فشل الحكومة في بلورة حل منطقي يستجيب لمطالب المعلمين العادلة، يظهر بصورة جلية إما ادارة ظهرها لهذه المطالب الحقيقية، أو عجزها عن تحقيق ذلك ، ويعكس هذا الاحتقان في قطاع المعلمين في المدارس الحكومية انعدام الثقة الناجم حصراً وبصورة جلية عن رفض الحكومة الالتزام بما وقعت عليه مع المعلمين، حيث امتنعت عن تنفيذ الزيادة على علاوة طبيعة العمل "المهنة"، التي كان من المفترض بدء سريانها بأثر رجعي من بداية هذا العام . وفي محاولة للالتفاف على هذا الاتفاق وتحت ضغط الاضراب أعلنت الحكومة استعدادها لزيادة نسبة 5% فقط بدلاً من 15% التي تضمنها الاتفاق المذكور، على أن تُدرس جميع العلاوات، وبما يشمل المهن الحكومية الأخرى في اطار مراجعة لقانون الخدمة المدنية، الأمر الذي لم يقبل به المعلمون حيث اعتبروا ذلك محاولة للالتفاف على مطالبهم وعلى الاتفاق الموقع والمعلن والمصادق عليه سابقاً من قبل الحكومة .
وكان المعلمون قد نظموا مظاهرة حاشدة في مدينة رام الله خلال شهر فبراير الماضي شارك فيها الآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف الأمر الذي يعكس قوة التفافهم حول مطالبهم وحول الحراك الذي يقود تحركهم، وهذا يظهر أيضاً مدى المساندة الشعبية لهذه المطالب في مواجهة محاولات التحريض ضد المعلمين وتحميلهم مسؤولية تعطُّل العملية التعليمية. لكن ذلك لم ينطلِ على أهالي الطلبة، وباقي فئات المجتمع التي تعاني من أزمات مشابهة.
بعد أن ماطلت وزارة المالية في الالتزام بما أعلنته الحكومة مجدداً، وكما قيل "بتوجيهات رئاسية عبر مدير المخابرات "، بترسيم العلاوة المتفق عليها أي ال 15%، وتنفيذها جزئياً وترصيد الباقي كديون مستحقة للمعلمين على قسيمة الراتب، إلا أنه وكما يبدو تسرب للمعلمين استمرار المماطلة ومحاولة الالتفاف على ذلك . وبفعل غياب الثقة والحوار البناء استمر المعلمون في اضرابهم، وتشير المعطيات إلى انضمام أعداد اضافية للاضراب، سيما أنه قد تم الخصم من رواتبهم السابقة. كما قاموا يوم أمس الاثنين بتنظيم مظاهرة احتجاجية واعتصام مركزي حاشدين بصورة ملفتة وغير مسبوقة أمام مجلس الوزراء، بما يعكس تفاقم الأزمة وليس حلها .
لشديد الأسف فقد أظهرت الحكومة فشلها في معالجة هذه الأزمة مرة تلو الأخرى، ولم يسعفها الاستنجاد بالأمن، ولا المناشدات المستهجنة عبر مكبرات المساجد، ذلك ببساطة لان هذه الأزمة كما غيرها زعزعت الثقة وأسقطت مصداقية الحكومة، والتي للاسف تخلت عن مكانتها وصلاحياتها، وبات ينطبق عليها مثل" شاهد ما شفش حاجة" .هذا ما حصل ويحصل في أزمة القضاء، والتغيير الجوهري الذي مسَّ باستقلاليته، وهو الذي حصل ويحصل مع الأزمات التي تتراكم يومياً، وتجعل السلطة في واد والشعب في وادٍ آخر.
الحاجة للتغيير والوحدة
المعالجات الترقيعية لهذه الأزمات المتراكمة حد خطر الانفجار الشعبي في أي لحظة، في وقت أننا كشعب بحاجة لرص الصفوف ومنع الانحدار نحو حالة الفوضى، لا تتم بالوعود اللفظية، والاستمرار في سياسة الهيمنة واحتكار القرار . فالمأزق بات يهدد ليس فقط مستقبل النظام السياسي وحركته الوطنية، بل وقدرة شعبنا على الصمود ومجمل مصيره الوطني. إن الخروج من هذا المأزق بات في يد الرئيس للبدء بخطوات ملموسة لاستعادة الوحدة، والتوافق الوطني الشامل على حكومة كفاءات وطنية قادرة ومفوضة بالصلاحيات التي ينظمها القانون الاساسي، وتُحدد أولوياتها في تعزيز صمود الناس وقدرتهم على مواجهة مخططات الاحتلال لتصفية قضيتهم، واتخاذ ما يلزم من خطوات عملية نحو ترسيخ العدالة الانتقالية بكل مكوناتها، وتحضير المناخات السياسية والاجراءات الادارية التي تضمن الذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية في اطار جدول زمني واقعي ومتفق عليه. الحمل ثقيل والخطر على مصيرنا الوطني داهم، والتصدي الناجع لهذا الخطر يستدعي المراجعة من قبل الجميع، واستخلاص عِبَر و دروس التجارب السابقة، وبما يُوحِّد ويستنهض طاقات شعبنا في كافة أماكن تواجده نحو مهمته الأساسية في الحرية والكرامة، وإلّا فالتاريخ لن يرحم أحداً.