الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التشكيلي فايز السرساوي: الفنانون في غزة استثمروا حالة الحصار لصالح إبداعات فنية

2023-04-25 12:20:51 PM
التشكيلي فايز السرساوي: الفنانون في غزة استثمروا حالة الحصار لصالح إبداعات فنية
فايز السرساوي

تدوين- سوار عبد ربه

منطلقا من موضوعات الإنسان، اتخذ الفنان التشكيلي الفلسطيني فايز السرساوي مكانا للتعبير عن أفكار وهواجس وتطلعات الروح الإنسانية في بحثها عن تجسيد قيم الحرية والعدالة والسلام، وراح ينتج أعمالا نحتية امتازت بقوة التكوين وصلابة الفكرة، وتوافق الشكل مع المضمون، في مسيرة يزيد عمرها عن الأربعين عاما، تجول فيها السرساوي بين فن الرسم، والنحت بالإضافة لإسهامات متنوعة بالكتابة في المجال الأدبي والفني والمشاركة بالندوات والمحاضرات والمؤتمرات ذات اﻻختصاص .

حول مسيرته الفنية، وفن النحت، والبيئة التشكيلية في قطاع غزة حيث ولد هناك عام 1961 في حي الشجاعية، وأنهى تعليمه المدرسي فيها، التقت تدوين بالفنان التشكيلي والنحات فايز السرساوي وأجرت معه الحوار التالي:

كونه فنان

قال الفنان التشكيلي فايز السرساوي في لقاء خاص مع تدوين حول بداياته في الفن: "كأي فنان البدايات عادة ما تكون في الطفولة وفي المراحل المبكرة للإنسان، ولاحقا يعمد الإنسان إلى توثيق هذه الهواية وجعلها مصقولة من خلال الدراسة والمتابعة الأكاديمية.

وأضاف:"التحقت بأكاديمية الفنون الجميلة بإسنطبول عام 1981 حيث تخصصت في مجال الفن التشكيلي وبالذات قسم النحت ومن هنا كانت البداية الأكاديمية بالمعنى العلمي للمسألة ولاحقا استمرت هذه الهواية لتصبح أكثر تخصصا وأكثر احترافية في مجال العمل الفني".

نقطة التحول

شهدت فترة الانتفاضة الأولى غزارة في الإنتاج الفني، إذ كانت الأجواء تعطي فاعلية كبيرة للعمل والإنتاج الفني، سواء في مجال النحت أو الرسم، أو مجمل الفنون التشكيلية. وشكل عمل "المنتصب" الذي أنتجه السرساوي في أعقاب الانتفاضة الأولى، نقطة انطلاق وإبداع متواكبة ومتوازية مع الحدث الانتفاضي.

إلا أن الفنان التشكيلي يرى في مسألة العمل الفني الذي يعتبره خطوة فاصلة في مساره، أن المراحل الفنية التي يمر بها الفنان عادة لا تتوقف عند عمل واحد إنما عند مجموعة من الأعمال أو التجارب؛ لأن كل مرحلة لها تجاربها الخاصة وفي كل تجربة هناك نقاط تحول بالذات في مجال النحت، من حيث تنوع الخامات وتعددها وبالتالي؛ لكل مرحلة ميزتها في التحول والارتقاء من مرحلة إلى أخرى.

وعبر الفنان عن الأعمال التي أنتجها في بدايات الانتفاضة الأولى (1987-1993)، بقوله: "مجموعة الأعمال التي أنتجتها في بدايات الانتفاضة الأولى شكلت بالنسبة لي مرحلة مهمة في إنتاجي وفي تعريف الجمهور بطبيعة عملي، وهي أعمال تحاكي واقع الحالة الانتفاضية من بينها المنتصب، المقنع، ضارب النقيفة، وتبع ذلك مجموعة كبيرة من الأعمال التخطيطية التي لم تنفذ كنحت وإنما بقيت كتخطيطات أولية، ذلك لأن النحت بحاجة إلى إمكانيات أكثر من الرسم؛ من حيث الكتلة والمكان والحيز العام الذي توضع فيه المنحوتات".

