وصل عدد الشهداء منذ مطلع العام وحتى صباح يوم أمس 48 شهيدًا، 4 ارتقوا برصاص المستوطنين، والباقي برصاص جنود الاحتلال، ومن بينهم 10 أطفال وسيدة مسنة وأسير في سجون الاحتلال. في المقابل، قتل 12 إسرائيليًا في عمليات عدة، أبرزها العملية التي قام بها الشهيد خيري علقم، التي خلفت 7 قتلى من المستوطنين.
غزة على خط النار ... عاجلًا أم آجلًا
بداية عام ساخنة جدًا، زكت الحديث عن التصعيد المستمر منذ العام الماضي والمتوقع تصاعده هذا العام، خصوصًا في شهر رمضان، لا سيما الفترة التي يتقاطع فيها مع عيد الفصح اليهودي. وشهدنا خلال المدة نفسها إطلاق أكثر من 23 صاروخًا من قطاع غزة، ردت عليها قوات الاحتلال بقصف مواقع فلسطينية، وسط تكاثر الحديث عن تزايد احتمال حدوث مواجهة عسكرية بين قوات الاحتلال والمقاومة في قطاع غزة. فمن جهة لا يمكن أن تبقى المقاومة في القطاع مكتوفة اليدين إلى الأبد - على الرغم من وجاهة "الصبر الإستراتيجي" - وقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين يعيثون قتلًا وتهويدًا واستيطانًا في الضفة، وتحديدًا في مدينة القدس، ونابلس، وجنين، التي قدمت النصيب الأوفر من الشهداء، في محاولة من الاحتلال لكسر إرادتها، ومنع تعميم النموذج الذي تقدمه على بقية المناطق الفلسطينية.
من المسلم به أن مقاومة الاحتلال، بما فيها المقاومة المسلحة، حق مقر في القانون الدولي والمواثيق الدينية والدنيوية، وأن الشعب الفلسطيني رفع راية المقاومة المسلحة منذ بدء المشروع الصهيوني بتنفيذ أهدافه، كما رفعت الثورة الفلسطينية، وحركة فتح تحديدًا، راية الكفاح المسلح، واعتبرتها مقدسة "هويتي بندقيتي"، وأن الكفاح المسلح كان رافعة النهوض الوطني، لدرجة اعتبرته فصائل الثورة في البداية الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، ثم اعتبر شكل النضال الرئيسي، وكذلك حذت حركتا حماس والجهاد الإسلامي حذو فصائل الثورة في تبني الجهاد.
الكفاح المسلح في الصدارة
على الرغم من التزام القيادة الفلسطينية في اتفاق أوسلو بوقف المقاومة المسلحة وإدانتها، والتزمت بتصفية بنيتها التحتية، فإن أفراد أجهزة الأمن الفلسطينية خاضت معركة النفق "جبل أبو غنيم" بعيد تأسيس السلطة في العام 1996، ثم فجر الزعيم ياسر عرفات الانتفاضة الثانية بعد فشل قمة كامب ديفيد في العام 2000، وردًا على زيارة أرئيل شارون الاستفزازية إلى المسجد الأقصى، وفي مبادرة للخروج من قفص أوسلو، ولو عن طريق تحسين شروط المفاوضات. كما ساهم في اندلاعها شن العدوان العسكري و"عملية السور الواقي" لكسر إرادة المقاومة لدى الفلسطينيين، ولتأديب القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها أبو عمار، التي رفضت "العرض السخي" الذي قدمه أيهود باراك في قمة كامب ديفيد، الذي هو ليس سخيًا، وإنما محاولة للتصفية لا أكثر.
في مختلف المراحل، كان الكفاح المسلح يحوز على تأييد واسع، وفي معظم المراحل، يحظى بتأييد أغلبية كبيرة، لدرجة لم يتمكن تنظيم فلسطيني على أن يحتل مكانة بارزة وقيادية إن لم يتبن الكفاح المسلح، وأكبر مثالين "فتح" و"حماس".
