الحدث- وكالات
نال معهد فراونهوفر الألماني للأبحاث على الخشب جائزة الدولة للابتكار البيئي في مجال البناء، لقاء تطوير مادة خشبية 100% تتمتع بمواصفات العزل الحراري والوقاية من الحرائق. وسيجري تسليم الجائزة رسميًا يوم 29 آيار (مايو) الجاري في برلين.
ومعروف أن الشتاء البارد في ألمانيا يدفع 200 ألف ألماني سنويًا لتغليف منزله بالمواد العازلة التي تقلل تسرب الحرارة من البيت شتاءً، وتمنع تسرب البرودة منه صيفًا. هناك آلاف البيوت المهملة في ألمانيا بسبب استخدام الاسبست في عزلها، بينها العديد من المساكن والثكنات التي خلفها الجيش الاميركي بعد مغادرته الأراضي الألمانية. وهناك مبنى هائل من 36 طابقًا في مدينة كولون، كان مقرًا لإذاعة صوت ألمانيا الحر، وبقي خاليًا بعد انتقال الاذاعة إلى بون، بسبب اكتشاف الاسبست في أساساته.
وتسبب استخدام الاسبست في البناء في ستينات وسبعينات القرن العشرين بإصابة الآلاف بسرطان الرئة، معظمهم من عمال البناء.
ولم تكن حال الستايروبور مادة عازلة أفضل كثيرًا من الاسبستـ رغم انه أرخص بكثير وأخف وزنًا من معظم المواد العازلة الأخرى. ويتحدث مهندسو البيئة عن ثلاث مثالب في الستايروبور، أولها انه ينتج من البترول، ويلوث الجو عند تحضيره، وثانيها أن المواد المستخدمة في لصقه وجعله منيعًا على الاحتراق متطايرة وسامة للجو والإنسان، وثالثًا تدويره معقد ومحدود حتى الآن في الصناعة، وتذهب كميات كبيرة منه إلى مطامر النفايات.
قابل للتدوير
الرغوة الخشبية التي ابتكرها البروفيسور فولكر توله، من معهد فراونهوفر لأبحاث الخشب في براونشفايغ، مادة مطاوعة، لكنها خشبية 100% ومن الممكن تدويرها، بعد الاستخدام، بالكامل. عدا عن ذلك، هذا الخشب الجديد يعزل حراريًا بشكل جيد، وهو عصي على الاحتراق. يقول توله: "تعريض الخشب الرغوي للنار لم يسبب تطاير أي مواد أو أبخرة سامة منها، والأهم أنه متين جدًا ويتحمل ضغطًا كبيرًا، وهو مثالي لتقوية أساسات البناء والجدران".
والخشب الرغوي بيئي تمامًا عند إنتاجه وبعد استعماله، لأن الباحثين في معهد فراونهوفر تمكنوا من إنتاجه من كافة أنواع الخشب المعروف، ناهيك عن تحضيره أيضًا من الخشب القديم (النفايات) ومن نشارة الخشب. ويجري طحنه وتحويله إلى مسحوق ناعم، ومن ثم سائل كثيف بواسطة الضغط العالي، في عملية وصفها توله بأنها تشبة عملية تحضير عجينة الورق.
عمل توله وزملاؤه بعد ذلك على تحويل السائل الكثيف إلى مادة رغوية باستخدام بيكربونات الصوديوم (باكينغ باودر)، التي تستخدم في الطبخ وتحضير الخبز، وبعد إضافة شيء من الغازات الطبيعية. وكانت النتيجة مادة خشبية خفيفة ومتينة أقرب ما تكون إلى الفلّين، لكنها خشبية 100%.
تصلب الرغوة
في خطوة لاحقة، يسعى علماء معهد فراونهوفر إلى تسريع عملية تبخر الماء من الرغوة وتحولها إلى خشب صلب بعد صبها في البناء. ويقول توله إن تسريع العملية يعني تسريع البناء ككل وتقليل الكلفة. وهذا يعني أنه من الممكن مستقبلًا صب الخشب في قوالب وانتاجه بكافة الأشكال الممكنة، وهذه ثورة في عالم النحت والزخرفة أيضًا. ويسعى العلماء أيضًا خلال سنة للبحث عن بديل أسرع في العمل من مادة بايكنغ باودر.
استخدام الخشب الرغوي يعني التوصل إلى عزل المناطق المقوسة والزوايا أيضًا، كما يمكن ملء الزوايا التي يصعب الوصول إليها أثناء البناء عن طريق زرقه وهو بحالة سائلة كما هي الحال مع السيليكون.
ولأن الخشب الرغوي بعد تصلبه أقوى من الستايروبور، وليش هشًا، فمن الممكن ربطه ببعض بواسطة المسامير واللوالب بعيدًا عن استخدام المواد اللاصقة المتطايرة أو الحبال والقيود الصناعية.
