الحدث المحلي
عقد المنتدى المدني لتعزيز الحكم الرشيد في قطاع الأمن الفلسطيني اليوم مؤتمره السنوي الخامس بعنوان "واقع النزاهة في قطاع الأمن الفلسطيني"، وذلك بمشاركة عطوفة السيد يوسف حرب، وكيل وزارة الداخلية، وممثلين عن الأجهزة الأمنية وآخرين عن مؤسسات المجتمع المدني، وعدد من المؤسسات الحقوقية والإعلامية.
تركزت الجلسة الأولى حول " إطلاق نتائج مؤشر النزاهة في قطاع الأمن الفلسطيني 2022" متناولة مقياس النزاهة في قطاع الأمن، فيما تمحورت الثانية حول إدارة مخاطر الفساد في قوى الأمن، من خلال عرض مخاطر الفساد في جهاز الشرطة بما فيه الفساد المبني على النوع الاجتماعي ( إدارة المباحث العامة وإدارة المرور نموذجاً)، إضافة الى عرض مخاطر الفساد في جهاز الضابطة الجمركية، حيث تمحور الهدف الأساسي تسليط الضوء على أبرز التحديات التي تتطلب تدخلات سياساتية وإجرائية من قبل الأطراف ذات العلاقة لتصحين هذه المؤسسات من مخاطر الفساد.
استهل المؤتمر بكلمة من السيد عمر رحال، منسق المنتدى المدني، الذي وضّح أن المؤتمر تتويج لجهد متواصل خلال العام شمل العديد من الأنشطة بالتعاون مع المؤسسة الأمنية. وشدد رحال في كلمته أن المؤسسة الامنية تعتبر ركيزة أساسية من ركائز تحقيق نزاهة الحكم، الأمر الذي يتطلب الحرص على تحصينها وتعزيز نزاهتها وحياديتها وفاعليتها والتزامها بالقانون، مع حق المواطن في الاطلاع والمشاركة في بلورة السياسات الحكومية، داعياً لإجراء انتخابات عامة لإعادة الحياة الديمقراطية في فلسطين واحياء منظومة الرقابة والمساءلة الرسمية المتمثلة بما فيها المجلس التشريعي.
كما وعدد رحال بدوره أنشطة المنتدى خلال العام الماضي، إذ تكللت بالعديد من التدخلات التي هدفت الى تعزيز حوكمة مؤسسات وأجهزة الأمن الفلسطيني من جهة، وتعزيز ثقافة وممارسة المساءلة المجتمعية من قبل مؤسسات المجتمع المدني والاعلام والمواطنين من جهة اخرى.
وفي كلمة لعطوفة السيد يوسف حرب، وكيل وزارة الداخلية، رحب فيها بالتوصيات التي ستخرج من المؤتمر، مؤكداً أنها ستوضع على طاولة صانع القرار الفلسطيني، كما أشاد بدوره بالأجواء الإيجابية والتعاون والشراكة والانفتاح مع المجتمع المدني، وبالأخص المنتدى المدني، معددا الإسهامات المشتركة بين الطرفين، والتي كان أهمها إعداد مقياس النزاهة الذي تعاون الطرفان في إعداده، بالإضافة الى دعم تنفيذ مبادرات شبابية ومبادرات مساءلة مجتمعية بالشراكة بين أعضاء المنتدى والمؤسسة الأمنية.
وقد أعلن حرب عن تطلع وزارة الداخلية لإطلاق مركز الطوارئ الفلسطيني للاستجابة السريعة تحت عنوان 911 في الربع الأخير من العام الحالي، وذلك بالتعاون مع عدة شركاء منهم جهاز الشرطة الفلسطينية والدفاع المدني ووزارة الاتصالات والهلال الأحمر الفلسطيني، حيث سيوفر المركز الاحتياجات الأساسية للاستجابة لأي حالة طوارئ في كافة الأراضي الفلسطينية.
حاز مقياس النزاهة في قطاع الأمن الفلسطيني للعام 2022 على تصنيف متوسط
استعرض المؤتمر في جلسته الأولى نتائج مقياس النزاهة في قطاع الأمن الفلسطيني للعام 2022، والذي حاز على علامة 61، أي "تصنيف متوسط"، ما يشير الى أن مخاطر "أو فرص" الفساد ما زالت محتملة، وأن نظام النزاهة في قطاع الأمن يحتاج الى المزيد من الخطوات لاستكمال شروط متطلبات بناء نظام النزاهة الفعال في هذا القطاع، بالرغم من ارتفاعه 6 علامات عن نتيجة المقياس لعام 2020.
