الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التزوير الصهيوني للتاريخ: ملائمة القدم لتناسب الحذاء| بقلم : نبهان خريشة

2023-03-25 03:11:46 PM
التزوير الصهيوني للتاريخ: ملائمة القدم لتناسب الحذاء| بقلم : نبهان خريشة
نبهان خريشة

وفقا للروايات التوراتية فإن النبي موسى هو مؤسس الديانة اليهودية، وشاؤول وداوود وسليمان هم من أسسوا أول كيان سياسي مركزي لليهود، وأن أسلاف اليهود الغابرين في التاريخ هم من بنوا الأهرامات، وهم من دشن ثقافات مناطق سوريا والعراق واليمن منذ فجرالتاريخ، بحسب المستشرقين التوراتيين، (على الرغم من عدم وجود أدلة أركيولوجية تثبت ذلك)، في حين أن الصهيوني اليهودي الروسي "إيمانويل فليكوفسكي" في كتابه (عصور في فوضى) الذي نشره في العام 1952،  هومؤسس لما يسمى بـ (القومية الإسرائيلية)، من خلال جمعه وتصنيفه قرائن وشواهد ودلائل وبراهين، بمنهج علمي متقن التزوير..

إسطورة خروج اليهود من مصر وانشقاق البحر وإبتلاعه لفرعون وجيشة، هو المحور الذي يدور حوله كتاب فليكوفسكي .. وفي محاولته لـ "ملائمة القدم لتناسب الحذاء" لإثباتها، يذهب فليكوفسكي إلى أن الخروج اليهودي من مصر، صاحبته أحداث وظواهر طبيعية عصفت بمصر، ومن هذه النقطة يبدأ بتأسيسِ موطئ قدم لقبائل بني إسرائيل في التاريخ (الذي لم يذكر أنها وجدت اصلا في مصر)، بتسويغه لأحداث الخروج، هذا الخروج الذي يتمكن من خلاله "شعب الله المختار" من النجاة، بعد ان أغرق الرب فرعون وجيشه أثناء مطاردته لهم في طريقهم لعبور سيناء، في محاولة منه لتحويل الأسطورة إلى وقائع حية فاعلة، تؤكد أن ما جاء في سفر الخروج قد حصل فعلاً .

ويؤسس فليكوفسكي نظريته، على أن خطأً قد وقع في "تأريخ" التاريخ المصري القديم، حيث توقف تدوين هذا التاريخ في فترة نهاية الأسرة الثانية عشرة في الدولة الوسطى، مع دخول الغزاة الهكسوس إلى مصر، الذين تصفهم النقوشات الأثرية المصرية القديمة بأنهم كانوا بدواً برابرة، لا يعرفون معنىً للحضارة أو الكتابة. وبالإرتكاز على هذه الفرضية يذهب فليكوفسكي الى أنه لم يجرِ تدوين للأحداث التي شهدتها مصر طوال فترة الاحتلال الهكسوسي، الذي جاء بالتزامن مع خروج بني إسرائيل في طريقهم لشبه جزيرة سيناء. الا أن ما ينسف النظرية هذه، هو أن المؤرخين وصلوا نهاية الأسرة الثانية عشرة وهي آخرأُسرالدولة الوسطى (١٧٨٨ق.م)، ببداية الأسرة الثامنة عشرة أُولى أُسر الدولة الحديثة، بعد التحرر من الهكسوس (١٥٨٠ق.م)، ولم يتركوا للأُسر من الثالثة عشرة إلى السابعة عشرة سوى نحو مائتي عام قسمت على خمس أسر مصرية وهكسوسية.

فليكوفسكي وضع جداول زمنية تاريخية تتزامن مع أساطيرالتوراة، أو بكلمات أدق لائم للقدم لتناسب الحذاء، وذلك بالإرتكاز على بردية (معاتبة إيپو وِر/ معاتبات ناسك مصري)، التي تعود كتابتها إلى أواخر عهد الأسرة المصرية العشرين (1991-1803 ق.م )، وهي محفوظة حالياً في المتحف الوطني الهولندي للآثار في لايدن. وهذه البردية هي عمل أدبي على شكل حوارغير مكتمل مع "رب الجميع"، تصف معاناة مصر من الكوارث الطبيعية، وإنقلاب الأموررأسًا على عقب، حيث أصبح الفقراء أغنياء والأغنياء فقراء، وأصبحت الحرب والمجاعة والموت في كل مكان، بسبب ثورة الخدم وتركهم للخدمة.