وعبر قطاع البناء الألماني، على لسان اكسل ديغاشكو رئيس الاتحاد، عن اهتمام كبير بالمادة الخشبية الرغوية، وقال إن التوسع في استخدامها سيتوقف طبعًا على كلفة إنتاجها. وعلى هذه الأساس، توقعت جوليا شولتسيك، من إدارة معهخد فراونهوفر لأبحاث الخشب، أن يُساوي سعر انتاج الخشب الرغوي ضعف سعر الستايروبور في المرحلة الأولى من الإنتاج، وسينخفض لاحقًا إلى نفس سعر الستايروبور بعد التحول من الإنتاج البسيط إلى إنتاج السوق خلال سنتين.
خشب سائل بدلًا من البلاستيك بيئي
وكان تقنيان المانيان من بافاريا توصلا إلى طريقة "لإسالة" الخشب، ومن ثم استخدامه كبديل خالٍ من المواد الضارة بالبيئة، في صناعة كافة الأشياء التي ما كان يصلح لصناعتها غير البلاستيك مثل الأشياء المدورة والمكورة. وذكر هيرمان كلاينة، أحد كبار منتجي الأثاث في ألمانيا، أن الخشب السائل، الذي تولت شركته دعم عملية إنتاجه وتسويقه، يصلح لصناعة عرائس باربي، كما يصلح لصناعة أنابيب المجاري. واستعرض كلاينة للصحفيين مقود سيارة متين تم تصنيعه من الخشب السائل.
ولا يتمتع الخشب السائل بمواصفات العزل الحراري، والمناعة على الاحتراق، كما هي الحال مع الخشب الرغوي، لكنه سيصبح بديلًا عمليًا للمواد الصناعية المرنة الضارة بالبيئة. وتوقع كلاينة مستقبلًا باهرًا للخشب السائل في العديد من القطاعات الاقتصادية، خصوصًا في صناعة الأثاث ومواد البناء وغيرها. فالخشب السائل يعني إمكانية تطويعه في قوالب بحسب الأشكال المطلوبة، كما يفعل الانسان مع البلاستيك. وهذا يقتصد كثيرًا بكلفة النقش والحفر في الخشب، كما يختصر الكثير من وقت العمل، وبالتالي بالكثير من سعر المادة في السوق.
المادة الرابطة
استطاع المبتكران أن يطورا الخشب السائل بحيث يمكن إنتاجه بنسب معينة حسب الطلب. فهو يتكون أساسًا من نشارة الخشب بنسبة 95%، ومادة رابطة بنسبة 5%. والمادة الرابطة هي مادة طبيعية مستخلصة من المواد النشوية، ومن المواد البوليمرية القابلة للتحلل بالماء.
لكن من الممكن تغيير هذه النسب بحسب طلب الزبون، وبما يزود الخشب المصنّع بقوة كافية بحسب مكان استخدامه. وتجري القاعدة هنا عكس المتوقع لأن صلابة الخشب السائل تزداد بزيادة نسبة المادة الرابطة. ويقول كلاينة إن إنتاج الخشب السائل المقاوم لتأثيرات المناخ والشديد المتانة يتحقق من خلال "سبيكة" تتكون من 50% نشارة خشب و50% مادة رابطة.
وإذ أبدت بعض شركات السيارات اهتمامها في اقتناء الخشب السائل، أبدت شركة الصناعة الفضائية الالمانية رغبتها أيضًا بذلك. والمهم أن الخشب السائل لا يحتوي على مادة فورم الديهايد المستخدمة بكثرة في صناعة أنواع البلاستيك، كما أثبتت الفحوصات التي أجريت عليه أنه خال تقريبًا من المواد الصناعية الاخرى الضارة بالبيئة.
من نشارة الخشب
كشف كلاينة في مؤتمر صحفي عن دخول "الخشب السائل" مرحلة إنتاج السوق خلال وقت قريب. ويخطط كلاينة لاستخدامه في صناعة الأثاث وألعاب الأطفال الخشبية وفي صناعة مقاود السيارات وصناعة بعض الأجهزة الطبية.
وذكر صانع الأثاث الالماني العجوز ان اليابانيين حجزوا منذ الآن دورهم لشراء الخشب السائل من شركته.
ثم أن الخشب السائل أرخص من غيره لأنه يصنع من نشارة الخشب، ومن الممكن تدويره بسهولة، كما ان إنتاجه أسرع.
وذكر كلاينة أن التجارب التي أجريت تثبت أن سرعة صناعة الأشياء بواسطة الخشب السائل تزيد بنسبة 80% عن سرعة إنتاج نفس الشيء من خشب الأشجار.