الحدث- محمد مصطفى
لم تعد وجبة ورق العنب المحشو بالأرز والقليل من اللحم الأحمر، مقتصرة على فصل الربيع من كل عام، حيث موعد نضج الأوراق، فقد دفع ولع الفلسطينيون بشكل عام وسكان قطاع غزة على وجه التحديد بهذه الوجبة، إلى ابتكار طرق عديدة لحفظها، وتناولها طوال العام.
فالأوراق الخضراء اليافعة، لم تترك بيتاً إلا ودخلته، ولم تدخر النساء جهداً في التفنن بطهيها، وتقديمها إلى جانب أطباق أخرى من الطعام، باعتبارها وجبة يفضلها الجميع.
وجبة رئيسية
وتقول المواطنة فاطمة عبيد، إنها تنتظر فصل الربيع من كل عام، لتبدأ بشراء ورق العنب بكميات كبيرة، خاصة المسمى محلياً "زيتاني"، وهو أفضلها على الإطلاق، لتبدأ بتخزينه بغية تناوله طوال العام.
وأكدت عبيد، أنها تحفظ ورق العنب بطريقتين، الأولى بوضعه في أكياس محكمة الغلق تماماً، في الثلاجة "فريزر"، فدرجات الحرارة المنخفضة كفيلة بحفظه ومنع تلفه، شريطة أن لا يفقد برودته طوال الوقت، وهذا أمر غير مضمون، خاصة مع أزمات الكهرباء المتتالية في قطاع غزة.
وأوضحت عبيد، أنها وخشية أن تخسر ما خزنته من ورق عنب، تلجأ لطريقة حفظ أخرى، بوضع الأوراق بعد غسلها وتجفيفها تماماً في زجاجات بلاستيكية جافة، وأحكام غلقها، ومن ثم وضعها في مكان معتم، بحيث تحوي كل زجاجة كمية تكفي العائلة في وجبة واحدة، لأن الأوراق سرعان ما تتلف فور فتح الزجاجة، وتعرضها للهواء، ولا يمكن تخزينها مجدداً.
وأشارت إلى أنه وبفضل هذه الطرق، لا تنقطع هذه الوجبة من منزلها مطلقاً، وتتناولها برفقة عائلتها وقتما شاءت.
ورق العنب ورمضان
أما المواطنة أم هاني دهليز، فأكدت أن ورق العنب وجبة أساسية على مائدة الإفطار في شهر رمضان، ويجب أن تتواجد على الدوام طوال الشهر الفضيل، ومن أجل ذلك تحرص على تخزين كمية كافية منه.
وأوضحت دهليز أن أبنائها يتوجهون إلى بساتين العنب المنتشرة بكثافة في منطقة سكنها شرق مدينة رفح، ومن هناك يشترون أفضل الأوراق وأجودها، لتقوم بمعاونة ابنتها بتخزين الأوراق في زجاجات، أو في الثلاجة.
وأوضحت دهليز وهي مواطنة من أصول مصرية، متزوجة من فلسطيني في غزة، أنه هذه الأكلة معروفة ومشهورة في مصر أيضاً، وتسمى "محشي ورق عنب"، لكنها في فلسطين تعتبر وجبة مفضلة، وتكاد تكون مقدسة خاصة في فصل الربيع، ومن أجل ذلك فهي لا تحرم عائلتها منها، وتفعل ما بوسعها لتخزين أكبر كمية ممكنة، تكفي لشهر رمضان وباقي أشهر العام.
أما المواطن نبيل صابر، فأكد أن زوجته تتفنن في طهي محشي ورق العنب، فتارة تقدمة مع شرائح لحم الديك الرومي "الحبش"، وأخرى مع الكوسا والباذنجان المحشي، وأحيانا يقدم مع أحشاء الذبائح "كرشة"، والأخيرة أفضلها.
وأشار إلى أنه لا يعلم كم عمر هذه الأكلة اللذيذة، لكنه واثق من قدمها، فقد رأى جدته ومن ثم والدته تطهوها، وأخبره والده أنها قديمة، وكانت تتسيد الموائد قبل الهجرة عام 1948.
وأكد صابر أنه معنى بالحفاظ على هذه الوجبة التراثية، التي يكون لها مذاق خاص في شهر رمضان، ويحرص على تخزين الأوراق الخضراء خصيصاً لهذا الشهر.
عمل دؤوب
ويقول المواطن أحمد النحال، ويمتلك كرم عنب "حقل"، شرق مدينة رفح، إنه ينتظر موسم نضج أوراق العنب بفارغ الصبر، ومن أجله يتردد على الحقل برفقه أفراد عائلته بصورة يومية، طوال شهري نيسان وأيار من كل عام، لقطع الأوراق الناضجة، ومن ثم بيعها لتجار.
وأشار النحال إلى أن أوراق العنب الأخضر من أكثر السلع رواجاً، ويقبل المواطنون على شرائها بكثيرة، حتى أكثر من فاكهة العنب نفسها، لذلك لا يضيع موسمها.
وبين أن الأمر لا يتسم بالعشوائية، فعملية قطع الأوراق لها أصولها، وتتم بطريقة معينة، دون إيذاء القطوف ولا الأغصان، مع ضمان بقاء كمية كافية من الأوراق، كي تقوم الشجرة بوظائفها الحيوية، لان قطعها بكمية كبيرة، قد يتسبب في موت الشجرة الأم.
ولفت إلى أنه يواظب على عناية أشجاره ورعايتها طوال العام، وصولاً لموسم الأوراق والثمار، فبفضل "الكرم" تعتاش عائلته البالغ عدد أفرادها تسعة أشخاص.