إن موقع الكفاح المسلح في التاريخ الفلسطيني مستمد من طبيعة الصراع وخصائصه وجذريته، فلا يستطيع طرف أن يحدد وحده، خصوصًا الطرف الضعيف والضحية، أشكال النضال، فهي تفرض نفسها عليه فرضًا، فالحركة الصهيونية متطرفة وعنصرية ولم ولن تقبل أي تسوية، وتهدف من استعمارها الاستيطاني والفصل العنصري واحتلال فلسطين ليس الحصول على مواردها واستغلال الأيدي العاملة وموقعها الإستراتيجي فقط، شأنها شأن أي استعمار آخر، وإنما تستهدف أساسًا محو هوية الشعب الفلسطيني، وحتى وجوده إن أمكن، وعدم الاعتراف بحقوقه، حتى في حدها الأدنى المقرة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، لذلك لجأت العصابات الصهيونية قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي والحكومات الإسرائيلية بعد تأسيسه إلى كل أنواع الجرائم والمجازر والتهجير والتهويد والضم والفصل العنصري، فلجوء الشعب الفلسطيني إلى المقاومة المسلحة خيار إجباري، تعزز مع فشل كل المحاولات التي سعت إلى التوصل إلى حل أو تسوية منذ بدء الصراع وحتى الآن.
وأظهرت الحكومة الكهانية القائمة، برئاسة نتنياهو، إسرائيل على حقيقتها البشعة، من خلال برنامجها الذي ترمي من خلاله إلى حسم الصراع، وفرض الحل الإسرائيلي، والنجاح في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الحكومات السابقة بإقامة "إسرائيل الكبرى" على كامل مساحة فلسطين، عبر تشريد أعداد جديدة من الفلسطينيين، وحصر من تبقى في معازل آهلة بالسكان، ومنفصلة عن بعضها البعض، وتحت السيادة الإسرائيلية.
أيهما أجدى: المقاومة المسلحة، أم السلمية؟
في هذا السياق، إنّ الجدال حول أشكال النضال، وأيها الأجدى والشرعي الذي بدأ وتصاعد بعد الشروع في المفاوضات والسعي إلى التوصل إلى تسوية، لم يعد ذا صلة؛ لأن الكفاح المسلح غدا منذ زمن بعيد، وبعد تصاعد العدوان وارتكاب كل أنواع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والمحتل، ليس شكلًا للتحرير فقط، وإنما شكل من أشكال الدفاع عن النفس، فقد نفذت الحكومات الإسرائيلية منذ بداية العام الماضي، وتواصل حتى الآن عمليات "جز العشب" "وكاسر الأمواج" "وطنجرة الضغط"، التي تشمل الاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات والعقوبات الجماعية وهدم المنازل وسحب الهوية والجنسية، في محاولة لكسر إرادة الجيل الفلسطيني الجديد على المقاومة التي تتخذ شكل المقاومة الفردية، فهذه العلميات الاحتلالية هي مصدر التصعيد، ومعظم أعمال المقاومة المسلحة تكون ردًا عليها.
لقد ارتقى خلال العام الماضي 225 شهيدًا، معظمهم في الضفة الغربية، مقابل سقوط 31 قتيلًا إسرائيليًا، كما ارتقى منذ العام 2005 وحتى الآن أكثر من 7 آلاف شهيد، معظمهم في قطاع غزة، من أصل 100 ألف شهيد ارتقوا منذ بدء الصراع وفق أرقام أوردها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في مقابل 25 ألف قتيل إسرائيلي، بمن فيهم قتلى الحروب العربية الإسرائيلية، والذين سقطوا في لبنان قبل وبعد الغزو الإسرائيلي له، وحتى تحريره على أيدي المقاومة اللبناني، منهم 340 قتيلًا إسرائيليًا خلال المدة المذكورة.
هناك وجهة نظر ترى أن المقاومة المسلحة، سواء إذا كانت حقًا أو ليست كذلك، ليس من الحكمة أن تكون في موقع الصدارة، ولا من الأشكال الرئيسية؛ لأن إسرائيل متفوقة عسكريًا، والمقاومة المسلحة تمكنها من خلط الإرهاب بالمقاومة المشروعة، ومن استخدام عناصر تفوقها لإلحاق أكبر عدد ممكن من الشهداء والخسائر في صفوف الفلسطينيين، بل يذهب بعض أنصار وجهة النظر هذه إلى حد تحميل المقاومة قسطًا من المسؤولية عن عدم تحقيق الأهداف الفلسطينية، حتى على مستوى إقامة دولة فلسطينية على 22% من مساحة فلسطين، وهذا غير صحيح، فما قام به الشعب الفلسطيني وقواه رد فعل على الاحتلال، وكانت هناك أخطاء كبيرة وصغيرة، ولكن يجب رؤيتها ضمن هذا السياق.
