فخري أبو ذياب لـ الحدث: الاحتلال يحاول الاستفراد بأحياء القدس بدءًا من أكبره"
زياد حموري لـ الحدث: الاحتلال يستخدم سياسات الهدم والإخلاء من أجل حسم الموضوع الديموغرافي في القدس
الحدث- سوار عبد ربه
بالزيت والأقفال على المحال التجارية، نجح أهالي بلدة جبل المكبر من أن يشتروا زمنا، لتأجيل قرار بلدية الاحتلال في مدينة القدس المحتلة بهدم منزل عائلة بشير التي كانت قد أفرغت محتوياته بعد تسلمها أمرا إداريا يخطرها بموعد هدم شقتي العائلة، وذلك بعد أن هدمت البلدية 3 منازل لعائلة مطر ومنشأة تجارية في البلدة مؤخرا.
ليلة الثلاثاء 31 كانون الثاني 2023، صدحت مآذن المساجد في بلدة جبل المكبر بالقول: "لن نسمح بهدم منزل آخر، اجتماع السواعد يبني الوطن، واجتماع القلوب يخفف المحن"، وفي الصباح عم الإضراب الشامل البلدة، وأغلق الشبان الطرق بالحجارة والإطارات المشتعلة، وسكبوا الزيت على مداخل وشوارع البلدة، لمنع جرافات الاحتلال وقواته من دخولها، إلى جانب مواجهات عنيفة شهدتها البلدة مع قوات الاحتلال تركزت في حييّ الصلعة وبشير من أراضي جبل المكبر، وسط إطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع صوب الأهالي.
وقادت الإضراب عشائر عرب السواحرة إلى جانب الحراك الشبابي في جبل المكبر، وجاء في بيان صادر عن الحراك: "سنتصدى لآليات الاحتلال ولن نكون لقمة سائغة له، ولن نسمح بهدم منزل جديد في بلدتنا"، موضحا أن الإضراب سيشمل كل مناحي الحياة من عمال ومخابز ومدارس، عدا المراكز الطبية والصيدليات".
في السياق، كانت عشائر عرب السواحرة ومؤسسات جبل المكبر قد أعلنت العام الماضي قرارها وبالإجماع بميثاق ملزم وعهد قاطع لا رجعة عنه برفض الهدم الذاتي للمنازل. وقالوا في بيان لهم في حينها: "إننا في هذا الجبل الشامخ نعلنها وعلى الملأ أننا لن نهدم بيوتنا بأيدينا وأن الهدم الذاتي وبإذن الله وقوته صار وراء ظهورنا". ونشادوا عموم الأهالي في مدينة القدس للالتزام بهذا الميثاق مؤكدين على استمرار الحراك ضد هدم المنازل في القدس وضرورة اصطفاف كل المقدسيين على هذا النهج.
وفي لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، قال المختص في شؤون القدس فخري أبو ذياب: إن ما تقوم به حكومة الاحتلال وخاصة حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة التي تشن حربا على الوجود الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة يأتي في سياق الهجمة من قبل الاحتلال لتطويع وترويع وكسر شوكة ومعنويات أهل القدس ومحاولة لتفريغ وتهجير المدينة، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدت موجة من العمليات ضد المستوطنين وقوات الاحتلال"، مضيفا "أن قوات الاحتلال تحاول فرض أجندتها وما يعرف بسياسة العقاب الجماعي على المقدسيين".
وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غبير، قد أصدر تعليمات بالشروع وتسريع عمليات هدم المنازل في القدس الشرقية، بحجة عدم الترخيص، وطالب مركز عدالة على خلفية القرار، بوقف عمليات الهدم في شرق القدس المحتلة وإبطال التعليمات التي أصدرها الوزير بن غبير، وذلك لعدم قانونيتها وعدم امتلاكه الصلاحية التي تخوله بإصدار تعليمات كهذه، محذرًا من وعواقب مواصلة عمليات الهدم التعسفية، والتي تشكل عقابًا جماعيًا مخالفًا للقانون الإسرائيلي والقانون الدولي.
وأكد عدالة، أن البناء غير المنظم في القدس هو نتيجة لسياسة منهجية ومتعاقبة للسلطات الإسرائيلية منذ الاحتلال عام 1967 والضم غير القانوني الذي أعقب ذلك، والتي اعتمدت سياسات عنصرية ضد الفلسطينيين ومنعتهم من البناء كجزء من خطط التضييق عليهم ومحاولات ترحيلهم واقتلاعهم من أرضهم ومنازلهم منذ الاحتلال عام 1967. فمنذ ذلك الحين، وضعت السلطات الإسرائيلية العراقيل والعقبات أمام الفلسطينيين لمنعهم من البناء والتطوير، فعلى سبيل المثال لا تزال السلطات الإسرائيلية تمنع التخطيط والبناء عن المناطق التي يسكنها الفلسطينيين بما يتلاءم مع حاجاتهم ومتطلباتهم، وذلك بهدف خدمة المصالح السياسية غير المشروعة لإسرائيل كقوة محتلة في المنطقة.
