الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في ذكرى مذبحة دير ياسين .. من هي "أم الأيتام" التي أوت أطفال المذبحة؟

2023-04-09 10:55:47 AM
في ذكرى مذبحة دير ياسين .. من هي
هند الحسيني

تدوين- ذاكرت/ شخصيات وأحداث

في شهر نيسان عام 1948، بينما كان مجموعة من الأطفال المذعورين يركضون في أزقة القدس، كانت السيدة المقدسية هند الحسيني تسلك طريقها إلى اجتماع جماهري يبحث أوضاع المدينة، فاستوقفها حال الأطفال الذين تترواح أعمارهم بين العام وال 14 عاما، وكان عددهم 55 طفلا، ولما علمت أنهم أطفال قرية دير ياسين الناجون من المجزرة التي ارتكبتها عصابات الاحتلال الصهيونية في القرية، نذرت نفسها وحياتها لهم، فصار هذا اللقاء حدثا مفصليا في حياتها وحياتهم.

 وحينها قالت الحسيني: "لم يكن في جعبتي يومها سوى (138) جنيها فلسطينيا، آليت على نفسي أن أعيش بها والأطفال أو أموت معهم".

وروت السيدة المقدسية هند الحسيني التي لقبت ب"أم الأيتام"، و"قلب فلسطين"، في إحدى لقاءاتها أنها فوجئت بالأطفال المذعورين، وسرعان ما توجهت إلى غرفتين في "سوق الحصر"، كانتا تحت تصرفها، وأسكنت بهما الأطفال وقدمت لهم المشرب والمأكل.

وفي لقاء خاص مع تدوين، حدثتنا السيدة هداية الحسيني، ابنة الراحلة هند الحسيني بالتبني عن تفاصيل هذا اللقاء الذي جمعها بالأطفال، وما نتج عنه فيما بعد من مؤسسة أخذت على عاتقها إيواءهم ورعايتهم.

وقالت الحسيني: "التقت هند بالأطفال واستمعت إلى قصتهم ثم أخذتهم لتتكفل في رعايتهم، فاستأجرت لهم غرفتين، واجتمعت بمحافظ القدس آنذاك أنور الخطيب مطالبة إياه بمساعدتها في توفير الاحتياجات الكاملة للأطفال فاشترط على التجار أن يمدوا هند بالدعم كل حسب تجارته".

طفلان ممن تبنتهم هند الحسيني

وتابعت هداية: "بعد أيام قليلة جاءت قنبلة وقصفت الغرفتين فما كان منها إلا أن أحضرتهم إلى منزلها الخاص المكون من طابقين، مستغلة مساحته الكبيرة لإنشاء صفوف صغيرة في الطابق الأرضي، كما سجلت بعضا منهم في مدرستي المأمونية وخولة بنت الأزور في القدس، لاهتمامها الجلي بالعلم والتعليم".

وبعدها بدأت هند الحسيني بالتفكير في مشروع خاص لها تخدم من خلاله الأطفال اليتامى والقدس.

وبحسب هداية فإن هند طلبت من أفراد عائلتها أن يوهبوها منازلهم كي تتوسع في مشروع المدرسة فكان لها ذلك، كما اهتمت في الفتيات اللواتي لم يكن لهن توجه دراسي ففتحت لهن قسم خياطة.

وبحلول عام 1967 اكتمل مشروع "دار الطفل العربي" وأصبحت مدرسة تشمل المراحل التعليمية من الروضة حتى الثاني عشر.

من هي هند الحسيني؟

ولدت الحسيني في مدينة القدس في 25 نيسان (إبريل) 1916، وكانت في الثانية من عمرها عندما توفي والدها المرحوم طاهر الحسيني. درست في مدرسة "البنات الإسلامية" - الملاصقة للمسجد الأقصى، وأنهت الدراسة الابتدائية عام 1922، ومن ثم التحقت في المدرسة الإنجليزية الثانوية للبنات وتخرجت منها في عام 1937 لتعمل بعد ذلك في حقل التعليم.
وبين العامين (1936 – 1939)، أي خلال الإضراب العام الفلسطيني، والثورة ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والمشروع الصهيوني، حصلت الراحلة على منحة دراسية في بريطانيا، ولكن والدتها لم تسمح لها، لأنها كانت فترة حرب. فدرست آداب اللغتين العربية والإنجليزية عام 1938 دراسة خاصة.

