاهم وثقتهم وموافقتهم".
ويرى الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، بأن للقرار أهمية وقيمة اقتصادية ورمزية سياسية والتي قد تكبر إذا التزمت الدول العربية الأخرى بقرار القمة العربية في الجزائر لصالح القدس، حيث جاء مرسوم الرئيس في هذا الإطار، وبالتالي إذا التزمت باقي الدول العربية لا شك ستكون هناك مبالغ طائلة سيتم جمعها وستكون لها أهمية وآثار اقتصادية بشكل كبير في دعم القدس.
ويقدر د. عبد الكريم وجود ما يزيد عن 200 مليون خط هاتف جوال في العالم العربي، "فإن التزم منهم 50 مليونا في الشهر فهذا يحقق 50 مليون شيقل شهريا أي ما يعادل 240 مليون دولار وهو بلا شك مبلغ كبير. ولكن إن اقتصر على الفلسطينيين فتكون قيمة القرار السياسية أكثر، إذ يتوقع أن يحقق حوالي 3-4 مليون شيقل في الشهر أي حوالي 40-50 مليون شيقل في السنة وهذا مبلغ ليس كبيرا، ولكن له قيمة رمزية سياسية في دعم القدس".
ويشير عبد الكريم، إلى أن هناك ميلا لعدم الثقة بهذه الخطوة ليس لدعم القدس بالرغم من أهمية الإجماع على دعمها ماليا واقتصاديا، ولكن في أن تتولى هذه المهمة السلطة الفلسطينية ويصدر عنها هذا القرار وأن تقوم بإدارة المال العام، حيث كان هناك غياب للمعلومة في بداية صدوره حيث جاء فجأة بدون تقديم أو أية توضيحات ولكن اتضح لاحقا بأن هذا المبلغ سيتم تحويله إلى حساب خاص وسيتم فتحه وإدارته من بنك التنمية الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة، وإذا بقي الأمر محصورا بالسلطة في ظل عدم وجود ثقة وبعد التجارب السابقة التي أوجدت هوة ومساحة كبيرة بين الناس والحكومة.
ويعتقد عبد الكريم، أنه إذا تم تقديم نموذج عملي جيد في بدء بنك التنمية الإسلامي بالصرف وفق الأولويات سيكون له بالغ الأهمية في تعزيز الثقة، ولكن لغاية الآن لا توجد آليات لأنه لم يتم جمع أي شيء، لافتا إلى بعض القيود الإسرائيلية التي تعيق أوجه الصرف الأمر الذي يحتاج إلى شركاء في داخل القدس، ومن الواضح أن الأولويات لم تحدد بعد، إلى جانب وجود عدم ثقة واضحة.
وبرأي د. عبد الكريم، فإن عدم الثقة والجو والمزاج العام عند الناس يميل إلى عدم تصديق الحكومة والسلطة، ودائما يتم التشكيك حتى لو كانت هناك نوايا صادقة، وللتغلب على ذلك مطلوب من الحكومة والسلطة أن تقدم نموذجا مختلفا هذه المرة وبالذات الحكومة أولا بأول ابتداء من شهر شباط الجاري حيث بدأت عملية خصم الشيقل، لذا على الحكومة أن تقوم بالإعلان أولا بأول عن قيمة المبلغ وتحويله لحساب خاص معلن اسمه، وفي أي بنك، وعندما يتم تحويله لحساب خاص في بنك التنمية الإسلامي يجب أن يتم الإعلان عن ذلك وإذا كان ناقصا عن قيمة المبلغ الذي تم جمعه، يجب تفسير النقص.
ويعتقد عبد الكريم أنه إذا تحققت هذه الشفافية فإن هذه الخطوة ستشكل نموذجا جديدا وستعيد ترميم أزمة الثقة مع الناس، وإن فشلوا فلن تكون لهم فرصة أخرى.
وبرأي د. عبد الكريم كان على مستشاري الرئيس أن يهمسوا في أذنه من أجل كسب مصداقية أكثر بأنه يفرض شيقلا على المكلف لكل فاتورة ومقابلها 2 شيقل تدفعها شركات الاتصالات من حساباتها، عندها سيتضاعف المبلغ ليرتفع إلى 25 مليون لا سيما أنها تحقق أرباحا تزيد عن 150 مليون دولار أو 200 مليون، فهي فرصة مواتية للحكومة وللسلطة بأن تستعيد ثقة الناس.