وأكد أبو ذياب أن الاحتلال واهم أنه بهذه الهجمة سيتمكن من إخافة أهالي القدس المحتلة أو ثنيهم عن الوقوف في وجه مخططاته التي من المتوقع أن تطال كافة الأحياء المقدسية والقرى والبلدات في شرقي القدس.
ووفقا لمصادر محلية يتبع جبل المكبر للسواحرة الغربية في الجنوب الشرقي من مدينة القدس المحتلة، ومعظم سكان هذه القرية هم مزيج من قبائل وعشائر العبيدية والسواحرة، ويفصل بينه وبين جبل الزيتون وادي سلوان، وبينه وبين جبل صهيون وادي الربابة لذلك يعد هدفا مهما للاحتلال من أجل السيطرة عليه وقطع الطريق أمام تمدد الفلسطينيين وتواصلهم على أرض القدس المحتلة.
ويرى المحلل السياسي أبو ذياب، في لقائه مع "صحيفة الحدث"، أن الاحتلال بدأ هجمته على الأحياء الكبيرة في القدس، كحي جبل المكبر، ومنطقة جنوب سلوان، الحامية الجنوبية المسجد الأقصى، متوقعا أن يصل في مخططاته إلى وسط بلدة سلوان، ورأس العامود، ووادي الجوز، والشيخ جراح، وكذلك بيت حنينا وشعفاط.
وأوضح أبو ذياب أن الاحتلال يحاول أن ينفرد بالأحياء المقدسية واحدا تلو الآخر، لتنفيذ مخططات ضد المقدسيين، ولذلك اختاروا البدء بجبل المكبر لكثرة المشاريع التهويدية التي من الممكن أن ينفذوها فيه، كما أنه يمثل أكبر خطوط التماس وأقربها على تجمعات المستوطنين.
وحول خطوة الإضراب التي اتخذها أهالي جبل المكبر في وجه الاحتلال، قال المختص في شؤون القدس أبو ذياب، إن هذا يدلل على وحدة الكلمة فالأهالي يعون تماما أن هذه الرسائل تصل إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي فشل في كل محاولته لتفتيت التجمعات الفلسطينية، أو ثني الفلسطينيين عن الوقوف في وجهه.
وأكد أبو ذياب أن الخطوة هذه حققت النتيجة المرجوة، إذ كان من المفترض أن تنفذ بلدية الاحتلال عمليات هدم مقرة لكن بفضل الإضراب لم تحدث، ما يعني أن التزام الأهالي بالإضراب أجّل وأعاق محاولات الاحتلال هدم المنازل وطرد السكان، داعيا إلى مزيد من الثبات والصمود لأنهما صماما الأمان الوحيدين في وجه الاحتلال، فإن لم يستطع الأهالي تغيير وإلغاء مشاريع الاحتلال على الأقل سيعيقونها بشكل كبير قدر المستطاع.
وأردف أبو ذياب: "يحب الحفاظ على هوية القدس العربية الإسلامية، ومنع تهويدها بشتى الطرق، والحفاظ على الوجود المقدسي الفلسطيني فيها، بكافة السبل وعلى رأسها الحراك المقدسي وذلك من خلال إيجاد استراتيجيات للصمود والثبات، وتركيز الصمود والرباط، وتمكين أهالي القدس المحتلة في أراضيهم، مستذكرا صمود الأهالي في هبة الأسباط التي توحد فيها المقدسيون على قلب رجل واحد، ما أدى إلى انكفاء الاحتلال عن فرض وقائع تهويدية جديدة على المسجد الأقصى كوضع كاميرات وبوابات إلكترونية وغيرها.
كما تطرق إلى صمود أهالي الخان الأحمر شرق القدس المحتلة، الذي أدى إلى تأجيل النقاش في موضوع إخلاء القرية لشهر حزيران القادم.
وذكرت مصادر عبرية الأربعاء الأول من شباط 2023، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي قدمت ردها لمحكمة الاحتلال العليا، حيث طلبت تأجيله 4 أشهر أخرى، علما أن هذه هي المرة التاسعة التي يتم فيها تأجيل الإخلاء.