وكانت الحسيني ناشطة في العمل الاجتماعي إلى جانب كونها مدرسة في المدرسة الإسلامية في البلدة القديمة، وتعتبر من أبرز السيدات المقدسيات اللواتي كرسن حياتهن خدمة لفلسطين والقدس، فكانت الحاضنة والراعية للأيتام والفقراء وأبناء الشهداء.

وفي العام (1944 – 1945) أنشأت النساء الفلسطينيات حركة "جمعية الاتحاد العربي النسائي" في القدس، فتركت هند التعليم، وبدأت مرحلة العمل الاجتماعي التطوعي، وقامت مع مجموعة من النساء بدراسة لأحوال الأطفال في المدن والقرى التي وجدن فيها الأطفال مهملين، فقمن بتنظيم جمعيات محلية، وبساتين أطفال، ومراكز مكافحة أمية، وتعليم خياطة في عدد من مدن وقرى فلسطين.

وتوفيت هند الحسيني عام 1994 في القدس ودفنت فيها.

تفاصيل المجزرة

في التاسع من نيسان عام 1948 نفذت عصابتا "الأرغون" التي كان يتزعمها مناحيم بيغن و"شتيرن" التي كان يترأسها إسحق شامير، بدعم من "البالماخ" و"الهاغاناه" مجزرة في قرية دير ياسين الواقعة غربي القدس.

وفي فجر ذلك اليوم، بدأت العصابتين الهجوم باقتحامهما للقرية من جهتي الشرق والجنوب، وأمطروها بقذائف الهاون.

وجاء في المصادر التاريخية أن قوات الاحتلال أخذت تفجر منازل المواطنين، وأوقفوا الأطفال والنساء والشيوخ إلى الجدران وأطلقوا عليهم النيران، بالإضافة إلى تنكيلهم بالجثث وبتر أعضائها، وبطون الحوامل.

كما اقتيد نحو 25 من رجال القرية داخل حافلات وطافوا بهم شوارع القدس كما كانت تفعل الجيوش الرومانية قديما، ثم أعدموهم رميا بالرصاص.

وارتقى إثر المجزرة نحو 254 شهيدا، بينهم أطفال ونساء وكبار سن.

وجاء في كتاب "كي لا ننسى" لوليد الخالدي أن دير ياسين كانت مسرحا لأشهر مجازر الحرب وأشدها دموية. وعلى الرغم من أن المجزرة نفذتها عصابتا الإرغون وشتيرن، فإن احتلال القرية يدخل ضمن الإطار العام لعملية نحشون التي خططت الهاغاناه لها وقد اشتركت في الهجوم آنذاك وحدة من البلماح مزودة بمدافع هاون، وذلك بعد أن تمكن سكان القرية بشق النفس من احتواء الهجوم المباغت الذي شنته العصابتان المذكورتان.

ويذكر كتاب( تاريخ الهاغاناه) أن قائد الهاغاناه في القدس، دافيد شلتيئيل، اطلع على مخطط الإرغون وشتيرن للهجوم دير ياسين وبلغ قائدي هاتين الجماعتين أن احتلال القرية والاحتفاظ بها جزء من خطة الهاغاناه العامة لعملية نحشون، مع العلم أن دير ياسين كانت وقّعت مع الهاغاناه اتفاق عدم اعتداء. وأضاف أنه لا يمانع في أن تضطلع الجماعتان بالعملية شرط أن تكونا قادرتين على الاحتفاظ بالقرية.

ووفقا للكتاب ذاته، لا تزال منازل القرية قائمة في معظمها على التل وقد ضمت إلى مستشفى إسرائيلي للأمراض العقلية أنشئ في موقع القرية. ويستعمل بعض المنازل، التي تقع خارج حدود أراضي المستشفى، لأغراض سكنية أو تجارية أو كمستودعات. وثمة خارج السياج أشجار خروب ولوز، وبقايا جذوع أشجار زيتون. وتحفّ آبار عدة بالطرف الجنوبي الغربي للقرية. أما مقبرة القرية القديمة، الواقعة شرقي الموقع، فمهملة وتكتسحها أنقاض الطريق الدائري الذي شُق حول تل القرية. وما زالت شجرة سرو باسقة وحيدة قائمة وسط المقبرة حتى اليوم.

واستوطن في دير ياسين منذ عام 1949، مئات المستوطنين، وأطلق على المستنوطنة اسم "غفعات شاؤول بت".