الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حكايات "ألف ليلة وليلة" هل كانت فى الأصل 300 ليلة فقط؟

2023-02-16 11:34:37 AM
حكايات
طبعة من ألف ليلة وليلة طبعت على نفقت سعيد علي الخصوصي وأولاده في الأزهر الشريف في مصر

الحدث الثقافي- إصدارات

السؤال عن عدد ليالي حكايا "ألف ليلة وليلة" هو سؤال يجيب عليه إصدار جديد عن دار المدى للنشر  الذي يحمل نفس الاسم، لكن بتحقيق من الدكتور  محسن مهدي، الذي أمضى سنوات باحثاً محققاً في كتاب "ألف ليلة وليلة" حتى وصل إلى أن الحكايات الحقيقية التي وجدت في الكتاب دون إضافات النساخ والوراقين كانت لا تتجاوز 300 حكاية، أي 300 ليلة. 

 وبحسب الدار فإن المفاجأة أن ألف ليلة وليلة ليست كذلك حقيقة وان النسّاخ والوراقين هم من أوصلها الى هذا الرقم الذي اشتهرت به.

ووضع المحقق مقدمة تولت مناقشة النقاط التالية:

 نقد النسخ القديمةالمطبوعة من الكتاب وهي (طبعة كلكتا الأولى،  طبعة برسلاو، طبعة بولاق الاولى، طبعة كلكتا الثانية)، وتحقيق الكاتب، ونسخ الكتاب الخطية وشجرتها  (الامهات القديمة والام والدستور،  الفرع الشامي،  الفرع المصري)، ولغة الكتاب: من حيث خصائصها العامة والاملاء والترقيم .

نسخة خطية من الكتاب

وتوصل الباحث إلى وجود نسخ خطية رئيسة للكتاب، تربطها شجرة من فرعين رئيسيين هما، الفرع المصري وفروع الأسرة الشامية ورواياتها، وهو يشير في تحقيقه إلى وجود نسخة ( أم ) لكل النسخ لم تعد باليد الآن، وأن النسخة الدستور قد نقلت من النسخة  الأم أو من نسخة نسخت عليها مؤكدا على أن النسخة الام ألفت في عصر دولة المماليك التي كانت تضم مصر والشام، وأن تأليفها لم يسبق النصف الثاني من القرن السابع للهجرة - النصف الثاني من ق13 الميلادي – وهذا التحديد مرتبط بالنقطة التالية، ويسبق النسخة الام نسخة الام القديمة التي الفت في القرن الثالث الهجري وضاعت بين رواة القصص والمصادر الأدبية المتعددة.

ووجد محسن مهدي أن هذا الكتاب لم يصل إلى 1001 ليلة في نسخته الأساسية، بل الى 300 ليلة وحكاية تقريبا عدا الحكاية الأطار وأن النساخ واصحاب دكاكين الوراقة قد أضافوا الليالي الباقيات كسبا لأجر من سائح أو من هاو.

نسخة ألف ليلة وليلة محققة عن دار المدى

تاريخ ألف ليلة ولية

ثمَّة أحداث اكتنفت تاريخ ألف ليلة وليلة في العصر الحديث فشكَّلت في مجملها منعطفات أثَّرتْ في مجرى الدراسة حول الليالي، وأوَّل هذه الأحداث ما قامَ به (أنطوان غالان) من ترجمة ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية عام 1704م.