يشمل المقياس خمسة مجالات ذات تأثير في عمل قطاع الأمن، حيث تظهر النتائج تفاوتاً في تصنيفات مجالات النزاهة في قطاع الأمن. فقد حصل كل من مجال المشتريات والعطاءات ومجال التعيين وسلوك العاملين على تصنيف متقدم، فيما حصل مجال موازنة قطاع الأمن على تصنيف منخفض. وقد حصل مجالي الإرادة السياسية ومراقبة الأجهزة الاستخبارية على تصنيف منخفض جدا.
ضرورة عقد الانتخابات عامة وإعادة إنشاء مجلس الأمن القومي كجهة "حكومية" إشرافية متخصصة للرقابة
قدم المقياس عدة توصيات، أهمها؛ إصدار الرئيس مرسوم لتحديد موعد الانتخابات العامة لتمكين المواطنين من حق اختيار ممثليهم في المؤسسات السياسية؛ لما تمثله من إرادة سياسية لتفعيل الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية بما فيها قطاع الأمن، إضافة الى إعادة إنشاء مجلس الأمن القومي كجهة "حكومية" إشرافية متخصصة للرقابة على سياسات الأجهزة الاستخباراتية وإدارتها وميزانياته.
وإصدار مجلس الوزراء نظام حكومي لتصنيف الوثائق وآلية التعامل مع المعلومات والوثائق الأمنية والحكومية والمدة الزمنية المصرح بها للإعلان عنها لتعزيز الشفافية في قطاع الأمن، الى حين اجراء الانتخابات وإصدار قانون الحق في الوصول الى المعلومات.
وكذلك نشر الموازنة العامة التفصيلية، وإصدار نظام مالي خاص بالمؤسسة الأمنية ونشره في الجريدة الرسمية، بدلا من الإبقاء على النظام المالي الاستثنائي غير المنشور، والذي يُجدد العمل به سنويا من قبل وزير المالية، وإنشاء "لجنة جودة الحكم في القطاع العام" من شخصيات تتمتع بالخبرة والنزاهة لتنظر في تعيينات المرشحين للوظائف السامية (المدنية منها والأمنية بما فيها رؤساء الأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية) في القطاع العام وفق معايير موضوعية، وفحص مدى ملاءمة المرشحين لهذه المناصب
وإصدار اللائحة الخاصة بالمشتريات ذات الطبيعة الأمنية، والمنصوص عليها في قانون الشراء العام، والتي تُغطي جميع المشتريات المتعلقة بقطاع الأمن، وإعداد دليل إجراءات للمشتريات والعطاءات العامة في قطاع الأمن.
تعقيبات متعددة
أشار الباحث الرئيسي في ائتلاف أمان السيد جهاد حرب في تعقيبه إلى أن المقياس ليس تقييم عام وشامل لأداء قطاع الامن بل هو يأتي في حدود مجال فرص ومخاطر الفساد ومستوى الوقاية من حدوثه، وأن تطور الحوكمة ومؤشراتها داخل قطاع الامن يساهم في تطوير أدائها وتحسينه. وأضاف أن الاستخلاص العام الذي توصل اليه التقرير أن الوضع ما زال مقلقا ويتطلب إجراءات جادة لتعزيز البيئة الداخلية للوقاية من الفساد وكذلك اجراء الانتخابات العامة حيث أن نتيجة المقياس تأثرت كثيرا بفعل غياب المجلس التشريعي. وقد أشار حرب أيضا الى التصنيفات التي حصلت عليها المؤشرات المتعلقة بركن الشفافية في قطاع الأمن تشير أنها الأضعف من بين الأركان الثلاثة في نظام النزاهة في قطاع الأمن، حيث حصلت على تصنيف منخفض مقارنة بركن المساءلة، الذي حاز على "تصنيف متوسط"، والنزاهة الذي حصل على "تصنيف متقدم".
فيما عقّب السيد أيمن شاهين من ديوان الرقابة المالية والإدارية حول المقياس، الديوان يمارس مهامه بالرقابة على كافة المؤسسات التي تدير مالا عاما، من ضمن الجهات الخاضعة هي قوات الأمن وكافة الأجهزة الأمنية. قام الديوان بإعداد عدد من التقارير الرقابية والإدارية ذات علاقة بقطاع الأمن، إذ كان هناك 12 تقرير رقابي له علاقة بقطاع الحكم والأمن، منها 4 تقارير رقابية (تقرير عن جهاز الأمن الوطني، وتقرير عن الإيجارات الخاصة بالقطاع الأمني 2019-2020، وتقرير عن هيئة القضاء العسكري، وتقرير عن أعمال وزارة الداخلية)، إضافة الى إعداد 12 تقرير رقابي في عام 2022، منها 3 مؤسسات لها علاقة بالقطاع الأمني (شراء وتخزين وصرف الأدوية في الخدمات العسكرية، أعمال المديرية العامة للدفاع المدني، وتقرير حول أعمال جامعة الاستقلال).