عمل نحتي فلسطيني في الصين

وعام 2016 اختارت لجنة من الخبراء الصينيين عملا فنيا لفايز السرساوي، ليوضع في حديقة النحت العربي في مدينة ينشوان الصينية.

وحول هذا قال السرساوي: "العمل الذي وضع في حديقة في أحد مدن الصين، كان نتيجة ورشة عمل شاركت فيها وما يقارب 26 فنانا من مختلف الدول العربية وكان هذا في إطار تبادل الثقافات بين الشعوب العربية وجمهورية الصين الشعبية، حيث مكثنا هناك لما يقارب الشهر، وأنتجتنا هذه الأعمال للتعبير عن الصداقة بين الشعوب، وأغلب زملائي سواء الفلسطينيين أو العرب الذين شاركوا في هذا النشاط وضعت لهم أيضا أعمال داخل المدن الصينية".

وعبر السرساوي عن سعادته بتواجد عمله في أحد الحدائق في مدينة الصين بارتفاع ما يقارب الخمسة أمتر من مادة الرخام، معربا عن أمله بأن يكون لهأعمال في ميادين مدينته غزة.

وعن خروج أعمال الفنان بشكل عام إلى المشاركات الخارجية يرى الفنان التشكيلي أنها فرصة جميلة جدا ويعتز بها كل فنان لأجل أن تصل رسالته الفنية لأكبر عدد من الجمهور في الخارج، فالمشاركة الخارجية تحمل طابع التعريف بالفنان وبعمله وفي نفس الوقت جهد للتثاقف بين الشعوب".

وأضاف: "عندما يخرج لي عمل للمشاركة الخارجية أعتقد أنه يكون جزء من الرسالة التي نعمل عليها، ولو لم تكن الظروف المحيطة بنا بهذا السوء لربما تمكن عدد كبير من التشكيليين الفلسطينيين من المشاركة بأعمالهم في المنتديات والمعارض الخارجية، ولكن من حين إلى آخر تتاح الفرص للزملاء لعرض أعمالهم في مختلف المحافل الفنية رغم الصعوبات".

سمات فن النحت

ويعتبر النحت أحد أنواع الفنون التشكيلية، يأتي الاعتماد عليه في القيام بتكوين مجسمات ذات أبعاد ثلاثية، وللنحت ارتباط وثيق بالفنون الأخرى، التي تعمل على الاتصال به من أجل الوصول في النهاية إلى ذلك الشكل النهائي الخاص بالمجسم، حيث أن النحات يقوم باستعمال فن الرسم من أجل القيام بوضع الخطوط العريضة الخاصة بالشكل النهائي للمجسم المنحوت.

وفي سؤاله عن أبرز سمات هذا الفن، قال السرساوي: "فن النحت هو فن الكتلة التي تجد نفسها في الفراغ ومن هنا عليها أن تتحاور وتتجادل مع هذا الفراغ كي تكمله، لا أن تكون متناقضة معه، وهو فن قديم قدم الإنسان".

أما عن فن النحت المعاصر فقال السرساوي: "فن النحت المعاصر باتسخدام الأدوات والخامات الحديثة باستطاعته أن يكون الكثير وأن يعبر عن قضايا جمالية وفكرية وفلسفية متنوعة وبالتالي؛ هو يمتلك لغة بصرية لا تخلو من متعة للناظر وفي نفس الوقت من متعة فكرية للمتأمل والمفكر في الأعمال النحتية".

