السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مجلة "شارلي إيبدو".. عندما يصبح الموت والدمار محلا للسخرية

2023-02-08 12:05:14 PM
مجلة

الحدث الثقافي

تستمر مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة في إثارة الجدل كعادتها، بعد نشرها رسما كاريكاتيريا يسخر من ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب كل من سوريا وتركيا، مرفقة صورة لمبانٍ متهاوية مصحوبة بعبارة "لا داعي لإرسال دبابة" وفي هذا إشارة إلى حجم الدمار الذي خلفه الزلزال.

ويعرف عن المجلة تجاوزها لكل الخطوط الحمراء المتعارف عليها بين جموع البشر، بدءًا من الأديان، مرورا بالشخصيات التاريخية المقدسة، حتى وصل بها الأمر اليوم لأن تسخر من الإنسانية، هذه التي كانت مبدأ يتبعه الغالبية العظمى من الناس، حتى الذين لا يعترفون بأي مقدس، انطلاقا من فكرة "أن لا مقدس إلا الإنسانية".

يومان مروا على وقوع الكارثة، وبلغ مجموع الضحايا في البلدين حتى اللحظة، أكثر من 9000 قتيل، مع ترجيحات بزيادة العدد مع استمرار عمليات البحث عمن يقبعون تحت الركام، وإلى جانب هذا العدد الكبير والذي يشير إلى حجم الدمار الحقيقي، تلقى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي على مدار اليومين جرعة مأساوية من الصور ومقاطع الفيديو لأطفال نجوا وآخرين ماتوا، وآخرين يستصرخون من تحت الأنقاض، جرعة كانت كفيلة بأن تكون اختبارا حقيقيا للإنسانية التي نجح فيها الغالبية وهو ما يمكن قياسه من حجم التعاطف الدولي مع الضحايا سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر المساعدات الدولية التي مدت إلى البلدين على اختلاف نوعها وحجمها، وسقطت فيها المجلة والقائمون عليها، انطلاقا مما تعتبره "حرية رأي وتعبير".   

ولا تخفي المجلة على أحد فخرها بعدم اعترافها بأي خطوط حمراء، دينية أو عرقية أو مذهبية، وأن الشيء الوحيد الذي تقدسه هو "حرية التعبير"، لذلك تعطي لنفسها الحق بتناول جميع الموضوعات بسخرية لا تراعي فيها حرمة لأحد أو لشيء.

وحظي الرسم بتنديد واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط إجماع على أنه ساخر، لا إنساني، ولا يقيم وزنا للقيم الرفيعة والأخلاق، الأمر الذي وصفه الأكاديمي في جامعة بيرزيت عبد الرحيم الشيخ "بنظرة الجنرال للشحاد"، في إشارة إلى نظرة الغرب إلى الشرق.

وكتب الشيخ حول هذا: "منذ احتجاز جمجمة سليمان الحلبي في متحف الإنسان في باريس، إلى تندُّر شارلي إيبدو على الجماجم المحتجزة تحت أنقاض زلزال حلب وشمالها، وإنسان الغرب لا ينظر إلى إنسان الشرق إلا بمهداف السلاح، نظرة الجنرال للشحاذ، ثم يستغرب إن طعنه".

وأضاف: "بالفعل، لا يحتاج الشرق إلى دبابة لمزيد من الدمار، لكن من المؤكد أن ما يحتاجه الغرب هو بعض الأخلاق ليدخل "عائلة الإنسان الكبرى"، وليعترف بمسؤوليته عن الزلزال الذي سبق الزلزال، وليرحل عن بلادنا، وقد لا يطالبه أحد، حينها، بالانضمام لحملة "أنا سليمان".

الزلزال والإنسانية الضائعة

من جانبه، كتب الأكاديمي في جامعة الاستقلال نظام صلاحات عبر صفحته على "فيسبوك" منشورا يعقب فيه على رسمة "شارلي ايبدو" ومنشورات البعض التي اعتبرت أن الزلزال عقاب إلهي، وقال: "الزلزال والإنسانية الضائعة" يصلح هذا العنوان لمقالة طويلة تبدأ بشرح وجه الشبه بين كاريكاتير شارلي ايبدو المتشفي بزلزال تركيا الرهيب وبين التفكير الداعشي الذي ربط الزلزال بالعقاب الإلهي وبين تسييس المساعدات ما بين سوريا و تركيا".

واعتبر صلاحات أن كل هذه التجليات تضع القيم الإنسانية على محك رهيب، عندما يتساوى دعاة الحضارة الإنسانية مع من يتهمون بالتخلف والوحشية. متسائلا "هل حقا هذا التوحش تليق به حرب كونية ثالثة ينجرف لها العالم؟".

بدورها كتبت الروائية فاطمة بوخديمي: "عندما تسقط في مستنقع الرداءة والعقلية الكولونيالية هكذا تفعل، شارلي ايبدو الجريدة ذات التوجه العنصري التي سبق وأهانت نبينا -عليه أفضل الصلوات والسلام- تخرج لتنفث سمومها من جديد و تستهزئ بضحايا الزلزال في تركيا".

يشار إلى أن "شارلي إيبدو" هي صحيفة سياسية هزلية أسبوعية فرنسية، تشغل رسوم الكاريكاتير الهزلية مساحة كبيرة منها، وتعرف نفسها بأنها يسارية التوجه وتنشر مقالات عن اليمين المتطرف والكاثوليكية والإسلام واليهودية والسياسة والثقافة وغير ذلك.