خاص الحدث
أثارت قمة العقبة التي انعقدت في 26 فبراير 2023، بمشاركة وفد فلسطيني وآخر إسرائيلي، وبحضور ممثلين عن الأردن ومصر وبرعاية أمريكية، إدانة فلسطينية واسعة، فصائليا وشعبيا، خاصة وأنها جاءت عقب سلسلة من المجازر الإسرائيلية في جنين وأريحا ونابلس مؤخرا، والتي أعلنت السلطة الفلسطينية على خلفيتها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
هذا الاجتماع الذي جاء بعد نحو أسبوع من الكشف عن وجود قناة سرية مباشرة بين مكتب الرئيس محمود عباس ومكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل بحث سبل منع التصعيد، وكشفت مواقع عبرية أن الولايات المتحدة على علم بهذه القناة.
"مشاركة السلطة الفلسطينية في لقاء العقبة بمثابة جريمة بحق الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية"
ومنذ اللحظات الأولى لإعلان مخرجات اجتماع العقبة، أكد مسؤولون إسرائيليون أن المخرجات الخاصة باجتماع الأردن تبقى في الأردن، وأنه لن يكون هناك أي وقف للاستيطان.
الناشط عمر عساف، قال إن مشاركة السلطة الفلسطينية في لقاء العقبة بمثابة جريمة بحق الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية، مشيرا إلى أن دماء شهداء نابلس لم تجف بعد، ومعاناة الأسرى الذين يستعدون لمواجهة مع السجان متواصلة، وعشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية تبنى، واعتقالات يومية، كل ما سبق تقوم به حكومة الاحتلال من دون توقف.
وأضاف أن استمرار السلطة في لقاء العقبة استمرار لنهج التنسيق مع الاحتلال والانصياع للضغوط الإقليمية والأمريكية، وتأتي لإحباط تنامي المقاومة في الدفاع عن أبناء شعبنا، ومعارضة مع حالة المقاومة الفلسطينية المتصاعدة التي يلتف الشعب كله حولها.
وأردف: السلطة لا تتعلم الدرس لأنّ الذين يتخذون القرار فيها هم فئة لديها مصالح خاصة، تضع مصالحها قبل المصالح الوطنية.
أما المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، فرأى في مقابلة خاصة مع "صحيفة الحدث"، قمة العقبة لم تخرج بأي نتائج ملموسة على الأرض، خاصة وأن إسرائيل لم تحترم ولا تحترم تعهداتها والتفاهمات معها، ونسفت قبل اتفاق العقبة، تعهدات توصلت إليها مع السلطة الفلسطينية بوساطة أمريكية مقابل عدم تقديم مشروع قرار يدين الاستيطان ويطالب بوقفه في مجلس الأمن الدولي، واقتحمت القوات الإسرائيلية نابلس وقتلت 11 فلسطينيا وأصابت أكثر من 100 بينها إصابات حرجة.
" نتائج ومخرجات القمة لن تكون في صالح الفلسطينيين"
ووفقا للمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، فإن حكومة الاحتلال الحالية لن تعطي السلطة الفلسطينية أي شيء لأنها لا تحترم السلطة ولا تقيم لها وزنا وترغب في إضعافها وإفقارها وإحراجها، كما أنه لا ضمانات على الإطلاق لمخرجات اجتماع العقبة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية أثبتت على الدوام دعمها للاحتلال الإسرائيلي، والدول العربية المشاركة في القمة لا تستطيع أن تعطي أي ضمانات السلطة الفلسطينية وهذا ما يجعل القمة دون نتائج وإذا كانت هناك نتائج فستكون غامضة ولا تُحترم.
وبحسب عوض في لقائه مع "صحيفة الحدث"، فإن نتائج قمة العقبة عبارة عن وعود غامضة وفضفاضة ولا ضامن أو ضمانات لها، والاحتلال الإسرائيلي غير قادر على التعهد بوقف الاستيطان أو الاقتحامات للمدن والمناطق الفلسطينية ولن تتوقف كذلك عن الاقتحامات والانتهاكات في المسجد الأقصى وعموم مدينة القدس المحتلة.
بحسب المحلل السياسي ومدير مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس - أبو ديس، فإن نتائج ومخرجات القمة لن تكون في صالح الفلسطينيين، مشيرا إلى أن السلطة ذهبت إلى هذا الاجتماع عقب سلسلة من المجازر في الضفة بسبب الضغط الأمريكي والعربي.
