الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفنان أسامة نزال عن الكاريكاتير في فلسطين: غَلَبة السياسة على القضايا الاجتماعية

2023-04-06 03:42:08 PM
الفنان أسامة نزال عن الكاريكاتير في فلسطين: غَلَبة السياسة على القضايا الاجتماعية
أسامة نزال

تدوين- سوار عبد ربه

يعتبر فن الكاريكاتير أحد أهم الفنون البصرية التي عرفتها فلسطين والتي جاءت كترجمة للواقع السياسي والاجتماعي التي تعيشها البلاد، إذ أخذ هذا الفن الذي ارتبط بالصحف، دوره في انتقاد الأنظمة العربية، والاستعمار، والأحوال الاجتماعية آنذاك، وغيرها من المواضيع.

ولا يزال هذا الفن أكثر الفنون البصرية رواجا في وقتنا الحالي، الأمر الذي يمكن ملاحظته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت المنصة التي ينشر الرسامون أعمالهم من خلالها، إذ مع كل حدث تمر به البلاد، يتسابق الرسامون على إعداد رسومات تعبيرية، وتوثيقية للحدث، وبدورهم، يبدأ الجماهير بنشرها والتفاعل معها، ربما لسهولة رسالتها ووضوحها، وإيجازها.

التقت تدوين بأحد رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين، أسامة نزال وهو عضو في اتحاد العام للفنانيين التشكيليين ويدير الجمعية الفلسطينية للفن المعاصر (PACA)، وهي مؤسسة فنية تهتم بشؤون الفنانين والفن البصري المعاصر والفن التشكيلي، وأجرت معه حوارا شاملا حول تجربته الفنية، ونشأة هذا الفن وتطوره، ودوره في مواكبة الأحداث من حوله بالإضافة لتسليط الضوء على التقنيات الحديثة التي أدخلت على الرسم الكاريكاتيري، ومحاور أخرى سيتطرق لها المقال تفصيلا.

وعن أعماله قال نزال في لقاء خاص مع تدوين: "أعتمد في رسوماتي الكاريكاترية على ناحيتين: سياسية، واجتماعية، إلا أن الثانية حقها مهضوم لصالح الأولى، لأن واقعنا الفلسطيني واقع سياسي، وحياتنا كلها مرتبطة بالسياسة، رغم تعدد قضايانا الاجتماعية التي تمنح رسام الكاريكاتير مادة دسمة للرسم، إلا أن الواقع السياسي في فلسطين يفرص علينا سلم أولويات.

وأردف: "لذلك 99% من القضايا التي أتناولها في رسوماتي هي قضايا سياسية بحتة، والقضايا الاجتماعية أسترقها سرقة، في حال وجود هدوء سياسي في الواقع الفلسطيني".

ويسعى رسام الكاريكاتير إلى مواكبة الأحداث والتطورات في الشارع الفلسطيني من خلال رسوماته التي ينشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك للدور الذي يقوم به هذا الفن في مواكبة الحدث لحظة بلحظة والتي أسهم التطور التكنولوجي في سرعة إعدادها وكذلك انتشارها.

وفي هذا الجانب أوضح نزال أن أي حدث على مدار الساعة يحدث في الأراضي الفلسطينية مباشرة يتناوله من خلال فن الكاريكاتير، لإيصال رسالته، وبهذا تراكمية الرسومات الكاريكاتيرية التي ينتجها، تكون كحالة توثيق وأرشفة للتاريخ السياسي الفلسطيني، بحيث يستطيع المتتبع لرسوماته معرفة ما هي القضايا التي مورست على الشعب الفلسطيني سياسيا.

فن الكاريكاتير بين الماضي والحاضر

قبل التسعينات عرف فن الكاريكاتير نمطين، الأول كان محصورا باللونين الأبيض والأسود، ومن أعلامه الشهيد ناجي العلي، وخليل أبو عرفة، وبعض الرسامين العرب المخضرمين، والثاني من أبناء الجيل نفسه، ممن كانوا يرسمون بذات اللونين ثم يضيفون الألوان المائية، وما زالت هذه الطريقة التقليدية معتمدة في أوروبا.

