تعود الذكرى السنوية لرحيل الفنان المصري – العربي المطرب عبد الحليم حافظ(1)، في الثلاثين من آذار/ مارس(2)، كما في كل عام وهي حافلة باستعادة الذكريات، ودائما تحمل ما هو جديد وتستقطب اهتماما غير عادي، يؤكد لنا في كل عام بأن عبد الحليم ما زال حيا بفنه، وانه ما زال شاغل الناس وماليء الدنيا، وما زالت أغانيه تتربع على قمة الغناء وانتشارها واسع من خلال الاستماع اليها بشغف.
عرف عن عبد الحليم ذكاءه الذي تحدث عنه كل من عرفه، وهذا أتاح له أن يقيم علاقات متشعبة مع مبدعين في عصره فإلى جانب الفنانين، كانت له علاقات مميزة مع السياسيين وعلاقات خاصة مع الصحافيين والإعلاميين وصداقات مع الكتاب والشعراء، ليس ممن تعامل معهم فحسب بل مع عدد كبير بعيدا عن مجال العمل المشترك.
في هذا العام قررت الغوص في علاقة عبد الحليم بالأدب والأدباء، وفوجئت من خلال جولة عبر الجوجل أن أكتشف بأن عددا من الأدباء كتبوا روايات بوحي من حياة عبد الحليم ومسيرته الفنية، وأطلقوا عناوين أغانيه على رواياتهم وقصصهم، وكنا قد علمنا سابقا بأن أفلاما سينمائية دارت حول عبد الحليم واقتبست أسماء أغانيه، هذا ناهيك عن 12 كتابا يرصد صفحات وجوانب من سيرة وأعمال وأسرار شخصية في حياة العندليب(3).
فعلى صعيد الروايات يقدم الروائي نعيم صبري في روايته "صافيني مرة"، والتي تحمل عنوان إحدى أغنيات عبد الحليم حافظ، سردية لجيل عاصر فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. يطوف الكتاب بعدد من الأحداث المؤثرة في تلك الفترة مثل ثورة يوليو التي غنّى لها عبد الحليم أشهر أغنياته، وتأميم قناة السويس، والوحدة المصرية السورية، وبناء السد العالي، وانكسارات النكسة ثم حرب أكتوبر 1973.
وطرحت الروائية رضوى الأسود، سيرة روائية للفنان الراحل في كتابها تحت عنوان "حليم بين الماء وبين النار". استندت الكاتبة إلى المذكرات التي كتبها عبد الحليم عن حياته وأخرى كتبت عنه، لتقدم سردًا روائيًا يعتمد على عنونة الفصول بعناوين لأغنيات العندليب، وتتلاءم مع مضمون الفصل.
ويقدم الكاتب النوبي حجاج أدول، في كتاب "موعود.. نوستالجيا سنوات الحرب والغرام"، خطين متوازيين يمزج عبر امتدادهما ما بين لحظات من سيرته الخاصة وأخرى من سيرة العندليب. يسرد الكاتب في عمله محطات من مشوار عبد الحليم الفني والخاص، وينطلق في سرده من أغنية "موعود" التي كتب كلماتها محمد حمزة، ولحنها بليغ حمدي.
لم يخف أدباء مصر والعرب حبهم لعبد الحليم وخاصة لصوته وأدائه المميزين، ولم يبخل عدد من الأدباء المعروفين والكبار في التعرض لتلك الخصال في كلماتهم في العندليب، فهذا الأديب توفيق الحكيم، يقول: وجدت في صوته نسيجاً يشبه القطيفة فهو ليس مجرد نعومة كالحرير بل في نعومته متانة القطيفة، وكنت كلما سمعته ثم راقبته وهو يغني، وجدت أن الصوت لا يخرج من فمه كأغلب المطربين، ولكنه يصعد مباشرة من أعماق قلبه، ولذلك فإن صوته لا يملأ الأذن بل يملأ القلوب.
وقال الأديب نجيب محفوظ: إذا أردنا أن نؤرخ للغناء المصرى ووصلنا الى محطة محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، فأين نضع عبد الحليم حافظ وأين مكانه بالضبط؟ ببساطة أقول نضع عبد الحليم بجانب عبد الوهاب وأم كلثوم لأنه رغم الفترة الزمنية القصيرة التى عاشها، فإنه استطاع أن يقدم الكثير من الأعمال الجادة والجيدة، سواء فى مجال الأغنية أو فى دنيا السينما .
