الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الرابحون والخاسرون في الجولة الأخيرة/ بقلم: نبيل عمرو

2023-05-14 11:55:57 AM
الرابحون والخاسرون في الجولة الأخيرة/ بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

لو ترك الأمر لإعلانات الأطراف المشاركة في الجولة الحربية الأخيرة مع قطاع غزة، لقدموا صورة عجيبة غريبة لما حدث، مفادها أن الجميع انتصر، سوى أن الذين لن يقولوا شيئا هم الأطفال وذويهم الذين قتلوا.

المبادر لهذه الجولة هو الجانب الإسرائيلي، الذي وجد في حرب على هذا المستوى مجالا لتحقيق عدة أهداف داخلية في ضربة واحدة.

الأول.. نفي الاتهام الذي تعرضت له حكومة نتنياهو بأنها أضعفت قوة الردع التقليدية من خلال إحجامها عن الرد المباشر والقوي على موجة الصواريخ، التي انطلقت من ثلاثة مصادر.. ما أغرى خصوم الحكومة على اتهامها بالعجز عن مواجهة عدة جبهات في وقت واحد.

والثاني.. استعادة مكانة نتنياهو المتهاوية في استطلاعات الرأي بتراجعه وحزبه وائتلافه، عدة نقاط إلى الوراء، ما وفر لجنرال المعارضة الصاعد بني غانتس، تفوقا ظاهرا في الانتخابات القادمة، ويضاف إلى ذلك ظهور بوادر جدية لتفكك الائتلاف من خلال إنذارات بن غفير وقيامه فعلا بمقاطعة جلسات الحكومة والكنيست ما حدا بنتنياهو إلى الإقدام على فعل يعيد به بن غفير ونوابه إلى اجتماعات الحكومة والأكثر إثارة وجاذبية تصفية ثلاثة قادة من الجهاد الإسلامي، ومعهم أطفال ونساء وجيران يكفي دمهم لإعادة بن غفير إلى الائتلاف، وممارسة دوره كصمام أمان لبقاء نتنياهو على رأس السلطة في إسرائيل.

والثالث، تغيير قواعد اللعبة الداخلية، فبعد امتلاء الشوارع والميادين بالمتظاهرين ضده وتحت شعار الحفاظ على "القضاء والديمقراطية" فلم يعد أمام نتنياهو غير اللجوء إلى التخويف من خطر أمني محدق بإسرائيل، ومن عدة جبهات. ما يخلق اهتماما مختلفا لدى الجمهور، الذي يرى في الأمن أولويته التي تتقدم على كل الأولويات، ولقد تجلى هذا الهدف في المؤتمر الصحفي "المسرحي" الذي أداه مع وزير دفاعه ورئيس الأركان ورئيس الشاباك، مستعرضا إنجازاته "الأمنية المميزة"، إذ من المرات النادرة التي يعقد فيها مؤتمران صحفيان تفصل بينهما ساعات قليلة، بينما حربه لم تضع أوزارها بعد.

وبوسعنا وعلى نحو أولي اعتبار نتنياهو رابحا حتى الآن، إن لم يكن بالضربة القاضية كما تعود، فبإحرازه نقاطا تنفع في إبطاء النزف الذي عانى منه منذ بداية حكومته الحالية.

أما الخاسرون، والمسألة نسبية ومؤقتة، فهم خصوم نتنياهو داخل إسرائيل، الذين اضطروا إلى دعمه فيما أقدم عليه، ومهما أظهروا من روح رياضية استعراضية إلا أنهم يدركون معنى تثبيت ائتلافه وحصوله على نقاط إضافية، وفي حالة التوازن في القوى بين المعسكرين، فكل نقطة تفعل فعلها، خصوصا إذا ما كان نتنياهو هو المستفيد والأكثر قدرة من خصومه على المناورة، وتثبيت وضعه وهو ما يزال في العام الأول من حكومته أي أمامه أكثر من ثلاث سنوات.

والخاسرون كذلك، هما حماس في غزة والسلطة في رام الله، والخسارة هنا أصابت الصورة بضرر كبير، فللمرة الثانية تترك حماس توأمها في القتال منفردا في مواجهة غزوة إسرائيلية لا تخفي رغبة ملحة في تصفيته، وكأن الجهاد وحده هو الممثل الشرعي الوحيد للمقاومة الفلسطينية خصوصا في ساحتها الرئيسية غزة. أما خسارة السلطة في رام الله فيجسدها ذلك النزف المتسارع للدور والهيبة، وما يبدو الأكثر ضررا هو ظهور السلطة في رام الله كما لو أن الحرب على غزة تجري في كوكب آخر، وموقف السلطة منها لا يتعدى موقف أي طرف غير فلسطيني متعاطف ضد قتل الأبرياء ومتضامن مع أهل غزة، حتى مخاطبة السلطة في حالة كهذه وكما كان يحدث في مرات سابقة خفت كثيرا وحتى المجاملة اختفت، سوى أن الأمريكيين يواصلون جهدهم لإتمام لقاء جديد على غرار لقاءات العقبة وشرم الشيخ، وهم يعرفون جيدا أن لا جدوى من هذا الجهد بل إنه ومن حيث يسعى لتثبيت السلطة ومنع انهيارها فالنتيجة عكسية تماما.

الجولة الراهنة تتوقف عند مبدأ تهدئة مقابل تهدئة، ولا مجال لاتفاق مباشر مع إسرائيل تحت عنوان وقف إطلاق النار، غير أن الحقيقة الأهم أن الرابحين والخاسرين يتشاركون في حالة لا مخرج منها، وهي حرب تليها حرب والمخرج الوحيد من هذه الحالة وهو الحل السياسي الذي يرضي الفلسطينيين وتقبله إسرائيل، وهذا لم يعد في متناول اليد لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد.

إنها حالة حرب إن هدأت لبعض الوقت، فجمرها الكامن تحت الرماد يظل قابلا للاشتعال من جديد والملفت في الأمر أن العالم مضطر للتكيف مع الحالة، ولا قدرة ولا حتى رغبة لديه لعمل شيء وإلى اللقاء في الجولة القادمة.