وتعود إلى الواجهة، الآن بعد سير إسرائيل المستمر نحو التطرف والمزيد من العدوان من دون أي أفق سياسي، الآراء التي تتبنى أن المقاومة المسلحة هي الأسلوب الرئيسي، بل حتى الوحيد للتحرير، خصوصًا بعد أن أصبحت تعليمات استخدام الرصاص للقتل سهلة (ارجعوا إلى تصريحات نفتالي بينيت رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق الأخيرة بهذا الشأن)، التي وصلت إلى حد يسمح بإطلاق النار لكل جندي يتعرض لتهديد أو يعتقد أنه يتعرض لتهديد، ولو من قبيل إلقاء الحجارة. وهذا فيما يتعلق بالجنود، فما بالك بقطعان المستوطنين المتعطشين للدماء الفلسطينية، الذين بات إيمان عدد كبير منهم ومتزايد بأن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، وأن الفلسطيني بحد ذاته هدف للقتل؛ لأنه يهدد بقاء الدولة اليهودية، ومشروع محتمل للتحول إلى "إرهابي".
وجهات نظر متباينة من المقاومة المسلحة
إذًا، هناك ثلاث وجهات نظر من المقاومة:
وجهة النظر الأولى: ترى بضرورة المقاومة السلمية، وتنقسم إلى قسمين: الأول، يرى أن المقاومة كلها ليست الطريق إلى تحقيق الأهداف، بل إن الذي يمكن أن يحقق الأهداف هو مدى قدرة الفلسطينيين على إثبات أنهم يمكن أن يساهموا في توفير الأمن والاستقرار والسلام، وهذا رأي يقود إلى قبول أو التعايش مع الواقع والاستسلام له مهما بلغ سوؤه. أما القسم الآخر، فيرى أن المقاومة الشعبية، هي الأسلوب المناسب والمجدي والقادر على تحقيق ما يمكن تحقيقه من الأهداف والحقوق الفلسطينية. وأصحاب وجهة النظر هذه ما زالوا يتوهمون بإمكانية إحياء المفاوضات، والتوصل إلى تسوية، حتى لو لم تحقق كل برنامج الحد الأدنى الوطني.
وجهة النظر الثانية: ترى أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وأن التحرير لا يمكن أن يتحقق إلا بالكفاح المسلح بوصفه طريقًا وحيدًا أو رئيسيًا، وإذا كان الفلسطيني معرضًا للاستشهاد فليستشهد وهو يقاوم مقاومة مسلحة تؤلم عدوه، لا مقاومة شعبية لا يعطيها العدو والعالم أي اهتمام. ويتذبذب أنصار هذا الرأي ما بين المقاومة المسلحة والتهدئة، ويميلون أحيانًا إلى المغامرة لتجسيد وحدة الساحات، وأحيانًا أخرى إلى الفصل المؤقت بين الساحات.
وجهة النظر الثالثة: تدافع عن استخدام المقاومة والجمع بين أشكال النضال السلمية والشعبية والمسلحة؛ حيث يتم التركيز على هذا الشكل أو ذاك بناء على ظروف المرحلة وحساب الجدوى ومدى القدرة على تحقيق الأهداف.
وتأخذ وجهة النظر هذه نقاط القوة من وجهتي النظر؛ حيث تأخذ التفوق الإسرائيلي العسكري بالحسبان، الذي يؤدي إلى خسائر مضاعفة إذا تم الانجرار أكثر ما ينبغي إلى المقاومة المسلحة، وتحويل الصراع إلى صراع مسلح، فالمقاومة المسلحة حق وواجب، ولكنها يجب أن تكون في ظل عدم وجود عمق عربي وإقليمي ودولي كافٍ ثانوية، وتستخدم أساسًا للدفاع عن النفس، وتهدف إلى تدفيع العدو ثمن جرائمه من دون اللجوء إلى عمليات مقاومة كبيرة، خصوصًا إذا استهدفت مدنيين وأطفال، وكانت عشوائية؛ لأنها ستطال يهودًا ضد الصهيونية ومؤيدين للحقوق الفلسطينية، إضافة إلى فلسطينيي الداخل، فهم يشكلون 20% من السكان.
