قالتْ: نعتوني بالجنون.. فابتسمتُ
طالبوني بالتعقل.. فحزنتُ
أيُّ عقلٍ..وأيُّ جنون
منْ منّا يمسكُ زمامَ الأمور؟..
نعم سيدتي ابتسمي عندما ينعتوكِ بالجنون، فالجنون آيات مدهشة في حكم زمن، فقدَ العقل والتعقل، فلماذا لا تبتسمين، والابتسامة تعدُّ نداء النجدة للمغدوريين، ومرفأ الراحة للمتعبيين، فضلا عن كون الابتسامة عبادة تولِّدُ شيئا من الود والحنين، مهما تغيرت الظروف أو تبددت السنين.
كما أن للابتسام قيمةً وجدانيةً وحسية في آن، بدليل أنها من أفضل ما منح الله للإنسان، وما أحوجنا لابتسام الجنون، حينما نمارس عادة الكلام علانية بين الكذب والنفاق، وكأننا نُصْعِدُ المطر إلى السماء.
نعتوكِ بالجنون.. والجنون لو يعلمون لغة سامية ذات قانون مستتر مسكوت عنه حينا، مشعٌ وصارخ أحيانا أخرى.. هو الفضيلة في زمن الرذيلة، وهو الطهارة وسط بحر من النجاسة، وهو قدس أقداس العبادة حينما تصبح العبادة تجارة.
هم طالبوكِ بالتعقل، لا لشيء إلا لكون التعقل في قاموسهم من فرط التخاذل، جبن بليغ، وعزف على وتر الخنوع، فلا للجبن عنوان دونهم، ولا للخنوع ملوك سواهم.
سيدتي هل تعلمين لماذا انهار النظام الاقتصادي العالمي؟؟. لان بنك المفاهيم الإنسانية فقد رصيده في سوق النخاسة.. وهل تدركين لماذا اعتمدوا قانون " الخلع " ؟؟. لان تعريف الخلع بحسب قاموس اللغة الجديدة ومصطلحاتها التي خرطتها مخارط الفتنة العمياء، يعني فيما يعني خلع الأخ والشقيق من محل الفاعل إلى محل المفعول به.
إن سألتني لماذا حرروا فلسطين والعراق وأفغانستان من أصحابها العرب والمسلمين؟.. أقول: حتى يتمكنوا من احتلال تخوم بؤرة الحيوان في عقل الإنسان، ولكي نصادق على صكوك الغفران الممنوحة للمسلم الذي يستبيح دم أخيه المسلم من الوريد إلى الوريد، لنصدق نبوءة أحدهم بأن الانقلاب إنما هو فتح عظيم، فلا يتبقى أمامنا إلا مبايعة ذلك الأمير الذي توج حكومته الانقلابية بتاج "الحكومة الربانية"، فضلا عن ضمان عدم اعتراضنا حينما يعتلي أحدهم المنابر مناديا في المسلمين يوم ذاك الفتح العظيم قائلا: أيا قبيل إن قتلك لهابيل إنما هو طريقك إلى الجنة فاقتله.
سيدتي: أتعلمين ما هو مفهوم " الجرح الدامي" ؟. هو عندما يمتلك الإنسان القدرة على الإنشطار حينما يعلن جهرا أنه قتل الحق انتقاما من حواء التي غوت آدم.. أتدرين لماذا؟؟. لان الخطيئة في شريعة من ليس لهم شرعا ولا شريعة تكمن في أنسنة الحواس إن تجرأت وهزها شيئا من الفن والحياة، بالرغم من جرأة أحلام مستغانمي التي جهرت بالقول ذات يوم: إن الفن هو كل ما يهزنا.. وليس بالضرورة كل ما نفهمه.
إزاء هذه التناقضات علينا أن نضحك ملء حناجرنا لنتلمس بيت القصيد كيف غدا الجنون من رحم الإنسانية وليداً؟. وبات التعقل دربا من الأوهام، حيث لازال هناك متسعٌ من إراقة الدم الحرام.. والسؤال كم من الوقت يلزمنا كي نَحْنيَ للجنون هاماتنا؟. وكم من الوقت سيمضي لنعلم أن التعقل يعني حضورنا؟.
لهذه الأسباب وغيرها وبينما كنتِ سيدتي تتسألين من منا يمسك زمام الأمور؟. خيروكِ بين نعمة التعقل ونقمة الجنون فماذا ستختارين؟؟؟. مع الآخذ بعين الاعتبار أن للأولى في الدنيا بيت وفي الآخرة دار، وللثانية نعت بالهذيان وغرفة اعتقال، ولتعلمي أن في الاختيار رقصا على الأوتار.