ووفقا للمختص في شؤون القدس، يوجد 832 أمر هدم لمنشآت في جبل المكبر بعضها محال تجارية وبعضها الآخر منازل، بادعاء أنها غير مرخصة، مشيرا إلى أن الاحتلال لا يعطي المقدسيين تراخيص للبناء، مقابل عمله على تعزيز وتكثيف الاستيطان في هذه المنطقة.
وحول المشاريع التهويدية التي ينوي الاحتلال تنفيذها في أحياء القدس أوضح أبو ذياب أن الاحتلال يعمل على استكمال مجموعة من المشاريع الاستيطانية التهويدية منها ما يسمى بالطريق الأمريكي، وإقامة القاعدة العسكرية الجديدة، كذلك توسيع المركز الأمني المعروف بــــ"عوز"، وتوسيع مستوطنة "نوحتسيون"، مشيرا إلى أن الاحتلال يريد هدم منشآت الحي لصالح هذه المشاريع في حين يبقى الهدف الأساس هو تقليص الوجود الفلسطيني وزيادة أعداد المستوطنين.
ووفقا لأبو ذياب فإن الطريق الأمريكي هو جزء من مخطط تهويدي قديم حديث خطط في عهد الاستعمار البريطاني يهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وهدم منازلهم.
ونهاية العام المنصرم، كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء المركزي الفلسطيني أن أكثر عمليات هدم المنازل التي نفذتها قوات الاحتلال كانت في مدينة القدس، وبحسب التقرير فإنه وفي عام 2022 قام الاحتلال بهدم وتدمير 1,058 مبنى (353 مبنى سكنيا و705 منشآت)، شملت 93 عملية هدم قسري يقع معظمها في محافظة القدس بواقع 88 عملية هدم قسري، وبهذا تكون محافظة القدس قد تصدرت مجمل عمليات الهدم بنسبة 29%.
ويتوقع مختصون أن تزداد هذه النسبة خلال العام الجاري، سيما في ظل حكومة اليمين المتطرف، التي لم تتوانى منذ تسلمها مهامها في التاسع والعشرين من كانون الأول الماضي، عن محاولة فرض السيطرة الإسرائيلية على شرق القدس المحتلة.
يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري في لقاء خاص مع صحيفة الحدث "إن الهدم الجماعي والتهديد فيه ليس سياسية جديدة ينتهجها الاحتلال، فقبل حوالي عامين تم هدم حوالي 87 بيتا في منطقة صور باهر في يوم واحد، وفي قلنديا أيضا هُدم حوالي 30 بيتا دفعة واحدة.
ويؤكد الحموري أن سياسة الهدم بشكل عام موجودة في كل أحياء القدس، حيث يوجد حوالي 24 ألف أمر هدم، بقرارات من المحاكم الإسرائيلية، والتي يتخوف المقدسيون من تنفيذها.
ويرى حموري أن الاحتلال يستخدم سياسات الهدم والإخلاء وغيرها، من أجل حسم الموضوع الديموغرافي في القدس، وتبعات هذه السياسات ستكون التشريد، إذا أن الاحتلال يسعى لفرض وجود أقلية فلسطينية في القدس، ولذلك يدعون أننا كفلسطينيين نبني دون تراخيص وبشكل غير قانوني.
يشار إلى أن محافظة القدس رصدت في تقريرها السنوي الصادر بتاريخ 1 شباط 2023 هدم وجرف (69) منشأة في محافظة القدس المحتلة، خلال شهر كانون الثاني، منها (10) منشآت تم هدمها ذاتيا، وتنفيذ (10) عمليات حفر وتجريف لأراض.
وهدمت آليات وطواقم الاحتلال (49) منشأة شملت: 26 محلا تجاريا 25 منها في حزما، إضافة إلى 11 منزلا في: سلوان، وبيت حنينا، وبيت صفافا، ومخيم شعفاط، وجبل المكبر، و5 أسوار وجدران استنادية في عناتا وجبل المكبر وبلدة سلوان، وبركسين في بلدة السواحرة وسلوان، وبركسا زراعيا في العيسوية، وبركسا للأغنام في جبل المكبر، وسلسلة حجرية وكونتينر في عناتا، وموقف للمركبات قيد الإنشاء في بلدة جبل المكبر.
كما رصدت محافظة القدس تسليم سلطات الاحتلال الإسرائيلي إخطارات هدم لعدة منازل في العديد من بلدات محافظة القدس المحتلة. حيث سلمت سلطات الاحتلال خلال كانون الثاني نحو (74) إخطارا بالهدم لمنشآت تجارية ومنازل.