يجب أن تكون دائمًا المقاومة واعية، ولها أهداف محددة، وتحرص على تحقيق الأهداف بأسرع وقت وأقل التكاليف، وتستهدف الجنود والمستوطنين المسلحين؛ لأنها مقاومة أخلاقية، ولا يجب أن تتشبه بالعدو الذي يستهدف الفلسطيني بغض النظر عن عمره وانتمائه وجنسه ودينه ولونه ومعتقده، ولأنها مقاومة تحمل لواء قضية عادلة ومتفوقة أخلاقيًا وجامعة؛ كونها قادرة ويجب أن تسعى إلى حشد وجمع شعوب العالم من مختلف الأقطار، إضافة إلى أن استهداف المدنيين الإسرائيليين في ظل الاختلال الفادح في ميزان القوى يدفع إلى حسم الصراع، في الوقت الذي لا تملك فيه المقاومة القدرة على الحسم؛ ما يجعل العدو هو القادر على الحسم.
كما يجب أن يكون التركيز على المقاومة الشعبية؛ لأنها تتناسب مع كون الصراع طويلًا وبحاجة إلى الكثير من الوقت، ولن يحسم بالضربة الواحدة، ولأنها تتيح إمكانية الانخراط فيها لكل الأفراد والأعمار والطبقات والتيارات؛ كونها يمكن أن تمارس من كل الأماكن الذي يتواجد فيها الفلسطيني في جميع أنحاء العالم، وتتضمن أشكالًا لا حصر لها من المقاومة والمقاطعة، السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والقانونية.
المقاومة في السنوات العشرين الأخيرة ... أثمان باهظة وإنجازات محدودة
إذا قيّمنا ما جرى في السنوات العشرين الأخيرة، سنجد أن المقاومة لم تحقق إنجازات كبيرة، ملموسة، ما عدا قدرتها على البقاء والصمود وإلحاق خسائر في صفوف العدو، وهذا مهم، ولكن يجب ملاحظة أنها أدت إلى دفع أثمان وخسائر كبيرة ومضاعفة عن معدل الخسائر في مختلف الفترات السابقة، من دون تحقيق الأهداف التي رفعتها أو مفترض أن ترفعها.
وهذا يعود إلى أسباب خارجية عدة؛ حيث لا توجد بيئة عربية ودولية ملائمة، وداخلية، أهمها وقوع الانقسام، الذي ألحق أضرارًا لا حصر لها، أهمها أولًا وقبل كل شيء أنه حال دون بلورة رؤية شاملة وإستراتيجية موحدة، وسبب اليأس والإحباط للكثير من الفلسطينيين وأنصار قضيتهم في العالم كله، وجعل السلطة في الضفة أكثر ارتهانًا للاحتلال، وجعل المقاومة في غزة وكأن هدفها الأكبر الدفاع عن سلطة الأمر الواقع في القطاع، وأن الصواريخ تطلق غالبًا لتحسين شروط الحصار، مثل: تسديد الرواتب، أو تحسين خدمة الكهرباء، أو الاستيراد، ولم تعد أساسًا إستراتيجية للتحرير.
إن هذا الوضع بحاجة إلى تقييم، فصواريخ المقاومة مجمدة أيام التهدئة بين عدوان وآخر وهذه معظم الوقت؛ لأنها إذا أطلقت من قبيل تجسيد وحدة الساحات، أو لرفع أو تخفيف الحصار، تواجه برد فعل قوي من جيش الاحتلال، وبالتالي ستدفع المقاومة والشعب ثمنًا باهظًا، وإذا لم تطلق فهذا يطرح سؤال عن مبرر الصواريخ، وهل هي الأسلوب الأنجع للمقاومة.
يدفع استمرار الانقسام الأمور نحو الانفصال التام بين الضفة والقطاع، وتحقيق أحد أهم أهداف الاحتلال، فهذا الوضع يجعل وكأن الهدف هو إقامة سلطة في قطاع غزة وليس التحرير، حتى لو كانت محاصرة وأكبر سجن في التاريخ، ومهددة بالعدوان العسكري بسبب وبلا سبب، إذا أطلقت صواريخ، أو لم تطلق؛ لأن حكومة الاحتلال ستحمل المقاومة مسؤولية التصعيد في الضفة بحجة أنها تحرض عليها، حتى لو كانت المقاومة فردية، ولأن المقاومة لن تستطيع أن تضبط نفسها طويلًا في وقت تستباح الضفة، بما فيها القدس، وتمضي الحكومة الإسرائيلية في السعي لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها.
