السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رأس المال المالي بين نهب المواطن وتبعية الوطن للاستعمار| بقلم: ناجح شاهين

2023-02-24 01:14:57 PM
رأس المال المالي بين نهب المواطن وتبعية الوطن للاستعمار| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

في إحدى المرات استضافتني الإعلامية المبدعة نسرين عواد لمناقشة موضوع يتصل باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي يصادف التاريخ الذي صدر فيه البيان الشيوعي في العام 1848. 

من نافلة القول إن "الخطاب" الحالي للرأسمالية العالمية يتبنى مفاهميم من قبيل التنمية، وحقوق الإنسان، وحماية الفئات المهمشة (أو ربما المهشمة) من أجل التغطية على واقعة زيادة ثراء الأثرياء، وتفاقم حرمان الفقراء الأمر الذي تم تدشينه في العام 1980 برعاية مارغريت تاتشر ورونالد ريغان، وتسارعت وتيرته منذ العام 1990. 

وربما يعرف بعضنا -وخصوصاً من يتعاطون لعبة الأنجزة- أن هناك شيئاً تم ترديده على مسامعنا مدة عقد كامل اسمه أهداف الألفية الثالثة التي تتضمن القضاء على الفقر، وضمان الصحة والتعليم للجميع، وكذلك حقوق الطفولة والمرأة...الخ.  ذلك كله كان مقرراً أن يتحقق في العام 2015. وقد انصرم العام المذكور وسبعة من بعده دون أن يتحقق شيء ذو بال في أي مجال من مجالات "أهداف الألفية" العتيدة. 

ما جرى ويجري على ارض الواقع هو استباحة الفقراء في جنوب العالم بالنهب المباشر وغير المباشر بالحروب والتبادل غير المتكافئ للسلع، بمعنى أن سلع الجنوب الخام "يقدرها" السوق العالمي بأثمان بخسة، بينما سلع الشمال تقدر بأسعار غالية. وقد كان النفط استناء "نسبيا" لتلك القاعدة، ثم جاءت الساعة التي يجب فيها أن تعاد عوائد كلها النفط إلى "مستحقيها" في شمال العالم عن طريق تخفيض أسعاره إلى درجة كاريكاتورية لا تصدق، وكذلك افتعال الحروب التي ستؤدي إلى دفع أثمان النفط لقاء أسلحة وخبرات ومواقف تقدمها الولايات المتحدة وأوروبا للجنوب وعلى راس القائمة عرب النفط وغيرهم. 

على صعيد آخر تمكن الرئيس الأسمر أوباما باستغلال "أزمة الاقتصاد" الأمريكي "المنفجرة" في العام 2008 من سرقة صناديق توفير الفقراء بما فيها صناديق التقاعد وتحويلها حلالاً زلالاً إلى جيوب الشركات العملاقة من قبيل شركات التأمين والبنوك. لكن ما هو "إكسير الحياة" الذي سيفقده الأمريكي غيره من الناس من موت شركات التأمين أو المصارف بغض النظر عن أسمائها وعناوينها؟

ترى هل سيغدو المواطن عرضة للويلات والثبور وعظائم الأمور دون أن يجد من يقف إلى جانبه؟ على الأقل هذا ما فهمته قبل يومين من الموظفة في الشركة البحرية/البرية/الجوية الفلسطينية للتأمين التي أضاعت وقتي في إجراءات بيروقراطية خاطئة ثم "حملتني" الجميل بأنها إنما تساعدني. أترون؟ شركة التأمين تتوهم أنها تساعد الناس؟ لكن كيف يساعدني المصرف وشركة التأمين؟

تعرفون أن رأس المال المالي من قبيل الصراف، والمصرف، وشركة التأمين، ومؤسسة اليانصيب، هو رأس مال مضارب لا ينتج أية سلعة، وإنما يأخذ المال من الناس ويعطيهم أقل مما أخذ، وهكذا يحقق ربحاً لا يتهدده أي خطر. وليس واضحاً من ناحية منطقية أي تفسير لذلك باستثناء قواعد عمل النظام الرأسمالي التي لا علاقة لها بالمنطق. ولكي نوضح الصورة بمثال بسيط نذكر القارئ بعمل تاجر العملة في رام الله الذي يشتري منك الدينار بخمسة شواكل -مثلاً- ويبيعك إياه بستة شواكل في اللحظة ذاتها. هذا بالطبع شيء غريب منطقياً. لكن هذا بالضبط هو عمل الرأس مال المالي: إنه يأخذ منك نقوداً، ويعطيك أقل منها، وهذا الفارق يشكل أساس الثراء الأسطوري لطغم الرأس مال المالي. 

شركة التأمين بدورها تأخذ منا المال، وتعيد لنا أقل من نصفه، فتحقق أرباحاً هائلة من سرقة ملايين البشر في كل عام. ولذلك فإن شركات التأمين والمصارف وغيرها تحقق أرباحاً خيالية سنوياً. 

 تعلن هذه الشركات عن مخصصات من ميزانياتها لدعم الفئات الفقيرة ..الخ تحت بند ما يسمى بالمسؤولية المجتمعية. لكن ذلك بالطبع هو مجرد ذر للرماد في العيون لتخدير جمهور المنهوبين عن واقعة أن النظام مصمم لكي تتم سرقتهم بشكل "قانوني". وهو إيحاء للجمهور أن الشركات الرأسمالية خلوقة ووطنية إلى درجة أنها تتبرع من "عرق" جبينها لمصلحة المجتمع. 

إن دخل الناس في أي مجتمع هو جزء من الثروات أو الخيرات التي ينتجها المجتمع، ومن البين بذاته أن منتج القيمة الحقيقي هو العامل والفلاح، ولكن النظام الرأسمالي يرتب عمله بحيث يأخذ المنتج ما يكفي لكي يبقى على قيد الحياة بينما يأخذ من لا يعمل حصة هائلة تتجاوز احتياجاته بكثيير وتتحول إلى مصدر للقوة التي تتحكم بمصير الآخرين. 

في بلادنا هناك ميزة للمؤسسات المالية هي أنها لا تستخدم المال المنزوع من جيوب الناس في تأسيس أية أنشطة اقتصادية منتجة داخل البلاد، وإنما تأخذ المال وتضعه في حسابات في البنوك الخارجية الكبرى، فتسهم مثل أهل النفط في تعزيز دورة المال والإنتاج في مركز العالم، شكراً لها على ذلك. ولا بد من شكرها أيضاً على قدرتها على التحايل على المواطن/المؤمن عندما تقع الواقعة ويتطلب الأمر منها أن تتخلى عن جزء يسير من أرباحها لإنقاذ المواطن المنكوب الذي توهم أن "التأمين" سيحميه إن وقعت الواقعة. 

كلا إن نظام السوق المنفلت من عقاله لا يضمن إلا شيئاً واحداً هو زيادة فقر الجموع العاملة وبؤسها وتعمق تكدس الثروات في أيدي الأقلية الغنية التي لا يسمحون اليوم حتى بنعتها بكلمة "طبقة" لأن ذلك بحسب زعمهم يقوض تناسق وانسجام المجتمع. لكنها في الحقيقة طبقة تنهب موارد الناس وأوطانهم وتتقاسمها مع سادة المال والنفوذ الاقتصادي والسياسي في الدول الاستعمارية على وجه التحديد. ولذلك فإن إسقاط هذه الطبقة ضرورة سياسية واقعية ومنطقية للتحرر والبناء على حد سواء.