وفي تقييمه لفن النحت في ظل وسائل التكنولوجيا المعاصرة يرى السرساوي أنه في هذا الزمن الذي نعيشه وسائل التكنولوجيا المعاصرة أتاحت فرصا للتواصل السريع والانفتاح اللانهائي على هذا الفضاء وشكلت أمام الفنانين فرصا غالبا ما كانت غير متوفرة لأجيال سابقة، وبالتالي؛ أصبح بإمكان الفنان اليوم أن ينتمي لأحد المجموعات الفنية  وأن يعمل من خلالها على تنظيم أمور معرضه سواء كان هذا المعرض افتراضيا أو عبر نقل أعماله إلى الخارج، ما جعل التواصل أمر اعتيادي في العصر الذي نعيشه وأسرع بكثير وأكثر الماما وتنوعا.

التداخل بين الفنون الأدبية والبصرية

إلى جانب أعماله النحتية، للفنان اهتمامات خاصة بالرسم والتصميم وله إسهامات متنوعة بالكتابة في المجال الأدبي والفني والمشاركة بالندوات والمحاضرات والمؤتمرات ذات اﻻختصاص .

وعام 2005، صدر للسرساوي ديوان شعر بعنوان "ابتسامة الشقائق" بمساهمة مجلس بلدي مدينة غزة تضمن عددا من صور لأعماله النحتية.

وفي سؤاله عن مزجه بين الفنون البصرية والأدبية، وعما إذا كان هذا التداخل بين الجانبين يأتي في سياق التكامل لإنتاج العمل قال السرساوي: "هذا الكتاب صدر عام 2005 يضم بين دفتيه مجموعة من النصوص كتبت في أزمنة متفاوتة وعندما قررت اختيار بعض نصوص للطباعة ارتأيت أن أزاوجها بمجموعة من صور المنحوتات، كون علاقتي مع الأدب هي علاقة قديمة بحيث أنني هاوٍ جدا للقراءة ومتابع للإصدارات الأدبية بتنوعاتها المختلفة سواء محليا، عربيا أو عالميا، وميولي نحو التزواج ما بين الإبداعات الأدبية والفنية هو ليس بشيء جديد بالنسبة لي".

وأضاف: "أنا أهتم بالنص الأدبي كما أهتم باللوحة كما أهتم بالمقطوعة الموسيقة والكتلة الحجرية في النحت، وبالتالي؛ هناك علاقة صداقة ومحبة وقربة بين الأشكال المتعددة من الإبداعات، والإنتاجات الفنية غالبا ما تستوحي الكثير من الأدب والعكس، إذ كثيرا ما تتأثر منحوتات بقصائد وقصائد في منحوتات". مشيرا إلى أنه لا يكمل النحت بالنص أو العكس إنما بحاول تفسير هذا بذاك.

المعارض وأهميتها للفنان

وشارك السرساوي في العديد من المعارض المحلية وبعض المعارض العالمية، أبرزها محليا: معرض سلام لما وللعالم، بالاشتراك مع كل من الفنانين تيسير البطنيجي وفوزي العمراني عام 1992، ومعرض فردي بعنوان "مآل حال" عام 2004، بالإضافة لمعرض "ميلاد مدينة" عام 2009، ومعرض "عنقاء الرماد بالاشتراك مع مع كل من الفنانين: فتحي غبن، تهاني سكيك، محمد مسلم، إياد صبّاح عام 2015.

وفي هذا الجانب قال السرساوي: "مشاركاتي الخارجية لا أستطيع القول أنها واسعة ومنتشرة بسبب طبيعة صعوبة نقل المنحوتات وبالتالي تحدث مشاركات ولكن ليست بشكل واسع، لكن المعارض التي شاركت فيها في فلسطين كانت أكثر الأعمال التي تجاوب معها الجمهور، وأكثر جمهور يسعدني هو جمهور غزة".

البيئة التشكيلية الغزيّة

وحول تقييمه للوسط الفني والبيئة التشكيلية في قطاع غزة، من الناحيتين الإنتاجية والتفاعلية يرى السرساوي أنه لا يمكن فصل البيئة التشكيلية المحلية في غزة عن مجمل البيئة الفلسطينية بشكل عام لأنها في حالة حوار متواصل، وغالبا ما يجمعها هم عام واحد، إلا أن هذا الهم تكون له خصوصيته في كل منطقة من حيث واقعها الجغرافي، الاجتماعي، السياسي، والثقافي".