إذْ توالت بعدها الدراسات تترى في تاريخها ونُسخها وموضوعاتها، وأخذ الاتجاه نحو سحر الشرق يتبلور في أشكاله المُؤسِّسة والأولى، ويتمحور الحدث الثاني حول اكتشاف (نبيهة عبود) لورقة من الليالي عام 1949م تعود إلى القرن الثالث الهجري أقدم من إشارة المسعودي في مروجه إلى ألف ليلة وليلة أو (هزار أفسان)، والحدث الثالث هو تحقيق نسخة كتاب (ألف ليلة وليلة من أصوله العربية الأولى) على يد الدكتور (محسن مهدي)الباحث العراقي المُغترب من مواليد (عين التمر)في كربلاء عام 1926م وكان يجوب أزقَّتها صغيراً مع أخيه ليبع الشَّمع على الزوَّار أو البحث عمَّن يُقايضهُ الفلس بحُلمٍ أو وجهٍ منير كمُحيَّا شهرزاد الذي تفتق في مخيلته نازلاً من كوكب آخر أو منبعثاً من مكانٍ قصي، حتى استطاع أنْ يحقق حلمهُ في الانتقال إلى بغداد موئل الليالي ليُكمل الثانوية ويرحل بعدها إلى بيروت ساعياً خلف أحلامه المُضاءة بما كان يحملُ من شمعة مفوِّضاً أمر الكسب إلى أخيه وما يقتسمانه من عائد الشمع.

 ومن ثمَّ كانت الآمال كباراً فلم يلبث في جامعة بغداد بعد عودته من بيروت حاملاً الماجستير في الاقتصاد حتى أزف رحيلهُ إلى (شيكاغو) لإكمال الدكتوراه مُتحوِّلاً من الاقتصاد نحو الفلسفة، فأنهى أطروحته عن فلسفة ابن خلدون التاريخية ليتقلد بعدها مناصب علمية عدَّة في دولٍ مختلفة، منها كرسي (جويت) للدراسات العربية في جامعة (هارفارد) ويُجري أبحاثاً في الفلسفة أثمرتْ عن تحقيقه لكتاب (الألفاظ المستعملة في المنطق) للفارابي وغيره حتى تكامل لديه ما كان يصبو إليه من فلسفة الفارابي في كتابه (الفارابي وتأسيس الفلسفة الإسلامية السياسية).

وكان لإيمانه بأنَّ الأدب الشعبي يمكن أن يقودهُ نحو الكشف عن رؤية الناس لقضايا السلطة والحكم والمجتمع الأثر في توجهه نحو الليالي؛ فأسلمهُ ذلك إلى البحث عن نسخة مخطوطة لأصول ألف ليلة وليلة بالتزامن مع اشتغاله بالفلسفة، إذْ أكَّد محسن مهدي ،في لقاءٍ معه، أنَّ سبب عنايته بألف ليلة نابع من اهتمام موسَّع لديه بالفكر السياسي عند العرب والمسلمين فأدَّى به ذلك إلى الاهتمام بآراء العامة من الناس في السلطة والسلطان وقضايا المجتمع.

محسن مهدي

وكتاب ألف ليلة وليلة في نظره وثيقة تبين عن تلك الأمور في أقل ما يمكن أن يُقال عنه؛ وهذا ما جعلهُ يعكف قرابة عشرين عاماً على نُسخ الليالي مُنقِّباً بصبر الباحث ودأْب الفيلسوف موازناً ومُقارناً بين حكايات ينتظمُها خلافٌ من الروايات وجدلٌ يُقرِّبُها ويُبعدها عن بعضها، ومهما اتَّسعت الهوَّة في ذلك فلا ينثني عزم المحقق وهو يجوب المواطن التي رحلت إليها نسخ شهرزاد في الغرب ومكتبات العالم بين فرنسا وإيطاليا وإنكلترا وغيرها، لعلَّهُ يهتدي إلى نسخة دستور لألف ليلة وليلة تحقِّقُ حلمهُ وتُرضي نهمهُ في تقصِّي الحقيقة، فأسَّس لذلك الدستور وأرجع إليه النسخ المخطوطة بفرعيها الشامي والمصري.