من جانبه قال المحلل السياسي هاني المصري، إن اجتماع العقبة الذي يهدف كما هو معلن، إلى خفض التصعيد عشية شهر رمضان، انتهى ببيان أخفى أهم ما شهده، وكشف سلسلة من الخدع المكشوفة عن الالتزام بالاتفاقات السابقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، "الذي يذكرنا برسالة المنسق التي أرسلها إلى وزير الشؤون المدنية في شهر تشرين الثاني 2020، التي أكد فيها الالتزام الإسرائيلي بالاتفاقات السابقة، وشكلت السلم الذي نزلت عليه القيادة الفلسطينية من رأس شجرة قرار وقف التنسيق الأمني".
وأضاف: بنود اتفاق العقبة مضللة، فما يجري ليس تصعيدًا وعنفًا بين طرفين متكافئين، وليس بين جلاد وضحية، بل بين الاحتلال الذي يمارس كل أنواع العدوان، ويرتكب كل أنواع الجرائم، وشعب تحت الاحتلال من حقه مقاومة الاحتلال.
وأشار المصري، إلى أنه تم كشف اللثام عن حقيقة الحكومة الإسرائيلية من خلال الهجوم والعدوان الهمجي من قطعان المستوطنين المسلحين بحماية الجيش على شعبنا في نفس يوم الاجتماع في بلدات جنوب نابلس، وخاصة بلدة حوارة؛ حيث فرض حظر التجول على أهلها لمدة ثلاثة أيام وأصيب أكثر من 100 فلسطيني واستشهاد سامح الأقطش، فضلًا عن حرق وتدمير عشرات المنازل والمحال والممتلكات، وحرق مئات السيارات، ردًا على العملية البطولية التي نفذها مقاوم أدت إلى مقتل مستوطنين اثنين مسلحين في حوارة.
وقال المحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات، فإن قمة العقبة جاءت بهدف بحث سبل خفض التصعيد في الضفة الذي حذر منه مسؤولون إسرائيليون في وقت سابق، مؤكدا على أن الاعتبار الأول والوحيد لممثلي الدول التي حضرت الاجتماع خاصة أمريكا هو مصلحة إسرائيل.
ورأى عبيدات، أن عملية حوارة التي قتل فيها مستوطن إسرائيلي ونفذها فلسطيني بالتزامن مع انعقاد مؤتمر العقبة، جاءت كرد طبيعي على مجزرة نابلس التي ارتقى فيها 11 فلسطينيا، مؤكدا أن القمة لم تخرج بنتائج سوى ضمان أمن الاحتلال، مشيرا إلى أن عملية حوارة خلطت أوراق المجتمعين في العقبة.
وبحسب عبيدات فإن هاجس أمريكا والمجتمعين في قمة العقبة هو تمرير شهر رمضان بشكل هادئ دون تصعيد، قائلا: هذه القمة بينت أن هذه الدول لا تملك زمام المبادرة فيها، فهي عاجزة عن منع تواصل النشاط الاستيطاني وتصاعده، وكذلك غير قادرة على لجم توحش وتوغل المستوطنين واعتداءاتهم الإرهابية على شعبنا على طول الجغرافيا الفلسطينية وعرضها.
يرى محللون سياسيون، أنه على الرغم من وقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس للاتصالات الأمنية مع الاحتلال الإسرائيلي، أو على الأقل أعلنت السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني، إلا أن الطرفين يحاولان ممارسة التنسيق الأمني "خلف الكواليس"، وبحسب تقارير عبرية، فإن الأشخاص الذين يديرون العلاقة مع السلطة الفلسطينية هم رئيس الشاباك رونين بار ومنسق أعمال الحكومة في الضفة غسان عليان وكلاهما مثلا إسرائيل في العقبة مع رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي.
التقديرات الإسرائيلية أشارت إلى أن واحد من أسباب حضور السلطة لهذا الاجتماع هي محاولة نزع الشرعية عن السلطة من قبل "بعض الجهات" التي تقود حملات عبر منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المال وسط الظروف الاقتصادية والوضع المالي السيئ الذي تعاني منه السلطة.
أما الأردن، فإن لحضورها الاجتماع واستضافته تأثيران أبرزهما وصايتها على المقدسات في القدس، ووجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي الأردنية، وفي كل مرة يسود توتر أمني يزداد الضغط من الشارع على العاهل الأردني.
وبالنسبة لمصر، فإنها تحاول دوما أن تكون وسيطا رئيسيا وفاعلا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما أن قضاء شهر رمضان بهدوء يعد مصلحة مصرية كذلك.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن إدارة الرئيس جو بايدن لديها من أدوات الضغط ما يكفي على الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تتمثل بالنسبة للفلسطينيين بـ "الدعم مقابل الهدوء"، وبالنسبة للإسرائيليين بـ "العقوبات ضد إيران وتطبيع السعودية".
