الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل استطاع شيوخ الإسلام أن يكتبوا السيرة النبوية؟

يكتب: سعيد بودبوز

2023-03-22 08:38:38 AM
هل استطاع شيوخ الإسلام أن يكتبوا السيرة النبوية؟
مقطع من الفيلم على اليوتيوب

تدوين- آراء ومدونات

يتزايد عدد السير النبوية باستمرار، وكلها تكرار لسيرة ابن هشام، وكأنّ المطلوب هو سفك المداد والتهام الورق وإغراق المكتبة والقراء العرب والمسلمين بما لا حصر له ولا فائدة فيه من الكتب. لو أنّ هؤلاء اكتفوا بسيرة ابن هشام لاستراحوا وأراحوا. فالحقيقة أنهم لم يستطيعوا أن يكتبوا سيرة نبوية سوية إلى يومنا هذا!.

السبب الذي جعلني أكتب في هذا الموضوع، هو أنني مؤخّراً شاهدت وسمعت الدكتور عمر عبد الكافي يدعو إلى قراءة مجموعة من الكتب الأدبية، وهذا جميل أعجبني، لأنني أومن إيماناً راسخاً بأنّ كتب الآداب التي ذكر بعضها لو أنّ الدولة اعتمدتها في مناهجها المدرسية للصغار والكبار عوض التربية الدينية لأعطت نتائج افضل بكثير!. لكن المشكلة أنّ الدكتور عمر عبد الكافي لا يفرّق بين القصة والرواية!. وقد ذكّرني هذا التراخي والتهاون مع المصطلحات بموضوع السير النبوية. فعندما يقرّر المؤلف بأنه سيكتب "سيرة"، فمن المفروض أن يلتزم بالأصول السردية للسيرة، وهي جنس أدبي حتى ولو كان موضوعها يتعلق بشخصية دينية. لكن هؤلاء لا يدركون أصلاً أهمية الشكل الحكائي لما يكتبون، ويعلّقون كسلهم وضحالتهم العلمية والأدبية على أنّ الغاية تبرّر الوسيلة.

وهكذا تشعر عندما تقرأ ما يكتبون بأنهم يستفزّونك، لأنهم لا يُظهرون ابسط احترام لعقل القارئ وذكائه. لا توجد سيرة نبوية ترقى إلى السيرة المتعارف عليها في التراث العربي، وأقترح على القارئ أن يقارن أي سيرة نبوية قرأها مع أي سيرة من السير الأدبية كسيرة فارس اليمن (سيف بن ذي يزن) والزير سالم، وأبي زيد الهلالي وعنترة وغيرهم.

أنا لا أطالب رجل الدين بأن يكتب السيرة النبوية بنفس الدرجة من البلاغة (البديع) فهذا كثير عليه، لكن على الأقل يُظهر شيئاً من السرد. يظهر شيئاً من الحركة الحكائية فيما يسميه "السيرة". شيئاً من التسيير والتسريد، وإلا فليختر لها جنسية أخرى واسماً آخر. أنا لا أرى هذه السير النبوية إلا تجميعات للأحاديث والروايات الدينية تفتقر إلى أبسط شكل من أشكال السرد. حتى الترجمة تبدو ارقى بكثير على مستوى السرد من هذه السير. (وأقصد بالترجمة كتب التراجم وليس الترجمة من لغة إلى أخرى). فماذا كانت النتيجة؟.

 الأمر مضحك. فرغم كل هذه السير التي اغرقت المكتبات الإسلامية، فإنّ أوّل وأعظم فيلم عن سيرة محمد (ص)، وهو فيلم الرسالة، لم يستند إلى أيّ واحدة منها!. ففي النهاية نجد الأدباء هم من يتصدّرون هذه المهمة، حيث أنّ كُتّاب القصة والسيناريو والحوار هم الأديب الإيرلندي هاري كرايغ، والأدباء المصريون؛ توفيق الحكيم، وعبد الحميد جودة السحار، وعبد الرحمان الشرقاوي.

طبعاً لا يمكن تحويل سيرة نبوية إلى فيلم، لأنّها ببساطة ليست سيرة ولا تتوفّر على أبسط الشروط السردية. والسبب الذي جعل التراث الإسلامي خالياً من السيرة النبوية هو أنّ رجال الدين يقصون الأدباء من كل ما يتعلق بالدين، بل ويحرّمون الفنون كلها، وهكذا ظلوا معزولين يتخبّطون في بحر من الرداءة لا أوّل له ولا آخر. ولو أنّ عاقلاً منهم يدرك ماذا قدّم فيلم الرسالة للدعوة الإسلامية لغيّر رأيه جذرياً في معاداته للفنّ.