تدوين- سوار عبد ربه
يصدر هذا الأسبوع للشاعر والكاتب أنس العيلة ديوان "مهرولا على ساقٍ واحدة"، ويأتي هذا الديوان بعد ست سنوات من ديوانه السابق "عناقات متأخرة"، يتناول فيه موضوعات متنوعة انطلاقا من فكرة أن حياتنا اليومية تتقاطع فيها شؤون وقضايا مختلفة، الأمر الذي أراد أن ينعكس في نصوصه.
وفي قراءته للديوان قال الشاعر الفرنسي برنار نويل، في مقدمته عن الفرنسية: "تكبر الدهشة أمام دقة الوصف من قصيدة إلى أخرى، ومن شدة البساطة والطبيعية الخالصة يتحول الواقع وينقلب بغمزة عين مدهشة مغمورة بالعطف والسخرية. هذا التفصيل المعاش هو نقطة البداية للقصيدة: كلمات قليلة تكفي لالتقاطه طازجا، ثم تأتي سريعا ملاحظة تهز الرؤية فنجد أنفسنا في عالم مختلف".
أما الشاعر الفلسطيني المقيم في كندا أشرف الزغل، رأى "في قصائد هذا العمل الشعري لأنس العيلة وعيا بيئيا حاضرا وفاعلا، حيث يدرك الراوي الأشياء، بحواس مشتعلة في المكان. هناك بحث وتعقيب في أمور الساعة، بحث ليس دخيلا ولا مفتعلا ولا يتخلى عن الشعر وأفقه الشاسع".
وللعيلة عدة إصدارات، أبرزها: ضيوف النار الدائمون بالاشتراك مع شعراء آخرين عام 1999، مع فارق بسيط عن دار فضاءات 2006، وعناقات متأخرة عن دار لارماتان الفرنسية. وحصل العيلة على درجتي الماجستير والدكتوراه.
وحول ديوانه الجديد، التقت تدوين بالشاعر أنس العيلة وأجرت معه الحوار التالي:
تدوين: سيصدر لك قريبا ديوان شعريّ جديد بعنوان "مهرولا على ساقٍ واحدة"، حدثنا عن تفاصيل هذا الديوان، من حيث عدد القصائد وموضوعاتها؟
العيلة: نعم، سيصدر قريبا عن دار النهضة العربيّة في بيروت، وأنا حقيقةً سعيد بأن تُنشر مجموعتي من قبل دار نشر عريقة كدار النهضة العربيّة. يتّسم طاقم العمل لديها بمهنيّة عالية، كما نرى ذلك في جودة ونوعيّة إصداراتهم وفي طريقة عملهم. بخصوص قصائد هذا الديوان فهي مُنوّعَة المواضيع، أعتقد أنّه كان لديّ رغبة دفينة وواعية بهذا التنوّع، مُنطَلقًا من فكرة إنّ حياتنا اليوميّة، شئنا أم أبينا، تتقاطع فيها شؤون وقضايا مختلفة، وبالتالي أردتُ أن ينعكس ذلك في نصوصي. ليس هناك محظورات، فكلّ موضوع قابل لأن يصبح قصيدة. المواضيع المُعاشة تخلق لديّ تحديّاً وإغراءً بتناولها شعرا.
تدوين: ربما من يقرأ هذا العنوان "مهرولا على ساق واحدة" أول مفهوم سيتبادر إلى ذهنه هو السرعة والاستعجال، إلا أن هذا الديوان سيصدر بعد انقطاع لأكثر من ست سنوات، إذن أنت شخص متأنٍ ولست بعجول، انطلاقا من هذا هل يمكن للشاعر أن ينفصل عن ذاته أثناء الكتابة، ويكتب عن شخصية غير شخصيته؟
العيلة: الهرولة هي السرعة في المشي. لكنّ الفكرة التي يحملها العنوان هي الإنطلاق في الحركة، بكلّ ما يملك الجسد من طاقة وحيويّة رغم ارتكازه على ساقٍ واحدة فقط، أي رغم إعاقته. هذه صورة مجازيّة بالطبع، والصورة هنا تحمل بكلّ بساطة معنى الإصرار والتحدّي، والذهاب مضيّا في الحياة رغم ما قد يعيقنا ويحدّ من قدرتنا على ذلك.
