الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نص للكاتب الفلسطيني المقيم في سوريا محمد حسين

2023-03-13 09:49:08 AM
نص للكاتب الفلسطيني المقيم في سوريا محمد حسين
محمد حسين

تدوين- نصوص

ننشر في تدوين نصًّا بعنوان "عكس الاتجاه" للكاتب والقاص الفلسطيني المقيم في سوريا، محمد حسين، وصدر له مجموعة قصصية بعنوان "أجنحة المخيم" و"مدارات امرأه" كما صدر له رواية بعنوان "الطريق الوعر"، وهو عضو في أكاديمية دار الثقافة.

وفيما يلي النص:

السّاعةُ تقتربُ من خطوطِ الشّمسِ الأولى، السّماءُ المرصوفةُ ببعضِ الغيومِ فوقَ ساعدِها تبشرُ بنهارٍ حارٍ ( هكذا كانت تقولُ الجداتُ ).

جوادُ المنتظرُ في محطةِ الياسمينِ بدأ يفركُ أصابعهُ كمطحنةِ العدسِ القديمةِ، علاماتُ الشّرودِ والحيرةِ والقلقِ بدتْ واضحةً على وجههِ، أخرجَ هاتفهُ من جيبهِ حدّقَ في الاسم جيداً، تذكرَ اسمَ شقيقتهِ تغريد التي عبرتِ النّهرَ ذاتَ مساءٍ لمصافحةِ يدِ الوطنِ ومنذ ذلكَ الحين لم تعدْ، قيلَ له أنّها في مقبرةِ الأرقامِ تحملُ الرقمَ ألفاً وتسعمائةٍ وثمانيةٍ وأربعين لكنهُ ظلّ مسكوناً بلقائها،

كانت عقاربُ الدّقائقِ ثقيلةَ الحركةِ على روحهِ ، كأنّ الوقتَ يتقدمُ الى الخلفِ،

جواد: سأجربُ الاتصالَ ..

‏ضرب الأرقام  ( الرّقمُ المطلوبُ مغلقٌ أو خارجَ التّغطيةِ )

‏أصابهُ نوعاً من الدّورانِ في المكانِ فكاد أن يقعَ أرضاً ، استدركَ الموقفَ بسرعةٍ، جلسَ في مكانهِ على حافةِ الرّصيفِ ثمّ أخذَ جرعاتٍ متتاليةً من الأوكسجينِ، ارتاحَ قليلاً ، أخرجَ علبةَ التبغِ من قميصهِ لكنّها كانت فارغةً لقد أحرقها كاملةً في مدةٍ قصيرةٍ.

‏تقدّمَ من رجلٍ طاعنٍ في السّنِّ كان يقف في أقصى زاوية من المحطة يبدو أنّه ينتظر مركبة الجنوب،

‏مرحباً يا حاجّ..

‏الحاج: أهلاً وسهلاً يا ولدي ..

جواد: أنا أنتظرُ المركبةَ القادمةَ من الشّمالِ لقد تأخرتْ كثيراً عن موعدها هي تقفُ هنا في الجهةِ اليسرى أليسَ كذلك؟

الحاج : لقد انتقلتْ إلى الجهةِ اليمنى يا ولدي وأنا أنتظر مركبة للذهاب إلى الجنوب منذ عشرات السّنين لكنّ الطريق لازال مغلقاً

جواد: كيف ؟ الطريق إلى الجنوب مفتوحة.

(يطلق الحاج ابتسامة عريضة)

 أنا يا ولدي أتحدّث عن الجنوب قبل (سايكس بيكو) يبدو أنّكم تقدسون الحواجز المصطنعة، اجلس يا ولدي واسمع. في هذا الزمن

كلّ الأشياءِ أصبحتْ تتغيرُ بسرعةٍ، فأصبحَ الصّديقُ جهراً صديقاً وفي الخفاءِ عدواً ، وأمسى الحبّ سلعةً تنتهي صلاحيتها مثلُ علبةِ الدّواءِ؛ وأصبحت قيمةُ الوطن مثارَ جدال،

‏قلْ لي يا حاج

‏كيف أرتشفُ بقايا هذياني المثخنِ بالصدماتِ؟

كيف أمضغُ وجباتِ الزّمنِ الفاسدةِ؟

‏الحاج: اكتبْ سطراً من حلمكَ فوقَ جدارِ الضوءِ الذي سينيرُ جسدَ الليلِ ...