لا يمكن فصل البيئة التشكيلية المحلية في غزة عن مجمل البيئة الفلسطينية بشكل عام لأنها في حالة حوار متواصل

ووفقا للسرساوي الخط العام والموحد بالنسبة للفنانين هو القضية الفلسطينية وواقعها وتطوراتها التي تلقي بظلالها على مجمل الإنتاج التشكيلي الفلسطيني سواء كان بشكله المباشر أو بأشكاله الأخرى المتنوعة.

ويرى السرساوي أنه بالرغم من خصوصية الواقع المفروض على قطاع غزة المتمثل في سنوات الإغلاق والحصار، إلا أن عددا كبيرا من التشكيليين الشباب الذين يشكلون مجمل الفاعلين والناشطين على الساحة التشكيلية تمكنوا من استثمار هذه الحالة ليس للتساوق معها ولكن لاعتبار إنتاجهم الفني هو جزء من محاولة التحدث والثبات للحياة وإرسال رسالة مفادها "أننا رغم كل هذه الظروف باستطاعتنا أن نتنفس من خلال أعمالنا الفنية وأن نقيم معارضنا وأن ننتج وأن نبدع في نفس الوقت".

ولا شك أن الأعمال الفنية للفنانين التشكيلين الفلسطينيين غالبا ما تلقى تفاعلا من الجمهور، والجمهور في مدينة غزة دائما ميال إلى متابعة هذه النشاطات وإرتياد أماكن عرضها وفقا للسرساوي الذي أشار إلى أن الأعمال الفنية لم تبق حبيسة الصالات المغلقة والمعارض على قلتها في قطاع غزة، إنما انطلقت إلى الشارع، فنجدها كجداريات في الأماكن العامة، معتبرا أن هذا جزء من رسالة الفنانين التشكيليين بالتواصل مع الجمهور، وغالبا ما تحدث مثل هذه النشاطات في أعقاب اعتداءات متكررة تحدث على قطاع غزة، فيتنادى التشكيليون إلى التعبير عن مثل هذه الحالة وإرسال رسالة للعالم أن غزة المدينة المغلقة التي تعاني الحصار بحاجة إلى أن يسمع العالم صوتها من خلال رسالة الفن".

الفن كسلاح

ويعتبر الفن التشكيلي الفلسطيني، أحد عناصر الهوية الثقافية وأحد أدوات الخطاب الذي استطاع أن يتجذر عميقا في تاريخ النضال الفلسطيني التحرري، وأن يكون ركيزة أساسية في حماية الهوية من التشويه والسرقة والتزييف.

وفي هذا السياق قال الفنان التشكيلي فايز السرساوي: "نادرا ما يحيد الفنان عن إبراز الهوية الوطنية على اعتبار الفن هو شكل من أشكال المقاومة، سواء ضد التخلف الاجتماعي أو ضد الاحتلال أو كل ما يسيء لإنسانية الإنسان".

ويرى السرساوي أن الفن هو أحد الأسحلة المهمة لدى الفلسطينيين في مواصلة طريقهم للخروج من هذه الظلمات إلى نور الحرية والاستقلال.

الفن هو شكل من أشكال المقاومة، سواء ضد التخلف الاجتماعي أو ضد الاحتلال أو كل ما يسيء لإنسانية الإنسان

رسالة إلى التشكيليين الجدد

ولم ينس الفنان صاحب الباع الطويل في هذا المجال، في ختام لقائه أن يتوجه برسالة إلى الفنانين الجدد بقوله: "ليس لدي الكثير لأقوله للجيل الجديد لأنه يمتلك من الوعي والأدوات ما يستطيع أن يتزود به في هذه الطريق"، متمنيا أن يتمكن هذا الجيل من التغلب كما تغلب في الماضي على صعاب المستقبل وألا ينسى أنه من خلال فنه يستطيع قول أشياء كثيرة".