أحببت عبد الحليم حافظ، منذ أن استمعت إليه لأول مرة، وانجذبت له بقوة لأنه صوت آسر ومؤثر في القلوب. صوت ينبعث دافئا حالما رقيقا حينا، وحينا آخر قويا هادرا، ولهذا تعلقت القلوب به، أو علق هو بالقلوب.
يوسف إدريس: "صوت عبد الحليم حافظ، يحرّض على الحب، وحتى لو حرض على اللوعة والأسى، فهو ذلك الأسى الذي يمهّد لتقبّل الحب، وزرع الحب، وحب الحب".
الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وقد كتب كلمات عدة أغاني لعبد الحليم وعرفه عن قرب، يشهد بأن حليم هو "أحد المحترفين القلائل. يُشرف بنفسه على استخراج المادة الخام، مراحل الصهر، التنقية، التصنيع، التجديد، اختيار ألوان الغلاف، كتابة البادج، التغليف، غناء جيد، استكمل كل الشروط الإنتاجية".
وكذلك الشاعر نزار قباني، وكانت له حوارات طويلة مع عبد الحليم أثناء اعداد قصيدة "قارئة الفنجان"، يقول: "إن عبد الحليم حافظ قاد شعبا بصوته. إنّ عبد الحليم حافظ كان بمثابة وزارة إعلام جمال عبد الناصر، وكان صوته كتيبة إعلامية كاملة هزّت عروشا ودكّت نظما". أما الشاعر كامل الشناوي فاختزل الكلام بعبارة واحدة مدهشة: "أنا لا أصدق عبد الحليم إلا وهو يغني".
وأدلى الشاعر المشاكس أحمد فؤاد نجم بشهادته رغم أنه كان معارضا لحكم عبد الناصر، معترفا بأهمية ما قدمه عبد الحليم ورفاقه في الغناء الوطني قائلا: "كان يغني الحلم والمشروع القومي الذي كان يعبّر عن تعطش الناس، وكان بجواره العمالقة صلاح جاهين وكمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي، فصنعوه كما صنعهم".
وبعدما تحدثنا عن نظرة الأدباء لعبد الحليم وتأثرهم به واستلهام حياته في أعمالهم الأدبية، نتحول لنتعرف على الوجه الثاني للعملة، أي نظرة عبد الحليم للأدباء وما كان يقرأه من أدب.
أشارت مجلة "آخر ساعة" المصرية في تقرير لها من عام 1967، أن عبد الحليم حافظ أبدى في حديثه معها قدرات نقدية وثقافة واضحة، قائلا عن قراءاته أنه يقرأ "دائما كتابا جديداً لنجيب محفوظ في الرواية، وليوسف إدريس في المسرحية، لأني أشعر بمصريتهما وصدقهما، فنجيب محفوظ مؤرخ روائي مبدع.. كتولستوي في الأدب الروسي.. مرارة الفقر هي عقدة رواياته، ويوسف إدريس كمسرحي.. مصدر ممتاز للبيئة والشخصيات الثابتة من هذه البيئة، ويمتاز بعين الناقد". وقال عن إحسان عبد القدوس، أنه "كاتب عصري يناقش مشاكل الشباب ويدل برأيه فيها بوضوح، وهو مرآة تنعكس عليها حقائق قد تؤلم الكثيرين، ولكننا إذا كسرنا المرآة فلن نرى الحقيقة". ويصف يوسف السباعي بأنه "يمتاز بأسلوبه المشرق الباسم الساخر في عصر كبير من كتاباته الساخرة التي تناقش قضايانا الاجتماعية". وعبر عن حبه لمصطفى محمود معتبرا اياه "أحسن كتابنا السائلين، وهو يسأل أسئلة تبدو للقارئ بديهية، بحيث أنك عندما تقرأها تدهش كيف لم تسأل نفسك هذه الأسئلة من قبل".
ويتطرق حليم للحديث عن الأدب الأجنبي قائلا: "أحب أن أقرأ دائما الأدب الروسي، تشيكوف، دوستويفسكي وتولستوي ومن الأدب الأوروبي أعشق سارتر".
إشارات:
1) تحل ذكرى وفاة عبد الحليم الـ46 في هذا العام.
2) توفي عبد الحليم حافظ في 30/3/1977 في لندن.
3) رحلة في 12 كتابا صدرت عن العندليب، صحيفة القاهرة، السنة 2 العدد 103، 2/4/2002، ص 18