وبذلك يكون محسن مهدي قد وضع اليد لأوَّل مرة على مسألة اكتمال الليالي من دون بلوغها العدد ألف، فكان الألف تعبيراً يُراد بهالتكثير وليس الحصر على وجه الحقيقة، فكانت النسخة التي دفع بها إلى (ليدن) عام 1984متتألف من مائتين واثنتين وثمانين ليلة مُؤكِّداً على اكتمالها خلافاً لمن سبقهُ، أمَّا النُّسخ الحديثة من الليالي، وفي مقدمتها طبعة (بولاق) فقد تمَّت عملية تضخيمها بزياداتٍ حتى بلغ عددها تعسُّفاً ألف ليلة وليلة، وهذا ما أثار سلسلة من النقد المنهجي وجههُ محسن مهدي إلى نسخ الليالي المطبوعة ،وأولها نسخة (كلكتا) 1914، 1818م، نشرها الشيخ أحمد بن محمود شيرواني اليماني معتمداً على النسخة الخطية الموجودة في مكتبة المكتب الهندي في لندن، ولم يلتزم بالأصل بل عمد إلى التغيير بالحذف والإهمال والإضافة من أصول مختلفة .

وطالَ نقدهُ كذلك نسخة (برسلاو) المطبوعة في أوربا عام 1824-1843م على يد مكسيميليانهابشت أستاذ اللغة العربية في الجامعة الملكية بمدينة برسلاو، فعلى الرغم ممَّا زعمهُ الناشر من كمال هذه النسخة وعنوانها (ألف ليلة وليلة من المبتدأ إلى المنتهى) فإنَّ المستشرق ماكدونالد قد قدَّم دراسة مهمة حول هذه النسخة أثبت فيها عدم وجود أصول خطية لهذه النسخة وأنَّ الناشر قامَ بتلفيقها، وتبعهُ محسن مهدي في ذلك مُشيراً إلى اعتماد أصول مصرية حديثة مُلفقة ربما لايعودبعضها إلى الكتاب بصلة .

أمَّا نسخة (بولاق) فيُحسب لها أنَّها لم تعتمد إلّا على أصل خطي واحد، لكنَّهُ ضاعَ ولم يُعرف عنه شيء، بحسب محسن مهدي، وأنَّ ناشرها الشيخ عبد الرحمن الصفتي لم ينظر في نسخٍأُخر، وتعود هذه النسخة إلى ما أسماهُ المحقق بعائلة النسخ المصرية المتأخرة.

إلَّا أنَّ مكمن النقد الموجَّه إلى (بولاق) يتمثَّل في الزيادة في لياليها لتطابق العنوان الذي تحملهُ (ألف ليلة وليلة) كون الأصول الخطية للفرع المصري والشامي لاتحتوي إلَّا نيِّفاً وثلاث مائة ليلة، فجاءت الزيادة من قِبل النُّساخ في مصر والشام للبلوغ بها العدد المُراد.

وبناءً على ما قدّمهُ محسن مهدي في هذا المضمار اتَّضح التزوير في بعض الحكايات وكثير من الليالي؛ إذ ترأى لبائع الشمع ما أصْفَرَّ من بعض وجوه شهرزاد بما يشبه هواجسهُ وهو يجوبُ أزقَّة كربلاء صغيراً بحثاً عن وجهٍ أو ظلال وجه،وبذلك أدرك أنَّ بعض الليالي التي أضاءت في الغرب إبَّان ظهور ترجمات شهرزاد إلى ألسنة متعددة كانتْ مزوَّرة ولابدَّ من أُفولها. فهي ليالٍ مُفتعلة أُلحقت مؤخراً بالكتاب من دون أن تمتلك أصولاً خطية أو كتابية معروفة فظهر ما يُعرفبالليالي المزوَّرة وهي حكايات (علاء الدين وعلي بابا) قدَّم لها محمد مصطفى الجاروش بدراسته (الليالي العربية المزورة) وهو كشفٌ آخر يترتَّب على ما حققهُ محسن مهدي ويُسلط الضوء على زاوية من تاريخ نُسخ الليالي ومخطوطاتها بين الشرق والغرب .