أما اليوم مع تطور التكنولوجيا التي كان لفن الكاريكاتير نصيب منها، أتيح استخدام الألوان وغيرها، كما أن اللوحة أصبحت الكترونية، ويمكن إعدادها بواسطة الشاشات والأقلام الالكترونية.

التكنولوجيا سيف ذو حدين

وفي سؤاله عما إذا كانت التقنيات الحديثة أحدثت إضافة لهذا الفن أم أنها أفقدته شخصيته التي ارتبطت بوسائل الإعلام التقليدية المتمثلة بالجرائد، قال نزال إن التكنولوجيا سيف ذو حدين، ولها نقاط إيجابية متمثلة في مساعدة فنان الكاريكاتير بأن يكون سريعا في إنتاج عمله الفني، سيما في ظل الأحداث المتراكمة والسريعة والمتفاوتة، ما يعني أن التكنولوجبا ساعدت في اختصار المدة الزمنية لإنتاج العمل الفني.

التكنولوحيا أتاحت لمن لا يرسم الكاريكاتير أن ينتج لوحة فنية، وبالتالي أصبحت اللوحات تخرج في بعض الأحيان عن غير أصحابها

لكن الحد الآخر السلبي وفقا لنزال، هو أن التكنولوحيا أتاحت لمن لا يرسم الكاريكاتير أن ينتج لوحة فنية، وبالتالي أصبحت اللوحات تخرج في بعض الأحيان عن غير أصحابها، كما أنها مرتبطة بوجود الكهرباء، فلو انقطع التيار الكهربائي، واستمر القطع لأيام، لن يستطيع الرسام الذي يعتمد بالأساس على هذه التقنيات أن ينتج رسمة واحدة، وعليه يكون رسامو الكاريكاتير الذين يعتدمون على القلم والورقة والذين استطاعوا فيما بعد أن يطوروا أنفسهم هم الأساس.

وتطرق نزال إلى الذكاء الاصطناعي الذي وصفه بالمعجزة وإحدى دواهي هذا العصر، والذي يتيح لأي شخص أن ينتج عملا فنيا يفوق أعمال الرسامين الحقيقيين، وذلك عبر إدخال مجموعة كلمات وأيقونات، تقوم برامج الذكاء الاصطناعي بتحويلها مباشرة إلى رسمة، الأمر الذي اعتبره خطرا على رسامي الكاريكاتير، فيما لو اعتمدت هذه الطريقة التي من الممكن أن تغني عن العنصر البشري.

فن جدلي له ثلاثة تابوهات

ويعتبر فن الكاريكاتير أحد الفنون البصرية الذي يعتمد على الرسم بطريقة غير مألوفة، ومن سماته وفقا لنزال أنه فن جدلي، وفيه نقاشات وحوارات وتصادمات كثيرة مع الجمهور والشارع ومع الشخصيات البارزة في أي مجتمع.

فن الكاريكاتير هو الفن الوحيد الذي يعمل على إثارة المشاعر لدى الجمهور والشارع، وينتج عنه مجموعة مؤيدة وأخرى معارضة.

ويرى رسام الكاريكاتير أن جميع الفنون عن بكرة أبيها، فنون تقليدية جميلة تدغدغ مشاعر الجماهير من الناحية الجمالية الإيجابية، لكن فن الكاريكاتير هو الفن الوحيد الذي يعمل على إثارة المشاعر لدى الجمهور والشارع، وينتج عنه مجموعة مؤيدة وأخرى معارضة.

وتدخل الخطوط الحمراء بهذا النوع من الفنون، بحيث يكون لكل زمان ومكان خطوطه الذتي تفرض قيودا على الرسام، -رغم وجود جهات قامت بكسرها كمجلة شارلي ايبدو الفرنسية-، إلا أن هناك ثلاثة تابوهات أساسية متعارف عليها لا يمكن للفنان تجاوزها في مجتمعاتنا العربية، وهي الدين، الجنس، السياسية.

