في 15 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، يبلغ الرئيس محمود عباس الـ 88 عاما من العمر، ومع تقدمه بالعمر، ودخوله المستشفى أكثر من مرة في السنوات الأخيرة لإجراء فحوصات طبية، اصبحت قضية ما سيكون عليه المشهد الفلسطيني السياسي بعد رحيله موضوع دراسات تتناولته مراكزأبحاث ودراسات إسرائيلية بالتحليل، تستعرض خلالها السيناريوهات المحتمله لهذا المشهج وتوصيات للحكومة الإسرائيلية لما يتوجب عليها فعله ..
فراغ قانوني
إن شغور منصب الرئيس في حال غياب عباس، إما بالوفاة أوعدم القدرة على القيام بمهام منصبه، سيؤدي الى فراغ قانوني، وضبابية في التعامل مع الوضع الذي سينشأ، فالقانون الأساسي الفلسطيني (الدستور المؤقت)، يقضي بتولي رئيس المجلس التشريعي منصب الرئيس لمدة 60 يوما، على أن تجري بعد ذلك إنتخابات رئاسية، وهذا ما جرى بعد وفاة الرئيس ياسرعرفات، وأنتخاب محمود عباس رئيسا في العام 2005، لكن منصب رئيس المجلس التشريعي بات شاغرا، بعد أن حل عباس المجلس في العام 2018، وما يزيد تعقيد الوضع أنه لم يُسَمِ نائبا له.
ومنذ انتخابه في العام 2005 رئيسا للسلطة الفلسطينية، فإن عباس يتولى رئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحريروحركة فتح، وخلال فترة ولايته على مدى أكثر من 17 عاما، حظيت إسرائيل بإستقرارأمني نسبيا في الضفة الغربية، بإستثناء العامين الماضيين، اللذان ظهرت خلالهما مجموعات شبابية مسلحة في شمال الضفة الغربية، لا ينتمي عناصرها لأي من فصائل منظمة التحرير أو حماس، وشنت هجمات داخل إسرائيل وفي القدس والضفة الغربية، أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الإسرائيليين.
إن إحتمال غياب عباس عن المشهد، بالتزامن مع شن هجمات فلسطينية على إسرائيليين، وإتساع هوة عدم ثقة الفلسطينيين بالسلطة وحكوماتها، بالإضافة للصراع على خلافة عباس في غرف قيادات فتح المغلقة، أصبحت موضوعا لإستشرافاتٍ إسراائيلية، تحلل مكونات حكم الرئيس عباس ونقاط قوته وضعفه، والسيناريوهات المحتملة بعد غيابه، والنتائج المترتبة على ذلك على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية.
سيناريوهات
عدة دراسات لمراكز دراسات إستراتيجية إسرائيلية، تناولت مجموعة من السيناريوهات لما سيكون عليه الوضع في مرحلة ما بعد عباس، منها مثلا نقل صلاحياته بطريقة منظمة إلى زعيم واحد يحظى بالإجماع، أو لمجموعة من قيادات حركة فتح، ومنها أيضا دخول السلطة الفلسطينية في حالة من الصراع على الخلافة ما سيضعفها، ويعزز من نفوذ حركة حماس في الضفة الغربية، ومن السيناريوهات الإسرائيلية كذلك، إحتمال حدوث فوضى وحالة من فقدان السيطرة التي قد تسود في الأراضي الفلسطيينة، إلى درجة قد تصل الى تفكك السلطة الفلسطينية، وإضطرار إسرائيل للعودة للحكم العسكري المباشر للضفة الغربية.
وجاء في التقرير الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في ما يتعلق بالتحديات التي تواجه إسرائيل عموماً خلال العام 2023، أن الصراعات الداخلية الفلسطينية على خلافة عباس، تغذي ديناميات التصعيد، ما قد يدفع بالجيش الإسرائيلي إلى شن عمليات مكثفة، حتى دون تعاون أجهزة الأمن الفلسطينية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين.
ويخلص التقرير، الى أن أفضل سيناريو لما سيكون عليه الوضع في اليوم التالي لغياب عباس عن المشهد السياسي، الإنتقال المنظم في قيادة السلطة وإستمرارعملها، الا أن هذا لن يتأتى الا بعد تدخل دولي وإقليمي، للدفع باتجاه إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية، والضغط على إسرائيل للسماح بتصويت الفلسطينيين في القدس الشرقية..
