أدت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في الأول من كانون الثاني (نوفمبر) الماضي إلى تغيير جوهري في الخارطة السياسية والحزبية الإسرائيلية وذلك بفوز اليمين واليمين المتطرف بالأغلبية في الكنيست بواقع 64 مقعداً من أصل 120، مما أتاح لحزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو أن يشكل الحكومة بالائتلاف مع قائمة "الصهيونية- الدينية" التي تضم أكثر ثلاثة أحزاب إسرائيلية تشدداً وعنصرية ومع الحركتين الأصوليتين "شاس " و "يهدوت هاتوراة". تعتبر هذه الحكومة أكثر الحكومات يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل. وللمرة الأولى يفوز تيار "الصهيونية- الدينية" بهذا العدد الكبير من المقاعد ويصبح، مع نوابه الأربعة عشر، القائمة الثالثة من حيث العدد في الكنيست، مما منح قادته بتسلئيل سموطرتش قائد حزب "الصهيونية- الدينية" وإيتمار بن غفير رئيس حزب "قوة يهودية"، وآفي معوز زعيم حزب "نوعم"، إملاء شروطهم على نتنياهو لكي يتنسى له إقامة حكومة مستقرة. إن هذا الثمن الذي دفعه نتنياهو سيكون على حساب الفلسطينيين بدرجة أولى وعلى حساب صورة وطبيعة إسرائيل ونظامها السياسي، وقطاعات معينة من المجتمع الإسرائيلي.
توضح التركيبة الحالية للحكومة بدون أدنى شك أنها ستعمل ضد أي تطلع فلسطيني لإقامة دولة مستقلة على المدى الآني وعلى المدى البعيد. فحزب "الليكود" ورئيسه نتنياهو يتبنى مبدأ "إدارة الصراع" و"السلام الاقتصادي" الذي ورد في "صفقة القرن" الأميركية التي صيغت أصلاً بالانسجام التام مع موقف نتنياهو واليمين الإسرائيلي. يرفض نتنياهو شخصياً تماماً الانسحاب إلى حدود عام 1967، ويرفض مطلقاً تقسيم القدس و"التنازل" عن أي قسم منها، على اعتبار أن "القدس الكاملة الموحدة هي عاصمة إسرائيل"، كما ورد في قانون القومية الذي سنه "الليكود" في عام 2018. ويريد فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، مع ابقاء السيطرة الأمنية الكاملة والمطلقة في يد إسرائيل على كامل فلسطين التاريخية، ويرفض عودة أي لاجئ فلسطيني إلى داخل حدود إسرائيل، ويعتبر أن الدول العربية مسؤولة عنهم. والخلاصة أن "الليكود" يعتبر أن الصراع ليس على قسم من فلسطين التاريخية بل عليها كلها وهو صراع وجود وليس على الحدود.
تعتبر قائمة "الصهيونية- الدينية" الثلاثية الأكثر تشدداً، فهي ترفض أي عملية سياسية تسمح بإقامة دولة فلسطينية، حيث يسميها برنامجها الانتخابي "دولة إرهاب ". وترغب في "فرض السيادة الإسرائيلية على كل مساحات أرض إسرائيل" (فلسطين التاريخية).
عملياً نحن نستقبل حكومة يمينية متطرفة تتبنى قتل فكرة التسوية السياسية القائمة على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، بل ستسعى بكل ما أوتيت من قوة لقطع الطريق بشكل نهائي على هذه الفكرة. كما أن كل الأطراف المشكلة لها، وخاصة الثلاثي نتنياهو وسموطرتش وبن غفير، لا تؤيد حتى إبقاء الوضع الراهن السيء على ما هو عليه، بل ستذهب إلى ما هو أكثر تصعيداً. وهي بكل تأكيد تشكل خطراً كبيراً على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية.
تهدف هذه الورقة بشكل رئيسي إلى إلقاء الضوء على التغييرات التي تحدث في السياسة الإسرائيلية تجاه ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بعد تشكيل الحكومة الجديدة ومدى خطورتها وتأثيرها على الواقع في المناطق الفلسطينية وعلى مجمل القضية الوطنية، وكذلك على ما يمكن للفلسطينيين القيام به لتلافي المخاطر المترتبة عليها، والحفاظ على الحقوق الوطنية، والاستفادة من حجم المعارضة المحلية الإسرائيلية والإقليمية والدولية لسياسة الحكومة الوليدة.