وبدوره، عقب العقيد عمار حمارشة، مدير الدائرة القانونية في وزارة الداخلية، أن الوزارة تحرص على وضع خطط واقعية للوقاية من الفساد واستثمار كافة الموارد المتاحة بشكل فعال وحوكمة مؤسسات القطاع الأمني، معددا الإنجازات التي تمت بالتعاون مع المنتدى المدني. كما نوه لعدد من التدريبات التي أنجزت حول تعزيز النزاهة والشفافية في المؤسسة الأمنية، إضافة لعدد من التدريبات حول مدونة السلوك، وقانون مكافحة الفساد وحماية الملبغين، ونظام الافصاح، واقرارات الذمة المالية، حيث استهدفت التدريبات عاملين وعاملات في المؤسسة الأمنية.
الجلسة الثانية: إدارة مخاطر الفساد في قوى الأمن
فيما استعرض الباحث فادي ربايعة في الجلسة الثانية مخاطر الفساد في جهاز الشرطة بما فيه الفساد المبني على النوع الاجتماعي (إدارة المباحث العامة وإدارة المرور نموذجاً)، حيث صرح أن الدراسة تهدف الى تحديد مخاطر الفساد في جهاز الشرطة من خلال تحديد مسار القرارات الإدارية، مع التركيز على التدخلات الهادفة إلى تحقيق العدالة للنساء والرجال سوياً، من أجل دعم دعم جهاز الشرطة ومساعدته على خلق بيئة عمل نزيهة خالية من الانحرافات على المستوييْن المؤسساتي والفردي.
فرص التلاعب بالأدلّة في مسرح الجريمة والانحراف في قرار منح وثيقة حسن السيرة والسلوك لطالبيها تُعتبر عالية
وقد أظهرت الدراسة أنّ مقياس احتمال الفساد لدى إدارة المباحث العامة في جهاز الشرطة يتراوح بوجهٍ عام بين مُتوسط وضئيل، وأن فرص التلاعب بالأدلّة في مسرح الجريمة، والانحراف في قرار منح وثيقة حسن السيرة والسلوك لطالبيها تُعتبر عالية نوعاً ما، كما أنّ فُرص التجاهل أو التغاضي عن جرائم تمس بالنساء تُعتبر عالية أيضاً. وأشار ربايعة أن الأثر المُترتب على الفساد -إن حدث- في إدارة المباحث العامة يعتبر ما بين القوي جداً إلى مُتوسط، كما أظهرت مُؤشرات القياس أنّ احتمالية وقوع الفساد في إدارة المرور تتفاوت بين مُتوسط وقوي، ويمنح المُؤشر نتائج مُتقاربة بالنسبة للأثر المُترتب على الفساد في حال وقوعه.
احتمالية وقوع فساد مبني على النوع الاجتماعي في إدارة المرور عالٍ جداً
وبتسليط الضوء على احتمالية وقوع الفساد المبني على النوع الاجتماعي، فإن نسبة ذلك حسب الدراسة عالية جداً بالنسبة لإدارة المرور، لا سيّما بالنسبة لنقاط القرار ذات الصلة باستيقاف المركبات وتحرير المخالفات المرورية. فهناك نقص ملحوظ لضابطاتٍ وضابطات صفٍ من مُرتّبات الشرطة النسائية يعملن في إدارتيْ المرور والمباحث العامة في الميدان. فالطابع الذكوري هو الغالب على تلك الإدارات على نحوٍ يجعل من دخول النساء (سواء كُنّ مشتبهاً بهنّ أو شاهداتٍ أو قادمات للإبلاغ عن جريمة ما) مسألة غير اعتيادية تُثير انتباه المُتواجد في محيط تلك الإدارات الشرطية.
أوصت الدراسة بالعمل على إصدار "أدلّة إجرائية موحَّدة" لكلٍ من إدارة المرور العامة وإدارة المباحث العامة، على نحوٍ يضمنُ للعاملين في الإدارتيْن الدراية الوافية والمعرفة المُعمقة بإجراءات العمل الاعتيادية والاستثنائية التي يُمكن الاسترشاد بها والاستنارة بمضامينها عند مواجهة مشكلات أو اتخاذ قرارات إدارية مُنشئة للمراكز القانونية. كما اقترحت الدراسة أن يجري توفير كاميرات للعاملين في إدارة المرور يُمكنها تسجيل الصوت والصورة بشكلٍ دائم طيلة فترة العمل.
