تدوين- بثينة حمدان
يخرج الصياد سواء كان محترفاً أو هاوياً حاملاً معداته وأمامه هدف، يحاول تحقيقه ثم يعود بصيده، ويواصل حياته ليس صياداً بل انساناً كما ينبغي.
في لغتنا العربية؛ بين الصيد والتَصَيُّدْ علامة فارقة بين انسان مُدَبِّرٍ؛ يركض وراء لقمة عيشه، وهدفه اليومي، وراء حتى هوايته المحددة والواضحة. وبين انسان مُدْبِرٍ هاربٍ من عُقَدِه الداخلية، من نقص ما، وفراغ في شخصيته لاهثاً وراء "أخطاء" الآخرين، وراء وَهمٍ صنعه لضعفه الشديد، مفاده أن نجاحه يكمن في أخطائهم.
يصله نصٌ ما، يقرأه مراراً وتكراراً، لا يبحث فيه عما يبنيه، ولا عما يفيد مؤسسته ومجتمعه، بل يبحث عما يزيد من مَلَكَتِهِ ويجعله يوماً بعد يوم ضليعاً في القبض على أخطاء الآخرين، هفوة هنا أو هناك كافية لتجعله ينسف هذا النص أو العمل أو أي مشروع، يقفز فرحاً ثم يبدأ بكتابة رسالة محورها "الخطأ"، محورها أنه وجد خطأً فأمسك به ومشى مختالاً فخوراً عائداً إلى البيت فرحاً بإنجازه. وشيئاً فشيئاً يحترف صيد الأخطاء أو بالأحرى التَصيُّد والاحتيال. يحتال على العمل ليُفشِلَه فلا شيء ينجح بدونه كما يدعي، ويرهق الآخرين بهفوات ليست ذات أثر بل هي ليست بأخطاء فعلية!! المتصيد لا يُفرق بين الخطأ والخطيئة والهفوة، يختلط عنده الأسود بالأبيض فلا يرى ابعد من أنفه.
الكارثة هي حين يصل رد المتصيد للمسؤول، فيعرف بـ"الخطأ" اذا صحت التسمية، ويقع تحت إمرة المُتصيد الحاقد، فيدفعه للرد بنفس الطريقة وتضييع وقت المؤسسة بمناقشة هفوة يمكن اصلاحها؛ قد تكون فاصلة ضاعت بين السطور.. يا لها من كارثة!
في الوقت الذي يمكن تجاوز كل هذا، والاتصال وتعديل الهفوة-الكارثة- والاستمرار بالعمل بشكل جاد، وخدمة البلد، يُصِرُّ المُتَصيِّد على خدمة نفسه وأهواءه وإرضاء غروره فقد وجد "خطأً" فكيف اذا كان "الخطأ" لشخص ناجح ولامع؟
إن مهمة البحث وسط النجاح عن هفوة، هي قِلّةُ عقل وضعف في البصر والبصيرة، وقلة خبرة وقصور في العمل ضمن فريق، وضعف في الاعتراف بحقيقة نجاح الآخرين، ولعل فائدة التصيد الوحيدة هي أن يعرف الناس أن المتصيد حجمه بحجم هفوة..لا أكثر؛ ماذا أنجزت اليوم؟ انجازي هو عدد اخطاء الآخرين (أي لا شيء!!).
يبتسم المبدعون ويسيرون ويصيرون ويكبرون.. ويبقى المُتَصيد صغيراً فأصغر وأصغر.