تغيرات جوهرية في النظام السياسي الإسرائيلي
تشي هذه الاتفاقات الائتلافية بميلاد "إسرائيل جديدة" أكثر تطرفاً وعنصرية وظلامية وأبعد كثيراً حتى عن الديمقراطية التي كانت تتغنى بها امام المجتمعات الغربية. ينص الاتفاق مع بن غفير على تسلمه وزارة الأمن الداخلي مع صلاحيات واسعة حيث تسمى "وزارة الأمن القومي"، ويُضم إليها الشرطة الخضراء، والدوريات الخضراء، وسلطة انفاذ القانون على الأراضي، ووحدة "حرس الحدود" العاملة في الضفة الغربية (والتي هي تحت مسؤولية قائد المنطقة الوسطى بجيش الاحتلال)، وإقامة حرس وطني كبير. ويتولى حزبه وزارة تطوير النقب والجليل التي أُضيف لاسمها "الحصانة القومية"، بموازنة سنوية تبلغ 2 مليار شيكل. وتكون فيها مديرية للتخطيط مسؤولة عن "تسوية" المستوطنات، أي جعلها شرعية، ووزارة التراث المسؤولة عن كل المواقع الأثرية والتراثية في إسرائيل وفي الضفة الغربية. كما تم الاتفاق على سن قانون يلغي قانون "فك الارتباط" لشرعنة مستوطنة "حومش" التي تم تفكيكها وعاد المستوطنين اليها مؤخراً، وشرعنة مستوطنات أخرى منها "افيتار" الموجودة على أراضي قرية بيتا، وأكثر من 60 بؤرة استيطانية يسمونها "الاستيطان الشاب" تابعة لعصابات "شبان التلال".
ثم الاتفاق مع حزب "الصهيونية- الدينية" برئاسة سموطرتش على توليه منصب وزير المالية بالتناوب، ووزارة الهجرة والاستيعاب ووزارة المهمات القومية، وله وزير في وزارة الأمن (الدفاع) يكون مسؤولاً عن الإدارة المدنية، والتنسيق في المناطق الفلسطينية، ولواء الاستيطان والخدمة الوطنية، والمدارس التحضيرية للجيش، واخراجها جميعا من تحت مسؤولية الجيش بحيث يكون الاتصال بينه وبين رئيس الحكومة مباشرة. ويحصل الحزب على رئاسة اللجنة الخاصة بالدستور والقانون والقضاء والخدمة الدينية. كما ستصبح من مسؤوليات حزبه رئاسة لجنة الاصلاحات التي تقود الإصلاح في الجهاز القضائي.
بذلك يستطيع سموطرتش أن ينفذ برنامج الضم من خلال نقل صلاحيات الادارة المدنية خارج وزارة الدفاع للحكومة المدنية، وبالتالي تصبح المستوطنات خارج مسؤولية الجيش وتعامل كالمناطق التي تقع في إسرائيل، ويطبق عليها القانون الإسرائيلي، وهذا يعني الضم الصامت "دي فاكتو" الذي تحدث عنه سموطرتش. أي أن المشروع الاستيطاني والضم الزاحف سيسيران بخطوات سريعة.
ترتبط الاتفاقات الائتلافية التي مكنت نتنياهو من إقامة حكومته بسن قوانين جديدة وتعديل قوانين بما في ذلك قوانين أساسية. فهناك قانون سموطرتش الذي يسمح له بفصل الإدارة المدنية عن وزارة الدفاع والاشراف مباشرة على المستوطنين والمناطق التي يشغلونها، أي عن قسم كبير من مناطق (ج)، ووضعها تحت إشرافه وتحت مسؤولية رئيس الحكومة، بما في ذلك تعيين رئيس الإدارة المدنية ومنسق شؤون المناطق (الفلسطينية).
