تدوين- تغطيات
أطلقت جامعة دار الكلمة ومؤسسة الدراسات الفلسطينية كتاب كنيسة المهد في بيت لحم، أقدم كنائس فلسطين: دراسة في العمارة والفنون والتاريخ والتراث والصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية للمؤرخ والباحث الدكتور نظمي الجُعبة، وذلك خلال ندوة ثقافية أقيمت في مسرح جامعة دار الكلمة في مدينة بيت لحم.
وتحدث في الندوة كل من: عضو مجلس أمناء دار الكلمة خلود دعيبس، ونائب رئيس جامعة دار الكلمة إيهاب بسيسو، بالإضافة لمؤلف الكتاب الأكاديمي في جامعة بيرزيت نظمي الجعبة.
وكان الجعبة قد بدأ في العمل على هذا الكتاب، بداية انتشار فيروس كورونا، عندما طلبت منه مجلة العربية المتخصصة في التراث الثقافي كتابة مقال حول الترميم.
يقول المؤلف إنه أثناء التحضير للمقال، صعق من عدم وجود كتابات عربية متخصصة حول كنيسة المهد، مقابل كتابات أجنبية مذهلة بلغات عالمية مختلفة من القرن التاسع عشر حتى القرن الواحد والعشرين، في حين أن المعلومات التي نعرفها حول كنيستنا لا تتعدى العموميات.
وحول الصعوبات التي رافقته أثناء العمل على إعداد الكتاب، قال الجعبة "إن موضوع الكتاب ليس كأي موضوع من الذي قام بكتابتها سابقا، لأنه ديني حساس، سيما وأنني لا أنتمي إلى هذا الدين الذي سأكتب عنه، وبالتالي كان السؤال الأكثر إلحاحا في ذهني عما إذا كان القارئ سيكتشف أن مؤلف الكتاب غير مسيحي، ما جعلني مقيدا ومكتوف الأيدي كي لا أقع في الموبقات".
وتوصل الجعبي إلى مجموعة من الخلاصات المتعلقة بالكنيسة، منها أن المهد فيها سلسلة من الأمور غير الموجودة في أي كنيسة في العالم، فمثلا المبنى بما يشمل الجدران والأعمدة وتيجانها وقواعدها هي أقدم ما زال قائما بدون أي تغيير حول العالم، وهذا يعتبر شيء نادر بين كنائس العالم كلها.
كما أن الفسيفساء الأرضية الموجودة بقاياها تحت الكنيسة يمكن أن تكون أقدم فسيفساء موجودة داخل كنيسة بالعالم ما يعني أول برنامج زخرفي فسيفسائي أرضي في كنيسة بدأ في كنيسة المهد، وهي أقدم ما وصلنا على الإطلاق، وبالتالي هذه فرادة كبيرة جدا، بحسب الجعبة.
أما عن البرنامج الزخرفي الموجود على الأعمدة، فخلص المؤلف إلى أنه في الفترة الصليبية، وجد مجموعة من القضايا التي يصعب تفسيرها، فكما هو معروف على الأقل من خلال المصادر الكتابية بأن اللاتين الأوروبيين اضطهدوا الكنائس الشرقية، وأخرجوهم من الكنيسة أو سمحوا لها الصلاة بأوقات محددة داخلها في حين أن الزخارف الموجودة داخل الكنيسة تروي القصة بشكل آخر مغاير ومعارض لكل الروايات الكنسية العالمية والمحلية حول تاريخ الكنيسة بالتحديد في فترة الفرجة.
أما عن هذا البرنامج الزخرفي فيوضح المؤلف أنه تألف من رسومات لقديسين جمعت بين قديسي الشرق والغرب، متسائلا إذا كانت السيطرة مطلقة من الغربيين على الكنيسة فكيف سيسمحون للشرقيين برسم قديسيهم على الأعمدة؟".
واعتبر الجعبة أن هذا الجمع كان رسالة وهي رسالة تتناقض مع روح العصر.
وبالإضافة إلى ما سبق، الفسيفساء الجدارية ذات المساحة الهائلة الموجودة داخل الكنيسة، تكشف عن أنها نفذت بأيدي محلية، عربية وسريانية، وذلك وفقا للبرنامج الفني الذي حوته،كما أن الموضوعات التي تتطرق لها الفسيفساء هي فريدة من نوعها، وهي التعبير عن المجامع الكنسية المسكونية الجامعة للعقائد المسيحية، إذ أن غالبية المجامع التي رسمت داخل الكنيسة ووضع نصوص عليها تعبر عن أهم القرارات التي اتخذت.
كما أن هذه المجامع وفقا للجعبة، جسدت وحدة الحال العقائدية بين الطوائف المسيحية المختلفة، ناهيك عن المجالس المحلية التي كانت تجري في بلاد الشام بشكل أساسي ومن ضمنها فلسطين، والتي جسدتها الفسيفساء.
من جانبها، قالت خلود دعيبس إن الكتاب يحكي قصة تتجاوز تاريخ السياسة والفن، لتكشف من خلال أعمال ترميم كنيسة المهد عن اعتراف طال انتظاره بالقيمة العالمية البارزة للتراث الفلسطيني للإنسانية بشكل عام، كما يبرز الجمال الفني والأهمية التاريخية والرسالة الروحية لكنيسة المهد.
وتطرقت دعيبس إلى عملية الترميم التي حظيت بها كنيسة المهد خلال الأعوام الماضية والتي أعادت إليها وهجها وأظهرت جمالياتها وحافظت على تاريخيتها.
من جانبه، قال د. إيهاب بسيسو إن الجعبة يتحدث في كتابه عن تاريخ مدينة بيت لحم وتاريخ الكنيسة الأول والثاني، مرورا بالفترات المتعاقبة، وكأنه في هذا التسلسل يأخذ القارئ في رحلة تمتد لأكثر من ألفي عام.
كما لم يغفل المؤلف، وفقا لبسيسو عن التطرق إلى الحديث الشائك الذي تناول بيت لحم كمهد للمسيح، وبين بعض الادعاءات التي حاول أو يروج لها الاستعمار عبر بعض المؤرخين بأن ميلاد المسيح هو في قرية بيت لحم الجليلية وليس في بيت لحم التي هي مهد المسيح، مشيرا إلى أن هذا يعتبر انتصارا لعديد من المفاهيم منها للرواية التاريخية ببعدها الحقيقي، وأيضا انتصارا إلى الرواية الوطنية وكل ما واكب هذه المرحلة العصيبة من التاريخ الفلسطيني تحديدا المعاصر.
وجاء الكتاب في 373 صفحة مقسمة على ثمانية فصول، ومتضمنا عددا وافرا من الصور الفنية والمخططات الهندسية والأشكال التوضيحية.
من جانبه، تحدث رئيس اللجنة الرئاسية لأعمال ترميم كنيسة المهد خلال مداخلته في الندوة الثقافية إلى نجاح اللجنة الرئاسية بالحفاظ على موقع كنيسة المهد بالرغم من المشاكل التي تعرضت لها، حتى تم الحفاظ على الكنسية من خلال ترميمها وتعاون الكنائس مع بعضها البعض، وقد تم الوصول إلى نقطة أن الشعب الفلسطيني مارس سيادته، وكان شرف أن توقف مديرة اليونسكو والطلب أن يتم تحويل مدينة بيت لحم من قائمة الخطر الى قائمة التراث لأنه ما قامت به دولة فلسطين يعتبر المثال الحسن".
لمشاهدة الندوة كاملة عبر الفيديو التالي: