خاص الحدث
ليست المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع هذه المادة، ولن تكون الأخيرة، فالقضية أكبر من الحكومة أو بحجم بعض مسؤوليها، لكنها تؤثر على خزينة السلطة الفلسطينية سلبا، وعلى خزينة بعض المسؤولين الحكوميين أو شبه الحكوميين إيجابا، إنها قضية التهريب عبر جسر الكرامة، والتي ثبت أنها معضلة يمكن الكتابة عنها في كل وقت، لأنها أزمة مستمرة وتأثيراتها تجعلها أزمة مهمة.
لنبدأ بالحقائق، ثم ننتقل للشرح والتفسير. تفيد مصادر مطلعة أن 520 مليون شيقل هي خسائر الخزينة الفلسطينية في 2022 بسبب تهريب الدخان عبر جسر الكرامة. مرة أخرى وبوضوح، بسبب تهريب الدخان فقط، فماذا عن الأمور الأخرى؟! الذهب مثلا!.. هذا يعني أن أكثر من نصف مليار شيقل خسرتها خزينة السلطة بسبب تهريب الدخان، وهذه تكفي مثلا لمنح الموظفين مستحقاتهم المتراكمة بسبب الرواتب المجتزئة أو المنقوصة.
لا يخفى على أحد أن الحالة الفلسطينية في مرحلة عصيبة، فالحكومة الإسرائيلية الجديدة جعلت المال عنصرا مركزيا في معاقبة السلطة سياسيا، وفي أولى عقوباتها ضد السلطة، كان المال والاقتطاع حاضرا. مرة تحت عنوان أن هذه مبالغ تذهب لعوائل الأسرى والشهداء، وفي أخرى لعوائل القتلى من الإسرائيليين. وبينما الحال كذلك، فإن الحد الأدنى من التفكير العقلاني والمنطقي يتطلب البدء بخطوات وإجراءات جدية لمنع عمليات التهريب سواء من الأردن أو إسرائيل.
وبدلا من اللجوء إلى إجراءات وتعليمات قد تثير إشكاليات وإضرابات، كما في قضية اقتطاع الرواتب من الأولى معالجة بعض جوانب القصور في الأداء ومن بينها قضية التهريب، لأنه وباختصار تشير التقديرات إلى أن الخسائر المتوقعة للخزينة الفلسطينية في عام 2023 من تهريب الدخان كمثال هي 820 مليون شيقل وذلك بسبب زيادة أسعار الدخان، وأيضا تخفيف الإجراءات على الجسر.
تهريب الدخان هو إحدى الإشارات على حقيقة أن منطقة الجسر ومحيطها أصبحت منطقة جريمة قد تكون منظمة، وهذا يثير تساؤلات حول من يرعى ذلك. إحصائيات 2022، توضح أن من 1718 قضية ضبط مخدرات تنوعت ما بين تجارتها، وترويجها، وزراعتها، وتوزيعها، كانت محافظة أريحا المحافظة الأكثر تسجيلا لهذه القضايا والتي بلغت 241 قضية بنسبة 14%.
أيضا في عام 2022، ألقي القبض على 1990 شخصا من تجار ومروجي ومتعاطي المخدرات، وزراعي اشتالها من بينهم 22 أنثى، وقد تم القبض على النسبة الأعلى منهم في محافظة أريحا بنسبة 15%، بواقع 296 شخصا. هذه إحصائيات بمثابة إشارات واضحة لضرورة البحث عن العلاقة بين المخدرات والتهريب في تلك المنطقة، ولعلّ النتائج ستكون صادمة للجميع.
ما يمكن قوله، إن الفلسطينيين لا يخسرون فقط أموالا بسبب السكوت عن عمليات التهريب، بل كذلك يخسرون شبانا وفتيات يقعون في شرك هذه القضية، التي تنقلهم لأماكن أكثر خطورة، مثل الترويج للمخدرات وتعاطيها. هناك على الجسر، عصابات محمية تمارس دورا منهكا للخزينة وللأخلاق، ورغم كل ما كتب ويكتب عن تلك المنطقة إلا أن القضية يبدو أنها بحاجة إلى المزيد.