نعم أعتقد أنني متأنٍ في كتابة الشعر، أكتب ببطء ثم أعود لاحقا للعمل على القصيدة. وقد تمرّ شهور كاملة من غير أن أكتب، هذا لا يصدمني، رغم أنّه يزعجني أحيانا. لكنّ قلّة الكتابة تتعلق بضغوط الحياة، وأحيانا لأسباب مرتبطة بعدم الرغبة أو فقدان شهيّة الكتابة. أرغب في أن أكتب أكثر، لكن لا أريد أنْ أُجبر نفسي على ذلك.
تدوين: لماذا باعدت بين ديوانك الأخير وهذا الذي سيصدر قريبا ما يزيد عن ست سنوات؟
العيلة: كما أشرت في إجابتي السابقة، السبب هو التّأني في الكتابة والرغبة في التّأكد من الانتهاء من النصّ قبل نشره في كتاب. وأحيانا بسبب الانشغال بمشاريع أخرى في فترات معينّة.
تدوين: أصدرت عدّة مجموعات شعريّة ترجمت إلى الفرنسية، ما أهمية الترجمة من العربيّة إلى لغات أخرى بالنسبة للشاعر العربي، ولقصائده أيضا؟
العيلة: نقل تجربة الشاعر إلى قرّاء جدد، وثقافة ولغة أخرى، يملكون حساسيّات وتصوّرات ومفاهيم مختلفة عن كاتب النص نفسه، أمر يثير سعادة أيّ شاعر كما أعتقد. والشاعر حين يرى وقع قصيدته على قارئ من ثقافة مختلفة، هناك فضول كبير لديه ليرى مدى تفاعل هذا القارئ معها. بالنسبة لي، أنا أعيش في فرنسا، بحكم إقامتي فإنّ علاقتي باللغة الفرنسيّة علاقة يوميّة، وفرصة أن أُترجَم سهلة، وضروريّة أيضا لمشاركاتي في القراءات الشعريّة داخل المدن الفرنسيّة. لكن في كلّ القراءات الشعريّة التي قدّمتها هنا في باريس مكان إقامتي، وفي مدن فرنسيّة أخرى، كنتُ دائما أقرأ قصيدتي بالعربيّة، وبعد ذلك أقرأ الترجمة الفرنسيّة. والجمهور يحبّ سماع القصيدة بلغتها الأم، أي باللغة العربيّة، رغم عدم فهمه لها.
تدوين: هل سنوات الإقامة الطويلة في فرنسا تركت أثرا على لغتك العربية وعوالمك الشعرية أيضا؟
العيلة: بالتأكيد، هناك جوانب من هذا التأثير أدركها، وجوانب أخرى لا أدركها الآن، أو لن أستطع إدراكها حاليّا. فالمسألة بحاجة لوقت. وأعتقد أنّ هناك تأثير على لغتي، فتذوّقي لكلمة بالفرنسيّة قد يبني لي أواصر جديدة مع مقابلها بالعربيّة، أو قد يجعلني أكتشفها من جديد، والعكس صحيح أيضا.
تدوين: تحمل عناوين دواوينك في بعدها إشارة إلى الوقت، "عناقات متأخرة" وهنا إشارة صريحة إلى الوقت، وأيضا الديوان الأخير "مهرولا على ساق واحدة" فيه ما يوحي لسباق مع الزمن. ما أهمية الوقت بالنسبة لك وإن كانت قراءتي صحيحة لهذه العنوانين لماذا يأخذ هذا الحيز من تعبيراتك؟
العيلة: "عناقات متأخرّة" لها علاقة مباشرة مع الوقت، هذا صحيح، فهنا الحديث عن حميميّة تأتي متأخّرة، أو تعبّر عن نفسها متأخِّرا. أما عن علاقتي بالوقت، فلسفيّا إذا شئتِ، هي مركّبة ومُربكة مثل أيّ إنسان، فالوقت الفيزيائيّ هو الأزمان الثلاث التي نتحرك في مجالها، والتي تحكم وجودنا بين محاورها، وتُكتب فيها قصّتنا كلها، وتتشكّل فيها كينونتنا وتفنى. أمّا في علاقتي مع الوقت كشاعر، فإنّ كلّ ما قد يتركه مروره، وما قد يُحدِثه في النفس، وفي معايشته، يخرج في النهاية، وبشكلٍ أو بآخرٍ، في شعري.
نبذة عن الضيف:
أنس العيلة، شاعر وكاتب فلسطيني مقيم في باريس، أصدر عدة مجموعات شعرية ترجمت إلى الفرنسية، كان آخرها "عناقات متأخرة". وينشر مقالات أدبية متنوعة في مجلات ثقافية وأكاديمية.