كم تساوي في ميزان القدرات والتأثير؛ تأخذ.
هذه هي معادلة السياسة، منذ بداية التاريخ والصراعات والحروب حتى أيامنا هذه إلى ما لا نهاية.
تتغير الأشكال والأدوات ويظل الجوهر واحدا.. حتى الحقوق ومهما كانت محسومة لمصلحة طرف فإنها تظل خاضعة لميزان القدرة، فمن يملكها يكون ما يحوزه هو الحق، ومن لا يملكها فلا حق له.
وبالنسبة لنا.. فوفق مبدأ الحق والباطل، وبمراجعة لوقائع التاريخ وحقائقه، فالحق بالمعنى الأخلاقي والقانوني معنا بلا جدال، أما دعم هذا الحق بالقدرات فهذا ما زلنا نفتقر إليه.
في حالتنا مع إسرائيل فالقدرة لا تقاس بما هو متوفر من سلاح واقتصاد وتحالفات، فالتفوق الإسرائيلي في هذه الأمور يبدو كاسحا، إذا ما قورن بين البندقية محلية الصنع والـ أف 35 التي توصف بأقوى وأهم طائرة حربية في العالم، وإذا ما قورنت القوة الاقتصادية والمالية الإسرائيلية بما يقابلها على الجانب الفلسطيني..
غير أن هذا الميزان يكون قوي التأثير في حالة هي ليست الحالة الفلسطينية، ما يحتم على الطرف الفلسطيني أن ينتبه لقدراته، وأن يحسن استخدامها وهذا هو حجر الأساس الذي إن لم يوفر انتصارا على الخصم، فيوفر قدرات جدية لعدم الانهزام أمامه، وفي زمن التسويات (ونحن فيه) فلا خوف علينا من الانهزام أي الاستسلام، وينبغي أن نبعد الخوف على حقوقنا، التي هي المبرر المنطقي لكل ما ندفع لقاء الحفاظ عليها وتحقيقها.
ومن دون مبالغة أو شطط في التقدير والحساب فهذه هي قدراتنا.. وأبدأ بالمادية منها.. ثم ما يوازيها ويدعمها من سياسية ومعنوية.
أولا.. القوة البشرية على أرض الصراع، ولا يقاس تأثيرها بالعدد أو ما يتوفر من سلاح وإنما باستحالة هضمها من قبل الخصم، مهما أوتي من قوة تبدو متفوقة على المستوى المادي، إلا أنها عديمة القدرة على الحسم، فماذا بوسع الخصم أن يفعل بملايين البشر التي تعيش على أرضها، وإن أجمعت على أمر فهو رفض الاحتلال واستحالة التعايش معه.
ثانيا.. قوة الحياة... واقترانها بالنزعة الآدمية نحو الحرية والاستقلال والكرامة، ومقياس هذه القوة وتأثيرها يحدده الخصم على نحو أدق مما يحدده أصحابها، ذلك أن الخصم المتفوق عسكريا واقتصاديا وتحالفيا.. لا يتوقف عن الشكوى من أذى احتلال شعب آخر، والشكوى كذلك من استحالة ترويض هذا الشعب تحت أسقف التفوق ومقايضة الحقوق الأساسية بالتسهيلات السطحية، التي تتبخر بفعل نزوات وزير أو تطلعات جنرال. قوة الحياة عند الفلسطينيين بنت بلدا واحتفظت بوطن رغم الاحتلال وقوة الموت عند الإسرائيليين أنجبت قلقا دائما، وابتعادا عن الشعور بالأمن والأمان، رغم أن لا أف 35 لدى الفلسطينيين.
ثالثا.. تفوق الفلسطيني في حرب الصورة والرواية، وهذا التفوق وفره سموتريتش عراب حريق حوارة، ووفره بن غفير متبني مذبحة الحرم الإبراهيمي قبل عقود من خلال إحياء ذكرى القاتل وتصويره كقديس. ويوفره كل يوم استمرار الاحتلال الوحيد الدائم في القرنين العشرين والواحد والعشرين.
صحيح أن الرواية والصورة لا توفر دبابات ومدافع وطائرات حربية، ولكنهما يجندان حلفاء إن لم يقدروا على الحسم فهم قادرون على جعل القضية العادلة على قيد الحياة.
غير أن ما لدى الفلسطينيين من قدرات وهذا خلل ينبغي أن نقر به ينقصها التنظيم وحسن الإدارة والمتابعة والتطوير، وأهم تقصير من جانبنا هو ترك رصيدنا على تلقائيته دون عناية، ودون أن نخدمه بما يحتاج كي ينتج فاعلية مؤثرة، وحجر الأساس فيه هو الأرض التي نقف عليها ونتغذى منها، وهي ما نسميه بالوضع الداخلي أي البيت الذي نعيش فيه ويتحتم علينا أن نحميه كي يحمينا، وهذا البيت إن لم نحصن أرضيته وجدرانه وأبوابه ومحيطه فيظل كثقب واسع في إناء لا إمكانية لديه كي يجمع ماء، وما دمنا لم ننتبه لهذا البيت الذي يأوينا ويحمينا ويوفر لنا قاعدة انطلاق آمنة نحو مستقبل أجيالنا، فسنظل كما نحن الآن.. مجرد ضيوف على قضيتنا ومتسولين لقوت يومنا ونادبين حظنا ونحن ننتظر من يحسن إلينا ولو بدعوة لاجتماع.