تدوين- إصدارات
لا يمكن لمن يستمع للمؤلفات الموسيقية للموسيقار البحريني الفذ مجيد المرهون إلا أن يؤخذ مسحوراً في عوالمها. فتربكه تلك العوالم، وتفاجئه إن علم أن مؤلفها كان في يومٍ ما قد حمل قنبلة وفخخ بها مركبة عدوه المستعمر البريطاني. لكن للمستمع إلى مقطوعات مرهون لا بد أن ينفك عن إرباكه إذ يدرك أن الضدان لا يلتقيان -الرقة والقوة -إلا عند المرهفين من العباقرة مثله.
مجيد المرهون، هو موسيقار عازف ساكسفون بحريني، وناشط يساري في جبهة التحرير الوطنية في البحرين.
أمضى ٢٢ عامًا في السجن، من ١٩٦٨ وحتى ١٩٩٠ بعد أن فخّخ سيارة بوب لانغديل؛ المسؤول البريطاني عن جهاز الأمن السياسي في البحرين، وخلال سنوات سجنه، تعلّم قراءة النوتة الموسيقية، وعكف على كتابة قاموس الموسيقى الحديث، وهو الأول من نوعه عربيًا.
في ١٩٧٣ خاض مرهون حركة احتجاجية داخل السجن لتمكين السجناء من الكتب والمطالعة، وأصبح منذها قادرًا على قراءة كل ما كتب عن الموسيقى.
وبحسب الناقد الموسيقي هيكل حزقي فقد "انكب على إعادة كتابة القطع الموسيقية وأغاني الليوة والفجري والطنبورة، ثم شرع في وضع مؤلفه الضخم، القاموس الموسيقي، بعد أن لاحظ خلوّ المكتبة الموسيقية العربية من مرجع لغوي".
بالنسبة لتجربة مرهون السياسية، يبدو أنَّ ثمة اتفاق على كونه (مانديلا البحرين)، أما بشأن عبقريته الموسيقية، فهذا مما يجدر بنا اكتشافه، لا سيما وأنَّ عوالمه الموسيقية مزجت الليوة والفجري والطنبورة مع الجاز والبلوز، واكتنزت بمذاقات زنجبة وفارسية وهندية وعربية..
وراكم مجيد المقطوعات والألحان، فألف السوناتا والأوبرا والكونشيرتو، واتجه إلى مرحلة أشد تعقيدًا فوضع السمفونية الأولى، ثم الثانية التي أسماها دعوة إلى الفرح.
ألف أيضًا ألحانًا حماسية ثورية، واهتم أيضًا بموجة حركات تحرر الشعوب فوضع مقطوعتين بعنوان إلى فلسطين الثائرة وإلى لبنان الشجاع.
,يمكن القول إن أول مؤلفات مرهون الجادة كانت ذكريات، أول عمل له داخل السجن، تلتها بعد ذلك جزيرة الأحلام التي حاول من خلالها نقل معاناة المساجين في جزيرة جدا. استطاع تهريب مسوداته التأليفية الأولى بفضل رفيقه في السجن عبد الهادي خلف، الذي كانت زوجته تشتغل في المعهد الموسيقي في الأكاديمية الملكية السويدية، والتي أطلعت مدير المعهد على أعمال مجيد، ليمررها بدوره إلى الموسيقي الشاب ستيڨن دافيد ساندستين الذي انكب على دراستها وتحليل جمالياتها، ثم كتب عنها مطولًا في رسالة الدكتوراه خاصته. لم يصدِّق السويديون آنذاك أن المخطوطات المرسلة قد خطها سجين تعلم كتابة النوتة وحده ومن دون آلة. تلقف كادر المعهد أعمال مجيد بشغف وقاموا بمراسلته وإعطائه الملاحظات والتحليلات لتحسينها. ذكر مجيد في مذكراته أثر تواصله مع ساندستين: “ذكر في رسالته حُسن قدرتي في التلوينات الصوتية والأركسة، واعتبر مستواي في الكونتربوينت في درجة الوضوح ومدح وضوح تعبيراتي في التدوين الموسيقي، سواء من ناحية الجمال أو التحكم في تحديد نماذج الألوان الصوتية وقواها المتناسبة عبر تلك الألحان، لكنه طلب مني أن أهتم بناحية الإثراء الهارموني واستحسن لي لو أقوم باستخدام طرق في البناء الهيكلي غير تقليدية في صياغة أعمالي الموسيقية.”
مؤخرا صدر قاموس الموسيقى الحديث بدعم من الشيخة مي آل خليفة ومركز الشيخ إبراهيم في البحرين.
كتب مجيد في مقدمة القاموس يقول إن وضع معلومات وافية عن الموسيقى، خاصة عن الموسيقيين العرب منذ بدء الدولة الإسلامية أمر قد يتعذر عمله من قبل فردٍ واحد يعمل لوحده، وفي ظروفٍ قاسية وغيرمؤاتية، لا بل إنها ظروف معاكسة ومحبطة جداً، لأن تقديم معلومات وافية عن الفنانين العرب المعاصرين، تتطلب جهوداً مكثفة من لجانٍ ومؤسسات فنية متخصصة عديدة عبر طول وعرض الوطن العربي.