وفي هذا الجانب أوضح نزال أن الفنان في مجتمعاتنا لا يمكنه تناول الدين وكل ما يندرج تحته كالذات الالهية، الرسل، الأنبياء، الكتب السماوية، وكذلك الجنس، الذي لا يمكن للفنان تناوله بأريحية بحكم الواقع الاجتماعي والعادات والتقاليد والحشمة، وثالثا: السياسة، حيث لا يستطيع رسام الكاريكاتير أن يتناولها بحرية كاملة وأن يرسم رموزا سياسية بارزة في المجتمع ويتناولها بانتقاد أو من خلال رسالة جدلية للجمهور.

المباشرة في إيصال الرسالة

في سؤاله عن الأعمال الكاريكاترية المعاصرة وغلبة طابع المباشرة في إيصال الرسالة سواء من خلال الصورة أو الكتابة المرافقة لها، قال نزال إن هذه المسألة مرتبطة بالتطور التكنولوجي المشار إليه سابقا، إذ أتاحت لغير الرسامين أن يرسموا وينشروا عبر الإعلام الرقمي أراءهم وأفكارهم، لذلك تكون الرسومات مباشرة، ولا يمكن الحكم عليها في هذا الجانب لأن من يرسمها ليس رساما بالأصل.

أما رسامي الكاريكاتير بحسب نزال، ما زالوا متقيدين بقواعد الرسم، التي تقول إن رسالة هذا الفن يجب أن تكون غير مباشرة وفي ذات الوقت سهلة يستطيع المواطن أن يترجمها فكريا وأن تصله على طبق من ذهب، ومن ناحية أخرى يجب على الرسام أن يكون ذكيا في إيصال رسالته بحيث يضع حبكته في رسمته، وعند المساءلة يستطيع أن يبرئ نفسه.

وفي هذا السياق، استذكر الفنان أسامة نزال، لوحة ناجي العلي: "تسقط جارة كندا" التي تعود قصتها لطلب شخصيات سياسية كويتية حيث كان يقيم آنذاك، من الشهيد أن يتوقف عن انتقاد السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط عبر رسوماته، لما لدولة الكويت من مصالح ديبلوماسية معها، ليطل عليهم في اليوم التالي برسمة مكتوب عليها "تسقط جارة كندا" والمقصود فيها الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها الوحيدة التي لها حدود جغرافية برية مع كندا، الأمر الذي اعتبره نزال ذكاء في إيصال الرسالة البسيطة، دون وضع أصابع الاتهام عليه.

نشأة الكاريكاتير وتطوره

وفي هذا الجانب قال نزال إن مسألة نشأة فن الكاريكاتير فيها تفاوت لأن هذا الفن موجود بغير مسميات منذ 3000 عام قبل الميلاد، حيث عرفت الحضارة الفرعونية الكاريكاتير، من خلال لغة المراسلة المستخدمة آنذاك والتي ارتبطت بالنقوشات والرسومات، حيث كانوا يرسمون إنسانا برأس حيواني، ونقوشات تتشابه مع الكاريكاتير.

ويرى نزال أن الفنون لها تاريخ طويل وعريض وهي قديمة جدا، وفي العصور الوسطى كانت حكرا على الكنيسة ورجال الدين الذين أخذوا يترجمون الإنجيل إلى رسومات داخل الكنيسة، وهي شبيهة بالكاريكاتير، وهذا الأمر له امتداد وجذور وتطور.

وحول وصول هذا الفن إلى العالم العربي، قال نزال إنه مرتبط في علم الغيب التاريخي، إلا أنه في القرن التاسع عشر وجد بعض الفنانين الذين كانوا يرسمون الفن التقليدي والتعبيري والطبيعي، وفيما بعد عرف بفن الكاريكاتير، كما أن الاستعمارات في بلاد الشام ومصر، أسهمت في تكون هذا الأمر، إذ أخذ الرسامون يتناولون الحقب الاستعمارية في رسوماتهم، حتى حلول النكبة الفلسطينية وهنا تشكل مفترق طرق.

وكانت بدايات فن الكاريكاتير في فلسطين مع الراحل خليل بيدس عبر مجلة النفائس عام 1908، وصحيفة أبو شادوف التي كانت من آخر الصحف الكاريكاتيرية التي صدرت في العهد العثماني في العام 1912.