ضرورة إشراك ضابطات صف من مرتبات الشرطة النسائية في كل من إدارة المرور وإدارة المباحث
أوصت الدراسة بضرورة إشراك ضابطاتٍ وضابطات صفٍ من مرتبات الشرطة النسائية في كلٍ من إدارة المرور وإدارة المباحث العامة من شأنه أن يُضعف من احتمالية وقوع فساد مبنيٍ على النوع الاجتماعي، مع الإشارة إلى أنّ العمل على إخضاعهنّ لتأهيلٍ مُتخصص وتدريب شمولي بعمل هذه الإدارات يزيد من فرص نجاح التجربة إن جرى تطبيقها.
تعقيبات متعددة
وبدوره عقب الرائد رجاء القدومي من الإدارة العامة للمرور في جهاز الشرطة حول الدراسة، مشيرا الى النيابة العامة، بصفتها هيئة رقابية تعمل كمظلة لجهاز الشرطة، ومن صلاحياتها البحث في الملفات من الألف الى الياء. كماأشار القدومي أن التوقيف يعتبر جزء من عملنا، مؤكدا أنه لا توجد لدى الجهاز صلاحية التحري، وانما الاستقصاء وسماع الافادات، ويقوم الجهاز بترحيلها للنيابة العامة التي تقوم بالتحقيق، كونها صاحبة الاختصاص بذلك. وأكد القدومي من جهته أن لدى الشرطة نظام الكتروني محوسب، يشكل أداة رقابية إضافية تحد من مخاطر العبث بالملفات، أو إهمال ملفات في الأدراج. كما أشار بدوره لتحرير 25 ألف مخالفة لنسوة من أصل 247 ألف مخالفة خلال العام 2022، منوها لوجود نيابة متخصصة بالجرائم المرورية.
فيما أشار العميد حسن جبارين من الإدارة العامة للمباحث في جهاز الشرطة، الى وجود 39 ضابط صف من النسوة اللاتي يعملن في جميع الأفرع والميادين، ويقمن بوظائف متعددة. وأضاف جبارين بدوره أنه جاري العمل حديثا على دليل اجراءات خاص، سيتم اقراراه والعمل به في 11 محافظة.
وبدوره أشار السيد عبد الله نواهضة من هيئة مكافحة الفساد، الى بعض الملاحظات، إلى أهمية بأن تكون الإفادات مسجلة بالصوت والصورة من خلال كاميرات، وأهمية وجود إدارة متخصصة لنقل الأدلة الجنائية مع تصوير.
يتوجب تعزيز جهاز الضابطة الجمركية من خلال تخصيص موازنات للجهاز ورفده بالعناصر المؤهلة ودعمه لوجستيا
فيما استعرض الباحث مؤيد عفانة تقريرا حول "مخاطر الفساد في جهاز الضابطة الجمركية"، الذي أوصى بضرورة سَن تشريع تفصيليّ خاص بجهاز الضابطة الجمركية، يحدد مهام وصلاحيات الجهاز وإجراءات عمله، وينظم علاقاته مع الوزارات والهيئات ذات الصلة، وتحديث التشريعات ذات الصلة بعمل جهاز الضابطة الجمركية، وضرورة إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، من أجل توفير إطار تشريعيّ لنشر المعلومات، خاصة في الأجهزة الأمنية. وضرورة العمل على تشكيل لجنة وزارية، من الوزارات ذات الصلة، وجهاز الضابطة الجمركية، وديوان الرقابة المالية والإدارية، وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، للتعامل مع المضبوطات، والاستثمار الأمثل لها للصالح العام وفق أحكام قانونية ناظمة، وضرورة إطلاق الموقع الالكتروني الخاص بالجهاز، والذي يجب أن يتضمن نشر تقارير ووثائق الجهاز، وأهميّة توفير أدلة ارشادية لقضايا هامة مثل (إجراءات التعيين والترقية، إجراءات نشر المعلومات، التعامل مع المضبوطات، ...) وضرورة تعزيز جهاز الضابطة الجمركية من خلال تخصيص موازنات للجهاز، ورفده بالعناصر المؤهلة، ودعمه لوجستيا، وضرورة تبني الجامعات الفلسطينية، وخاصة جامعة الاستقلال، والتي ترفد الأجهزة الأمنية بالكوادر من الجنسين، مع إقرار مساقات متخصصة في النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، وأن يتضمن دبلوم العلوم الجمركية المعتمد في جامعة الاستقلال على مساقات حول مفهوم الفساد، ومخاطره.
فيما عقب السيد مأمون العبد، مستشار قانوني في جهاز الضابطة الجمركية، حيث أشار لقيام الضابطة باتخاذ تدابير واجراءات لتضييق على مخاطر الفساد، وأهمها إرساء تبعية فنية لوزارة المالية وأخرى إدارية لوزارة الداخلية، ما يحد من مخاطر في التعامل مع المضبوطات، حيث يتم بالعادة استدعاء وزارة الاختصاص للتعامل معها.