"الأولى من الذهاب إلى تفاهمات أمنية مع الاحتلال الذهاب إلى الوحدة الوطنية مثلما توحدت البنادق في الميدان"
أكدت معظم الفصائل الفلسطينية، أنها ترفض مشاركة السلطة في اجتماع العقبة بشكل كامل، في ظل الإعلان عن وقف التنسيق الأمني وسلسلة الجرائم الإسرائيلية في الضفة، وأكدت أن لا صلة لها باجتماع العقبة.
وصفت الفصائل والقوى والفعاليات الوطنية والشعبية في جنين مشاركة مسؤولين في السلطة الفلسطينية في لقاء العقبة، باللقاء الأمني والانهزامي، وبعض القادة الفتحاويين انتقدوا القمة كذلك.
وأشارت فصائل المقاومة، خلال مؤتمر صحفي عقد وسط مخيم جنين عشية الاجتماع، إلى أنّ اللقاء يأتي على وقع الاستيطان والمجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق شعبنا، ولا يصب في مصلحة شعبنا بل يمثل خدمة مجانية للاحتلال المجرم.
واعتبرت فصائل المقاومة، التي ضمت أربعة فصائل (كتائب القسام وسرايا القدس وشهداء الأقصى والجبهة الشعبية)، أنّ الأولى من الذهاب إلى تفاهمات أمنية مع الاحتلال الذهاب إلى الوحدة الوطنية مثلما توحدت البنادق في الميدان، وأشارت إلى أنه يهدف لمنح الاحتلال فرصاً لارتكاب الجرائم بحق شعبنا وأسرانا.
ودعت الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة في مخيم جنين أبناء شعبنا للنفير العام والخروج للشوارع والتعبير عن رفضهم لاجتماع العقبة. وطالب البيان، الذي تلاه مسلحون ملثمون، الشعب الفلسطيني إلى إدانة لقاء العقبة الأمني، والتعبير عن رفضهم المشاركة فيه، معتبرين أن اللقاء يقدم خدمة مجانية للاحتلال، كما يوفّر مزيدًا من الفرص التي تشجّع الاحتلال على الإمعان في ارتكاب الجرائم.
وخرجت مظاهرة حاشدة من مخيم جنين باتجاه وسط المدينة، حيث هتف المشاركون ضد التنسيق الأمني ورفض القمة الأمنية، داعين إلى استمرار نهج المقاومة.
ودعا البيان إلى وقف التنسيق الأمني وكل أشكاله، والمضي قدماً في إجراءات ملاحقة وفضح جرائم الاحتلال في المنصات والمحافل الدولية.
وظهرت مجموعة من الدعوات الشعبية للتظاهر في مدن الضفة الغربية، ضد الاجتماع
اتفق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في اجتماع العقبة على دعم خطوات "بناء الثقة" لمعالجة القضايا العالقة عبر حوار مباشر، في حين أكد أكثر من مسؤول إسرائيلي عقب الاجتماع أنه لن يكون هناك تجميد للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.
وبحسب البيان الختامي للاجتماع، فإن إسرائيل تلتزم بوقف إقرار أي بؤر استيطانية جديدة لمدة 6 أشهر، ووقف مناقشة إنشاء أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، كما وتوصل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي -وفق بيان الاجتماع- إلى التزام الطرفين بوقف الإجراءات الأحادية من 3 إلى 6 أشهر، كما وأكدا التزامهما بجميع الاتفاقات السابقة بينهما، والعمل على تحقيق السلام العادل والدائم.، والحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة في القدس وعلى الوصاية الهاشمية والدور الأردني الخاص في المدينة، وعقد اجتماع آخر في شرم الشيخ في مارس/آذار المقبل، لتحقيق الأهداف التي تم تحديدها في العقبة.
وفي مقابل مخرجات العقبة، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن البناء الاستيطاني وتشريع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية سيتواصلان دون أي تغيير، ولن تكون هناك أي قيود على عمليات جيش الاحتلال في الضفة. من جانبه، أكد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أن ما حدث في الأردن يبقى في الأردن.
وقبيل الاجتماع، أكدت مصادر أردنية وإسرائيلية، أن الهدف من اجتماع العقبة هو وقف الإجراءات الأحادية والانتهاكات الإسرائيلية في القدس المحتلة والمسجد الأقصى وفي العديد من مدن الضفة الغربية، ولا سيما نابلس وجنين، وتحقيق نوع من التهدئة قبل شهر رمضان الذي تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنه سيكون مقدمة لتصعيد كبير، تمهيدا لـ "خلق أفق سياسي".