تدوين- سوار عبد ربه
في أزقة مخيم الأمعري، داخل مساحة محصورة في غرفة صغيرة، يعرض الفنان الفلسطيني علاء البابا أعماله الفنية، في المكان الذي انطلق منه قبل نحو 5 سنوات، ليكون مرسمه الخاص، الذي ينتج فيه أعماله الفنية، في تجربة فريدة تمنح الجمهور إمكانية من الخوض في تفاصيل المخيم من الناحية الجغرافية والعمرانية، ثم مشاهدته فنيا وفهمه بطريقة مختلفة.
وفي لقاء خاص مع تدوين أوضح الفنان علاء البابا ابن مخيم الأمعري والذي يعمل في مجال الفن المجتمعي أنه يطرح في مرسمه علاقته مع المخيم، منذ 5 سنوات من خلال طرحه للمخيم في أعماله الفنية.
تركز أعمال البابا على الجانب المعماري في المخيم، ذلك من خلال تناوله لموضوعات المخيم المتنوعة ورمزيته السياسية والاجتماعية على السواء.
يقول الفنان: "ركزت على الجانب المعماري في المخيم، من خلال تناولي لموضوع الاكتظاظ في هذه المساحة الجغرافية، وفي الوقت ذاته الانحسار الجغرافي والاجتماعي ضمن ارتباطه بالخطاب السياسي".
وبدأت رحلة البابا الفنية مع المخيم من خلال أسئلة راودته حول هذا الحيز الجغرافي، إذ يوضح لتدوين أنه حاول فهم حجم التغيرات وانعاكس هذا التوسع المعماري على الطبقة الاجتماعية والفجوة ما بين المحيط في المخيم نفسه، إذ يوجد في المخيم حياة اجتماعية مختلفة عن غيره من الأماكن.
ويضيف: حاولت أن أعالج في لوحاتي معنى الخصوصية وتعاطي الناس مع بعضها البعض، والتعريفات المختلفة الموجودة في المخيم دونا عن غيره من المحيطات، ومن هنا فكرت بتناول العمارة في المخيم، وطرحها بطريقة تختلف عما هو في ذهن الناس، إذ يوجد صورة نمطية تصوره على أنه رمادي، وبنيته التحتية بحاجة دائما لإصلاحها، لكنني قمت برسمه بشكل زاهٍ وهذا شيء نقدي للحالة المعمارية الموجودة".
ويرى الفنان في المخيم مساحة خصبة ومثيرة للعمل عليها، إذ يوجد عشوائية لكنها قائمة وموجودة وتطرح فكرة اكتشاف الحالة الاجتماعية الموجودة في المخيم من خلال هذا المعمار، وذلك من خلال تتبع العلاقة مع الأصوات والروائح والناس.
وما يميز البابا عن غيره من الفنانين الذي تطرقوا إلى المخيم في لوحاتهم، أنه اتخذه كمشروع شخصي دائم يسعى دائما إلى تطويره، في حين أن الفنانين الآخرين رسموا المخيم وأنتجوا أعمالا عنه لكن ليس بينهم من اتخذه كمشروع خاص.
وللبابا أعمال فنية كثيرة أبرزها مشروع "مسار السمك" المؤلف من 18 لوحة جدارية منتشرة حول فلسطين، لبنان والأردن، حيث تنعكس تجربة اللاجئ الفلسطيني في مسار الأسماك في المحيط.
وحول هذا المشروع يقول البابا إن المحرك الأساس فيه هو كتاب الباحث سليم تماري "الجبل ضد البحر" إذ طرح تماري في كتابه فكرة اللاجئ الفلسطيني بعيدا عن الجانب السياسي، والتغيرات التي طرأت عليه بين ليلة وضحاها من ناحية اجتماعية وحتى التغيرات التي طرأت على نوعية أكله، ومشاعره.
وعبر البابا عن هذه الفكرة من خلال حالة الاغتراب القسرية التي يعيشها اللاجئ من البحر إلى الجبل مشبها اللاجئين بالسمكة التي من المفترض أن تكون بيئتها الطبيعية والمنطقية البحر، وإذا أبعدت عن بيئتها يتغير المعنى الأساسي لها، إذ تتحول لزينة، أو لأكل، أي أنها تفقد قيمتها الحقيقية.
إضافة إلى رمزية أخرى استند عليها البابا وهي علبة السردين الحديدية، التي يوضع بداخلها مجموعة من الأسماك، ما يعني أنها تسلعنت أو انحصرت، ومن هنا ربط البابا بين هويته الشخصية في المخيم والحاجة للعودة إلى البيئة الأساسية، خصوصا وأن غالبية سكان المخيم هم من الساحل، ويعيشون حالة اغتراب من الصعب التأقلم معها، كما أن المخيم خدم هذا الطرح، من خلال الحاجز النفسي والاجتماعي مع المحيط وهذا ما يشبه حلم السمكة الدائم في العودة.
اتخذ البابا من المخيم مساحة يعرض فيها أعماله، كما أنها مساحة نظم فيها معرضه الذي استمر ليومين متتاليين، 18-19 آذار الجاري، ما مكن الجمهور من التعرف على أعماله عن قرب.
وحول هذا قال البابا لتدوين إن وجود معرض في مخيم هو أمر غير متوقع أو اعتيادي، إذ أن المساحة الجغرافية هذه آخر احتياج لها هو وجود معرض، ومن هنا انطلقنا، لكسر الصورة النمطية، فكان شيئا مثيرا للاهتمام ليس فقط للجمهور حتى للفنانين.
وكان غاليري زاوية قد نظم يومين مفتوحين في مرسم الفنان علاء البابا في مخيم الأمعري للاجئين في البيرة، وذلك ضمن مشروع أكبر يهدف إلى إلقاء الضوء على أعمال عدد من الفنانين في مراسمهم الخاصة.
وحول هذا قال البابا إن هذه أول تجربة له مع غاليري زاوية المتفرد على الساحة، مشيرا إلى الأزمة التي يعاني منها الفنانون، المتمثلة في عدم وجود صالات عرض متخصصة.
من جانبه، قال مدير زاوية غاليري يوسف دردس في لقاء خاص مع تدوين إن فكرة هذا المشروع مبينة على القيام بفعاليات في مراسم الفنانين، وهذه دعوة للجمهور للتعرف على الفنان والمساحة التي ينتج فيها ويعمل بها، وكون علاء البابا في مخيم الأمعري ويتناول مووضع اللاجئين تمثلت الفكرة في منح الجمهور تجربة المخيم عن قرب.