ويعتقد علماء المصريات، أن البردية هي على الأرجح عمل دعائي ملكي جرى تأليفه في عهد الفرعون (سنوسرت الثالث) الذي اشتهر باستخدام الدعاية لوصف موضوع الأمة التي سقطت في غمار الفوضى والتبعثر، وحاجتها لملك قوي من شأنه أن يهزم الفوضى، ويستعيد  إلهة الحق والعدل (ماعت). ويعتبر علماء الآثار، أن بردية العتاب هذه هي أقدم رسالة معروفة في العالم تتعلق  بالأخلاق السياسية، والتي تقترح أن الملك الصالح هو الذي يسيطر على المسئولين الظالمين، ومن ثم ينفذ إرادة الآلهة، كما أنها تعتبر رثاءً مشابه للمراثي السومرية و المصرية الخاصة بالموتى.  

 لكن فليكوفسكي" لوى عنق" البردية، واعتبرها دليلا على وقوع بلاء متعدد الأشكال ضرب شعب مصر، في الأيام التي سبقت خروج اليهود من مصر، ويدعي أن ما جاء في البردية، يتطابق ما ورد فيها مع نصوص من سفر الخروج في العهد القديم، وهو ما يرفضه علماء المصريات .. وهنا بعض الأمثله التي ساقها فليكوفسكي بمقاربته بين سفر الخروج وبردية لادن لإثبات نظريته  :

بلاء الدم في النهر:

سفر الخروج: "وحفر جميع المصريين حول النهرِ لأجلِ ماء ليشربوا، لأنهم لم يقدروا أن يشربوا من ماء النهر، مات السمك الذي في النهر وأنتن "  

البردية : "هذه مياهنا، وهذه سعادتنا، فماذا سنفعل بعد الآن؟ عاف الناس شرب الماء … الكل حطام."

بلاء البرد والنار:

سفر الخروج: "فضرب البرد في كل أرضِ مصر، جميعَ ما في الحقل من الناس والبهائم، وضرب البرد جميعَ عشب الحقل، وكَسر جميع شجرِ الحق" ....

البردية: " لا فاكهة ولا محاصيل موجوده" 

بلاء الطاعون:

سفر الخروج: " يد الرب تكون على مواشيهم التي في الحقل، على الخيل والحمير والجمال والبقر والغنم … سيفتك بها طاعون … جميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل … ينزل عليهم البرد فيموتون"

البردية : " كل الحيوانات قلوبها تنتحب … والماشية تئن"

بلاء إنهيار البيوت المفاجئ :

نصت البردية حول إنهيار المسكن خلال لحظات على : " أحقا كل أبناء الأمراء سحقَت أجسادهم في الحوائط؟ .. أحقا تشرد أبناء الأمراء في الطرقات؟.. النواح في كل أنحاء البلاد يختلط بالنحيب" ..... 

يعقب فليكوفسكي على ما نصت عليه البردية بشأن إنهيار المنازل بالقول "إن موتَ كل هذا العدد في ليلة واحدة، وفي ذات الساعة من منتصف الليل لا يمكن تفسيره الا بأن كارثةٍ أرضية ضربت كل أرض مصر".

وفي معرض تأسيسه لنظرية صحة ما ورد في سفر الخروج، حول هروب بني اسرائيل بقيادة موسى يدعي فليكوفسكي، أن البردية ذكرت أن تمرد السكان وفرار البؤساء والمساكين من العبيد، واختفاء الملك في ظروف غامضة، يدل على أن زلازل متتابعة وظواهر طبيعية أخرى، صاحبها أكثر من بلاء سبب هلاك الإنسان والحيوان والنبات قد ضربت مصر، وإعتبر المصريون أن ذلك كله على أنه من فعلِ رب العبيد الفارين، الذين أسرعو باتجاه حدود الدولة، يسبقهم عمود سحاب في النهار وعمود من نار في الليل ليهديهم للطريق.