توجد تأثيرات كبيرة للقوانين الجديدة والاتفاقات الائتلافية التي تشكل برنامج الحكومة على طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي. فهو برنامج عنصري متطرف يعمل ضد فكرة التسوية السياسية، وتنص أحدى أهم فقرات برنامج الحكومة على أنه " للشعب اليهودي حق حصري في جميع أنحاء أرض إسرائيل. وستقوم الحكومة بتطوير الاستيطان في جميع أنحاء أرض إسرائيل في الجليل والنقب ويهودا والسامرة". وهذا النص لا يأبه مطلقاً بوجود الشعب الفلسطيني أو بأي حق من حقوقه، ولا يلتزم بأي اتفاق أو بأية نصوص أو معايير القانون الدولي، بما فيها تلك التي تنظم دور وصلاحيات سلطة الاحتلال، وسيذهب لضم صامت كأمر واقع للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. كما أنه لا يبالي بوضع السلطة الفلسطينية ولا حتى بإمكانية انهيارها. ولا يقيم وزناً للتنسيق والتعاون معها في حل المشكلات القائمة على الأرض.
السياسة الفلسطينية المقترحة في مواجهة الحكومة الإسرائيلية الجديدة:
لا يتيح برنامج الحكومة الإسرائيلية والاتفاقات الائتلافية التي تم البدء في تطبيقها حتى قبل أن تؤدي الحكومة يمين الولاء في البرلمان أي مجال أمام الفلسطينيين للتعاون مع هذه الحكومة أو حتى مهادنتها والصبر عليها وانتظار تغييرها بعد انتهاء ولايتها كما كان الحال مع حكومات سيئة سابقة منذ عام 1996، بعد تشكيل حكومة نتنياهو الأولى. لقد أصبح واضحاً أنه لا يمكن للفلسطينيين أن يتعاملوا مع الحكومة الجديدة كسابقاتها وأن يستمر التنسيق الفلسطيني- الإسرائيلي، فهذه الحكومة تنسف كل أسس العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية وتشكل خطراً على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية كما أظهرنا سابقاً. ومن الطبيعي أن نحدد علاقتنا بالحكومة الإسرائيلية على أساس المصالح الفلسطينية. وفي هذا السياق يبدو منطقياً أن نكون في صدام مع هذه الحكومة. إن المواجهة معها بالأساس تستند إلى مواقفها وسياستها العدوانية التي تريد نسف كل أسس واحتمالات الحل السلمي والتسوية السياسية للصراع على أساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. والتي تضعنا في الواقع في سباق مع الزمن. فما يمكن أن يحدث من تغييرات على الأرض ومن النواحي السياسية والقانونية سيكون غير قابل للتعديل مع الزمن، خاصة إذا استتبت أمورها وتجاوزت النصف الأول من ولايتها.
ينبغي أن تتم المواجهة الحتمية مع سياسة الحكومة الإسرائيلية وإجراءاتها العدوانية في إطار تخطيط فلسطيني محكم ومبادرات خلاقة ومبدعة، وليس فقط المطالبات والنداءات والمناشدات التي توجه لمختلف الأطراف. فنحن لا نمتلك ترف إضاعة المزيد من الوقت، والابقاء على سياسة الانتظار القائمة منذ زمن طويل. وهذا يتطلب القيام بخطوات محددة منها:
أولاً، نحن بحاجة ماسة وفورية لأن تتخذ القيادة الفلسطينية في منظمة التحرير، والرئيس محمود عباس على وجه الخصوص، وكذلك قيادة حركة "حماس"، قراراً قاطعاً للبدء في عملية بناء الوحدة الوطنية. إن المدخل لذلك ليس البحث في اتفاقات جديدة، بل تطبيق ما هو قائم. والانتخابات العامة هي المدخل الحقيقي والواقعي للتأسيس لوحدة النظام السياسي بحيث ينتج ذلك سياسة فلسطينية موحدة ضد الاحتلال تنسجم مع حجم المخاطر والتغييرات التي تشهدها المنطقة، وبالذات تشكيل الحكومة اليمينية العنصرية في إسرائيل. وعملياً من المفروض أن تكون كل القوى الفلسطينية متوافقة على برنامج طرد الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، ومن الطبيعي أن يكون الخلاف حول القضايا التكتيكية قد تقلص مع التطورات الجديدة في إسرائيل لأبعد الحدود. يمكن للوحدة أن تبدأ بتفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الذي يضم كل الفصائل بالإضافة إلى اللجنة التنفيذية وبعض المستقلين وذلك لطمأنة "حماس" أنها جزء من المرجعية السياسية الموحدة للشعب الفلسطيني، وذلك إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية وإعادة تشكيل المجلس الوطني. يمكن تشكيل حكومة وحدة وطنية تبدأ بإجراءات التحضير لانتخابات عامة . ولمزيد من المرونة وخلق أجواء من الثقة بين مختلف الأطراف قد يكون الفصل بين الانتخابات التشريعية والرئاسية مقبولاً على قيادة "فتح"، بمعنى ألا يتم تحديد موعد قريب للانتخابات الرئاسية، وإعطاء فرصة للوحدة في إطار التشريعي والحكومة، خاصة وأن هناك قلقاً من ترشح مروان البرغوثي مقابل الرئيس محمود عباس.
