أشعر بالحزن والأسى والخجل والغيرة وأنا أُتابع المسيرات التي تجتاح المدن والبلدات في دولة الاحتلال، دفاعاً عن استقلال القضاء والتشريع وقِيّم الديموقراطية، واحتجاجاً على منظومة الديكتاتورية التي تؤسس لها وتمارسها حكومة اليمين العنصري المتطرفة، مسيرات تتصدرها معظم شرائح الشعب من رجال الأعمال والمثقفين والأكاديميين والسياسيين والعمال والطلاب، الكهول منهم والشباب، مصطحبين أبناءهم الأطفال ليعلموهم كيف يقفون في وجه الديكتاتورية من أجل استعادة الدولة وحماية قِيَّمها..
ونحن على مرمى حجر، نعيش في وطنٍ يدار فيه القضاء من جهات تنفيذية، وتصدر التشريعات بدون مرجعية.. وطن تَحول إلى بضاعة يتداولها تجار الشنطة الجالسين على مقاعد المناصب الخطابية، تجار شنطة يُتاجرون بالمشروع الوطني والثوابت والوحدة الوطنية.. بضاعة لا تباع إلا في المهرجانات الخطابية ودهاليز الجامعة العربية..
كيف تباع بضاعة المشروع الوطني..!!
وقد أصبح المشروع الوطني لوحة بالية يلفها الغبار، مُعلقة على حيطان متاحف الفصائل يعرضونها على الزائرين برسوم دخول رخيصة..
كيف تُباع بضاعة الثوابت..!!
وقد ضاعت في أدراج وساحات التنسيق والاتفاقات الممتدة على طول الوطن وعرضه..
كيف تُباع بضاعة الوحدة الوطنية..!!
والوطن منقسم مُشَرع على مصرعيه يسترزق على فتات من حقائب المال السياسي والخدماتي..
لم يبق الكثير من البضائع للبيع في جعبتنا، أفلست تجارتنا ورَهنا مستقبلنا بأرخص الأثمان، وتحولنا إلى سماسرة في سوق السياسة السوداء نبيع ونشتري على حساب الوطن والمواطن والقضية..
بضائعنا تُباع فقط في الجامعة العربية، فهم مثلنا يتعاملون بالبضائع والخطابات والمواقف المزيفة، شعارات وحدتهم ضائعة بين انقسامات اثنين وعشرين دولة، وثوابتهم الوطنية رهينة للتطبيع والعجز والفساد المالي والمصالح الإقليمية، ومشروعهم الوطني تحت بساطير رجال الأمن والتنظيمات الإرهابية والحروب الأهلية..
اليوم.. نحن جميعا في امتحان الهوية.. على مساحة ما تبقى من وطن وقضية.. من رفح إلى جنين وفي مذابح الشتات والاغتراب.. جميعنا مطالبون بالخروج مع أطفالنا في مسيرات من أجل استعادة الوطن والقِيم الوطنية، قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، وقِيم الحريات الشخصية والفكرية.. هذه بضاعة المشروع الوطني، لا مواكب ولا مراتب ولا شعارات، ولا هتافات ومزايدات وتقديس الأفراد، ولا لرصاص الأعراس والجنازات..
فقط من أجل رسالة واحدة نحن جميعاً موحدون خلف الوطن، والوطن للجميع ليس لتجار الشنطة..