بناء على ما سبق، إن المواجهة المسلحة مع فصائل المقاومة في القطاع قادمة آجلًا أو عاجلًا، سواء إذا تدخلت المقاومة في غزة أو لم تتدخل، إلا إذا تم الاتفاق على هدنة طويلة الأمد مقابل كيان منفصل عمليًا في القطاع، وهذا مستبعد الآن على الأقل، لذا فإن "الصبر الإستراتيجي" حتى تأخذ المقاومة في الضفة مداها، ولكي تلتقط المقاومة أنفاسها وتراكم القوة الكافية للمواجهة القادمة، سينفد.
المقاومة المسلحة ضرورية؛ لأنه من دونها وفي ظل عدم وجود عملية سياسية جادة وملزمة يعني تعمق الاحتلال وتأبيده، وتحول القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية، وتتعلق بالأفراد، وليست كما ظلت قضية شعب مصمم على التحرر له هوية واحدة وحقوق وطنية، ولو تصورنا أن المقاومة، خصوصًا المسلحة، لم تتواصل، جيلًا بعد جيل، وثورة بعد ثورة، وانتفاضة وراء انتفاضة، وهبة وراء هبة، لانتهت القضية منذ زمن بعيد.
إن المقاومة هي التي منعت المشروع الصهيوني من تحقيق كامل أهدافه بتشريد بقية الشعب من وطنه، وأبقت القضية الفلسطينية حية؛ في ظل صمود الشعب، وتمسكه بهويته وأهدافه، وبقاء جذوة المقاومة مشتعلة؛ ما يجعلها قادرة على استقطاب تأييد الشعوب العربية والإسلامية والأحرار في العالم كله، فلا أحد يقف مع شعب لا يقف مع قضيته، وهو الأمر نفسه الذي يمنع التهجير الجماعي والمجازر الجماعية والتهويد الكامل، فهناك خشية من المقاومة وتداعياتها وتصاعدها وجر العرب إليها.
ما تقوم به المقاومة شيء مهم جدًا، ولكن من دون إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وشراكة حقيقية، لا يمكن بلورة إستراتيجية واحدة تعدّ من أهم شروط الانتصار. ففي سياق الوحدة تتجسد وحدة القضية والأرض والشعب، ويوضع البرنامج العام والبرامج المحددة لكل تجمع، ويتم ترجمة وحدة الساحات بشكل تلقائي؛ لأن الوحدة لا تقوم من الفراغ، وإنما يجب أن تقوم على أساس الاتفاق على التخلي عن الأوهام الخاطئة والرهانات الخاسرة على الغير هنا وهناك، وعن التزامات أوسلو، في سياق الاتفاق على الأهداف وأشكال النضال وقواعد العمل التي تنظم العلاقات الداخلية.
يمكن أن تتم الوحدة على أساس حل الرزمة الشاملة، التي تستند إلى المبادئ والمصالح وتوازن القوى الداخلي، والتي تطبق بالتوازي والتزامن، ويمكن أن تتم وفق جدول زمني؛ أي على مراحل. ويمكن أن تتواصل وتتعمق بالوحدة الميدانية في المقاومة، وكل المجالات، ومن أسفل إلى أعلى، وعمل القوى المتفقة معًا لتجسيد النموذج القادر على فرض نفسه على الآخرين المترددين أو المتخاذلين.
إن الفلسطيني قادر على الانتصار، ويستحقه، إذا توفرت القيادة اللازمة والإرادة المستعدة لدفع الأثمان، وبقدر ما تشكل الحكومة الإسرائيلية من تحديات ومخاطر كبيرة ووجودية بقدر ما يمكن تحويلها إلى فرصة تاريخية إذا توفر طرف فلسطيني فاعل وموحد، وطبعًا في إطار الوحدة يكون التنوع والمنافسة والخلاف. الوحدة ستأتي عاجلًا أم آجلًا، وإن لم يكن في ظل خريطة القوى الحالية نتيجة تبلور خريطة جديدة ستفرضها الحاجة الفلسطينية للوحدة، فالوحدة كما يقال قانون الانتصار.