ثانياً، علينا التحرر من قيود اتفاق "أوسلو" الذي لم يعد له وجود في برنامج الحكومة الإسرائيلية. وعلينا الإعلان عن وقف تنفيذ الالتزام بجوانب تهم إسرائيل، وذلك انسجاما مع قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، كوقف التنسيق الأمني الذي تم الاعلان عنه والذي من المفروض الالتزام به. كما يجب البحث في تحويل السلطة القائمة من سلطة "أوسلو" إلى حكومة دولة فلسطين التي تقودها منظمة التحرير الفلسطينية بما يعيد الاعتبار للمنظمة التي يتوجب إعادة تشكيلها وتفعليها كنتيجة للانتخابات العامة.
ثالثاً، مطالبة الجامعة العربية بإعادة الاعتبار للمبادرة العربية للسلام وحث الدول العربية على وقف التطبيع مع إسرائيل في ضوء خرقها لكل الاتفاقات الدولية. وفي هذا السياق من المفروض استعادة علاقات التنسيق والتحالف مع الدول العربية في إطار الجامعة، والتركيز بصورة خاصة على الدول العربية المؤثرة والتي على تماس بالقضية الفلسطينية أكثر من غيرها، مثل مصر والسعودية والأردن، بما يضمن عودة الدعم العربي المالي والسياسي للشعب الفلسطيني. ويمكن التأسيس على القمة الثلاثية التي عقدت في مصر بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس في 17/1/2023. وعلى القيادة الفلسطينية أن تفعل كل شيء ممكن لاستعادة الحاضنة العربية، وتوحيد الموقف العربي الداعم للقضية الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربية. والمشجع في هذا السياق هو الموقف السعودي الذي يرفض التطبيع مع إسرائيل طالما لا يوجد تقدم حقيقي باتجاه إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
رابعاً، القيام بحملة دبلوماسية دولية واسعة النطاق لتأمين الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران من عام 1967. فالرد الدولي الحقيقي على إجراءات الضم الإسرائيلية هو تثبيت الاعتراف بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، وذلك بهدف وقف الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب في المناطق الفلسطينية المحتلة، والبناء على قرار الجمعية العامة 19/67 الذي يعترف بدولة فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، وعلى قرار مجلس الأمن 2334 الذي يضع حداً فاصلا واضحاً وقاطعاً بين الأراضي المحتلة في حدود 1967 وبين إسرائيل ويعتبر كل ما تقوم به إسرائيل في الأراضي المحتلة غير شرعي ومناقض للقانون الدولي. يجب القيام بهذا الجهد حتى لو كانت القرارات الأممية رمزية ولا ترق إلى مستوى الضغط الحقيقي على إسرائيل. كما أنه لا ينبغي أن ننسى أن بعض الدول والشركات الخاصة قد قاطعت المستوطنات بناء على مثل هذه القرارات. وفي هذا السياق من المهم تجنيد الجاليات الفلسطينية والعربية في هذا الجهد.
خامساً، التوجه إلى كل المنظمات الدولية المعنية بملف الصراع بما فيها المنظمات الحقوقية، والتركيز بصورة خاصة على مجلس حقوق الإنسان، ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، لاستصدار مواقف سياسية وقانونية ضد الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية، ولمحاكمة إسرائيل وقادتها السياسيين والأمنيين على الجرائم التي يرتكبونها بحق الشعب الفلسطيني.
