الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل كان القوم يمزحون؟| بقلم: نبيل عمرو

2023-03-12 10:36:01 AM
هل كان القوم يمزحون؟| بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

 

في زمن قيادة منظمة التحرير للإجماع الشعبي والفصائلي الفلسطيني، كان الصراع الداخلي على النفوذ أو البرنامج السياسي، ظاهرة صحية، كونه كان مسيطر عليه، ويجسد حالة تعددية، دأب الراحل عرفات على وصفها بديمقراطية البنادق.

كانت الجبهة الشعبية بقيادة الحكيم جورج حبش تجسد قطب المعارضة لنفوذ حركة فتح شديد القوة والاتساع، وحتى حين انقسم القوم إلى رافضين وقابلين، لم تصل الشعبية حد الانشقاق أو التشكيك في شرعية ومكانة المنظمة. أما عرفات فقد كان يوسط طوب الأرض كما يقال، لاستعادة الجبهة إلى بيت المنظمة، وأخيرا حدث ذلك.

منذ ذلك الزمن، الأفضل بكثير من زمننا الذي نعيش، جرت في الأنهار مياه كثيرة، ووقعت زلازل سياسية ضخمة على كل الصعد، غيرت نظما وكيانات، كان أبرزها اندثار الاتحاد السوفياتي، وسقوط نظام صدام في العراق، والشروع في محاولة أمريكية دولية لحل مشكلة الشرق الأوسط، مع تركيز استثنائي على الملف الفلسطيني الإسرائيلي، الذي بدأ في مؤتمر مدريد، واختتم في أوسلو.

نتيجة لذلك ولدت السلطة الفلسطينية وعاد الثقل الفلسطيني من الخارج إلى الداخل، وكان ياسر عرفات هو العنوان والقائد للوضع الجديد الذي يفترض أن يقود إلى الدولة التي ستقام على الضفة والقطاع، وعاصمتها القدس الشرقية.

ومع أنه لم يرد نص متفق عليه بوضوح كاف في شأن الدولة والعاصمة، إلا أن بابا فتح على التفاوض المكمل للترتيبات الانتقالية، تحت عنوان مفاوضات الوضع الدائم.

وفي أول الطريق وقع الانقلاب الجذري على المحاولة الكبرى، فجاء إلى سدة الحكم والقرار في إسرائيل حزب يميني كان قرر مسبقا تدمير المحاولة وإبعادها عن أن تفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة مع إغلاق الباب تماما أمام أي اقتراب من القدس، واللاجئين، والدولة.

كل المحاولات الإقليمية والدولية التي كانت تتم بتدخل أمريكي مباشر، لم تفلح في إعادة قطار التسوية إلى سكة أوسلو ونحو محطته المفترضة، وظلت الأمور تتدهور بتسارع بين الجانبين، وكانت الذروة في الانتفاضة المسلحة، التي نفذها الفلسطينيون في حياة عرفات، وقابلها الإفراط الإسرائيلي في استخدام القوة لقمعها. ما أوصل الأمور بين شريكي أوسلو والتسوية إلى ما دون الصفر، أي إلى ما نحن فيه الآن ولا مغالاة لو وصفت الحالة بأنها "حرب مفتوحة" لا مجال لاستئناف عملية سياسية في ظلها.

الفصائل الفلسطينية التي دخل على منتداها التقليدي وبكل قوة الإسلام السياسي، واجتاح نفوذها التقليدي الذي عنوانه منظمة التحرير، والسلطة الوطنية، ظلت متشبثة بدورها المتوارث في القرار. إلا أنها تمحورت حول قطبي الحالة الجديدة "فتح وحماس" ما جردها من المكانة التي كانت تتمتع بها زمن المنفى، لتتحول إلى إجرام تدور في فلك قوتين، فتح بإمكانات السلطة في الضفة، وحماس بإمكانيات الأمر الواقع كسلطة في غزة، وكنفوذ هام في الضفة، ولأول مرة في التاريخ يحدث أن السلطة في رام الله هي المعارضة في غزة والسلطة في غزة هي المعارضة في رام الله، وهذا ربما هو السبب الموضوعي لفشل كل محاولات إعادة الوحدة، وذلك نظرا لنشوء مصالح يخشى كل طرف أن يخسرها لو عادت الوحدة إلى ما كانت عليه قبل الانقسام.

الخطابات اللذان يصدران عن القطبين المتنابذين، ينطويان على قدر كبير من التحايل، فكلاهما يتحدث ببلاغة عن مخاطر الانقسام على القضية والشعب، وكلاهما يطرح شروطا تعجيزية على الآخر تجعل من إنهاء الانقسام أمرا مستحيلا، وحين يشتد الضغط عليهما بفعل التغول الإسرائيلي والحاجة المنطقية للاتحاد في وجه التحدي الشرس، يتحدثان عن أنهما يستجيبان بإخلاص لمبادرات الوسطاء وما إن تنتهي الضيافة في الفنادق الفاخرة ينسى القوم ما حدث ويعودوا إلى أرض انقسامهم انتظارا لضيافات جديدة ودائما هناك من يدعو.

اللغة الدائمة التي يغطي بها أطراف الانقسام حالهم، أصبحت مفرداتها محفوظة عن ظهر قلب مثل لا بد من حوار شامل للتوصل إلى برنامج عمل وطني مشترك ويصفون الحوار "لفظا" على أنه يجب أن يكون جديا ومعمقا، أي أن الذين تحاوروا خمس عشر سنة وعلى مدى ملايين الساعات كانوا يمزحون ويعبثون!!