وفي إطار السيناريوهات الإسرائيلية المطروحة، لما يتوجب على الحكومة الإسرائيليية فعله في حالة تفكك السلطة الفلسطينية، بعد غياب رئيسها، ما طرحه مدير مركز الدراسات الإساتراتيجية في جامعة بار ايلان المتطرف "مردخاي كيدار" ، بإنشاء ما سماه بـ "الإمارات الفلسطينية" في الضفة الغربية، تستند على أساس سلطات عشائريه، وإبقاء المناطق الريفية فيها تحت الحكم الإسرائيلي، كحل لمنع تحقيق حل الدولتين أو الدولة الواحدة.
الا أن فكرة "كيدار"هذه لم تجد صدى ايجابيا في الأوساط السياسية الإسرائيلية، قبل تشكيل نتنياهو لحكومته السادسة 2023، لأنها شبيهه بـ "روابط القرى" الفلسطينية الفاشلة، التي أسسها رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية الأسبق البروفيسور"مناحيم ميلسون" عام 1978، للتصدي لنفوذ منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، الا ان صفحتها طويت بعد أربع سنوات على تأسيسها..
تَبِعات إنهيار السلطة
لا شك أن مسألة خلافة عباس، تحتل أهمية استثنائية في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، لأن هدف إسرائيل الاستراتيجي، هو إستمرار وجود سلطة فلسطينية مستقرة وفعالة، تتعاون معها في المجالات الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، غير ذلك فإن الفوضى التي قد تنجم عن الصراع بين قيادات فتح على خلافة عباس، ستؤدي الى تعزيز قوة حماس في الضفة الغربية ..
وما يقض مضجع إسرائيل، سيناريو حدوث صراع في حركة فتح بعد رحيل عباس، متضافرا مع عوامل أخرى، قد تؤدي الى انهيار السلطة الفلسطينية، ووفقا لهذا السيناريو، فإن إسرائيل ستكون ملزمة وفقا لإتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، بتقديم الخدمات الصحية والإجتماعية والتعليمية، وإدارة شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء لسكان الضفة الغربية، الواقعين تحت إحتلالها.
وكانت سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهوتقوم في السابق على "إدارة الصراع" مع الفلسطينيين، بعدم الدخول في مفاوضات معهم تفضي لإقامة دولة فلسطينية، وإضعاف السلطة الفلسطينية، مع الإبقاء على وجودها لتأدية دور يخدم أمن إسرائيل، وتجنب عودة الإحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر، الا أن شريكي نتنياهو في حكومته الحالية، إيتمار بن غفيروبتسلئيل سموتريتش، اللذين يشكلان حجر"سنمار" في بناء الإئتلاف الحاكم في اسرائيل، لديهما خطة أخرى، وهي "حسم الصراع" بتفكيك السلطة الفلسطينية، بحسب المحلل السياسي في صحيفة هآرتس "تسفي بارئيل"
ويفيد بارئيل، بأن بن غفير وسموتريتش يسعيان لإعادة إحتلال الضفة، بوجود الرئيس عباس أو بغيابه، والغاء ما تبقى من إتفاق اوسلو، وتقسيم الضفة الغربية الى مناطق، تقوم البلديات فيها التي تشكلها إسرائيل، بإدارة منظومات التعليم والصرف الصحي والمياه والكهرباء للفلسطينيين، وربما لاحقا إصدار أذونات عبور وعمل ودراسة ورخص سيارات، من قبل هيئات عسكرية إسرائيلية.
وفي خطوة لتنفيذ خطة "حسم الصراع" لحل السلطة الفلسطينية بتجفيف مواردها المالية، لإيصالها لوضع لا تتمكن فيه من دفع رواتب موظفيها، قرار وزير المالية "سموتريتش إقتطاع أكثر من 39 مليون دولار، من عوائد الضرائب الفلسطينية في مطلع كانون ثاني 2023، سيذهب جزء منها لصالح عائلات اسرائيلية، قتل أفراد منها في هجمات فلسطينية، كانت محاكم إسرائيلية قد أصدرت أحكاما بذلك، ثم ألحقها بإقتطاع آخربعد أقل من شهربمبلغ يصل لنحو 29 مليون دولار، لما وصفه بعقاب للسلطة على صرفها مرتبات للمعتقلين في السجون الإسرائيلية، في إطار القانون الإسرائيلي "الدفع مقابل القتل"..