سادساً، تطبيق قرار المجلس المركزي الفلسطيني بتجميد الاعتراف بإسرائيل وربطه بالاعتراف الإسرائيلي بحق شعبنا في دولة مستقلة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية. إن هذا الموقف يمثل خطوة معنوية مهمة وقاعدة سياسية جديدة للتعامل مع سلطات الاحتلال وأرضية للمفاوضات السياسية القادمة. والأهم هنا تكيف القيادة الفلسطينية مع الواقع الذي سينشأ بما في ذلك تحمل عقوبات بدأت إسرائيل تتحدث عنها لمجرد الذهاب إلى محكمة العدل الدولية للمطالبة برأي استشاري قانوني حول استمرار الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
سابعاً، الاستفادة من التناقض الذي بدأ يظهر بين موقف الإدارة الأميركية وموقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتحذيرات الأميركية الواضحة من اية سياسة إسرائيلية قد تقوض حل الدولتين، ومعارضة الإدارة الأميركية لسياسة التوسع الاستيطاني. وقد ظهر ذلك واضحاً في خطاب وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مؤتمر منظمة "جيه ستريت" اليهودية المعتدلة في واشنطن في 4/12/2022، وكذلك التناقض الذي بدا جلياً بين قسم كبير من اليهود في الولايات المتحدة وبين حكومة نتنياهو في الأمور السياسية المتعلقة بالضم في الضفة الغربية والقضايا الداخلية المتعلقة بالفرض الديني وتقويض أسس الديمقراطية والليبرالية في إسرائيل. ينبغي العمل بشكل مكثف على الساحة الأميركية من خلال المفوضين الرسميين بالملف الأميركي والجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية وأعضاء الكونغرس من أصل فلسطيني وعربي وذلك للتأثير في موقف الإدارة والكونغرس وتوفير آليات للضغط الأميركي على إسرائيل وفي المحافل الدولية.
ثامناً، العمل بشكل مكثف على الساحة الإسرائيلية واستثمار الانقسام الداخلي غير المسبوق في إسرائيل والتنسيق بشكل مكثف مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل لتجنيد الرأي العام ضد الحكومة وسياستها التي تشكل خطراً على المنطقة بما في ذلك على إسرائيل، وخلق آليات للضغط الشعبي على الحكومة لوقف عملية الضم والتوسع الاستيطاني. هناك 20 منظمة حقوقية في إسرائيل حذرت من سياسة الضم التي تعتزم الحكومة الإسرائيلية تنفيذها وذلك من منطلق المصلحة الذاتية في الإبقاء على دولة إسرائيل كدولة "يهودية"، أي ذات أغلبية يهودية كبيرة. وهناك أيضا 10 منظمات أبدت استعدادها للتعاون مع الهيئات الدولية لتجريم السياسة الإسرائيلية.
تاسعاً، على الفصائل الفلسطينية والقوى الشعبية القيام بتطوير آليات وبرامج المقاومة الشعبية واسعة النطاق بما يتيح مقاومة ميدانية كبيرة تعيق البرنامج الاستيطاني وتشوش عليه، كما يحصل في بيتا وفي مواجهة اخلاء الخان الأحمر ونماذج سابقة كقرية "باب الشمس" وغيرها. سيكون لذلك أثر على الحياة في المستوطنات لأن غالبية المستوطنين يأتون للأراضي المحتلة للحصول على امتيازات اقتصادية. ويمكن في هذا الإطار التعاون مع المنظمات الإسرائيلية المعارضة لسياسة الضم والاستيطان والمؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني.
عاشراً، وضع خطة فلسطينية سياسية تنموية لاستعادة ثقة المواطن بسلطته وقيادته من خلال العودة للحكم الرشيد والبدء بإصلاح النظام السياسي وبلورة خطة اقتصادية تنموية موازية لها لتعزيز صمود المواطنين الفلسطينيين على أرضهم، وخاصة في مناطق (ج)، التي ستكون مستهدفة أكثر من أي وقت مضى. يشمل ذلك تزويد المواطنين المزارعين والبدو بعوامل الصمود والبقاء مثل توفير المياه والطاقة والأعلاف والقيام بمشروعات لاستصلاح الأراضي وزراعتها، وخاصة في مناطق الأغوار، وتوفير الدعم المادي سواء من قبل الحكومة أو المانحين الدوليين بالتعاون مع الحكومة.
تشكل هذه البنود معا خطة فلسطينية متكاملة للمواجهة الميدانية والسياسية والدبلوماسية القائمة على تغيير شكل العلاقة الراهنة مع سلطات الاحتلال، وبالذات الآن بعد الإعلان عن وقف التنسيق الأمني. ولكنها لا تغني عن دور الأحزاب والمنظمات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني، والمستوى الرسمي في بحث وبلورة برنامج نضالي وطني شامل.