السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رسالة إلى عزرائيل.. بقلم: خيري حمدان

2014-07-19 05:00:33 PM
رسالة إلى عزرائيل.. بقلم: خيري حمدان
صورة ارشيفية

 

سيدي، يا ملاك الموت المتنفذ صاحب الأجنحة العملاقة القادرة على نزع وحمل مئات الملايين من الأرواح كلّ لحظة دون عناء.

سيدي عزرائيل ولا اعتراض على إرادة صاحب القرار الأعلى الأعظم، وأنت الذي يقوم بتنفيذها كلّما طُلب منك ذلك.

سيدي الملاك العملاق اسمح لي بطرح بضعة أسئلة ولك أن لا تردّ على أيّ منها، وإذا قررت الردّ، تعال في منامي، مرّر بعض الأجوبة وإن كانت زيارتك محفوفة بالمخاطر وغير مأمونة الجانب، لأنّ حضورك يعني الموت لا محالة.

سيدي عزرائيل والسيادة له سبحانه وتعالى في ملكوته، أخبرني يا عزرائيل، لماذا بتّ تفضّل وجهة غزّة دون غيرها من المدن والبلدان، صحيح بأنّك تواجدت قبل أيام على الحدود الروسية الأوكرانية وقطفت أرواح كافّة ركّاب الطائرة الماليزية، قطفت مئتين وستة وتسعين روحًا دفعة واحدة، وعرّجت قبل ما يزيد على العام إلى اليابان، لتحصد ما تيسّر من الأرواح، ولن أنسى وليمة الموت في حضرة الأعاصير التي قدّمت لك مئات الآلاف من الأرواح. لكنّ يا ملاك الموت يبدو بأنّ لغزّة ولأهل غزّة جاذبية هائلة لحضرتك، وما أن تبتعد حتّى تعود مجددًا إلى هناك لتحصد وتحصد.

أتعلم يا ملاك الموت يا عزرائيل، بأنّ انتظار الموت كلّ لحظة أصعب بكثير من حدث الموت، الذي قد يكون لحظيًا، فوريًا خاليًا من الألم لكنّه العدم يا عزرائيل.

الأطفالُ، أطفالُ غزّة، عصافيرُ الجنّة. الشبابُ البالغون عمرَ الاندفاع، الرجالُ الآباء والأمّهاتُ والعجزةُ والكتّابُ والعاطلون عن العمل، جميعهم مستهدفون وأنت تنفّذ. وحاشى انتقادك فأنت كما قرأنا ستنزع روحك بيدك لتنتهي الحياة ولتكن مشيئة الله سبحانه وتعالى، لكن لماذا تبدو هذه الغزّة مجبرة على شراء خطايا هتلر وجنون وقسوة أوروبا. ما ذنب الغزّيّ والفلسطينيّ فيما اقترفت أيدي الأوروبيين قبل سبعين عامًا. هم حرقوا اليهود، هم عذّبوا اليهود، هم قمعوهم وأذلوهم ونحن استنكرنا وشجبنا هذه القسوة آنذاك، لنجد أنفسنا الآن ضحية الضحية، ونموت مرتين.

يا ملاك الموت يا عزرائيل، ألا يمكنك بجناحك العملاق إزاحة القذائف والصواريخ التي تستهدف شعبي، لتسقط مثلا "خطئًا ولا أتمنى المعاناة والموت لأحد" في مكان مشبع بالرفاهية، حيث يصاب سكان المكان المعنيّ بالغثيان إذا قطعتْ دعايةٌ لعازلٍ ذكوريّ أو لمسحوقِ غسيلٍ سيرَ أحداثِ فيلمٍ عاطفيّ، ويشتمون الآلة التجارية التي لا ترتوي ولا تشبع من تحقيق الأرباح الطائلة.

حسنًا، أريد أن أكون ديمقراطيًا وعادلا، حاول يا ملاك الموت يا عزرائيل أن تلطم القذيفة لتقع في البحر الأبيض المتوسط، أم أنّك تخشى على القرش من هول الانفجار والفوسفور الأبيض! يا عزرائيلَ، نحن نؤمنُ بك وبكلّ الملائكة والرسل والكتب المقدّسة التي تدعو للسلام والمحبة وتنهى عن الموت "لا أعلم فحوى التعاليم الإسرائيلية الغارقة بلفظ الآخر والحثّ على قتله"، يا عزرائيل كن عادلا للحظة، دع أهل غزّة يكملون صوم رمضان ويحتفلون بعيد قد لا يعود.

* كاتب وروائي فلسطيني يقيم في صوفيا/ بلغاريا