الحدث- رام لله
67 عاما مرت على "النكبة" الفلسطينية وتهجير 957 ألف فلسطيني، ولا يزال القرار الأممي الوحيد الذي يعترف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، أو تعويضهم، بعيدا كل البعد عن حيز التنفيذ، ولا يعدو كونه "حبرا على ورق".
ففي 11 ديسمبر/ كانون أول 1948، أصدرت الجمعية العام للأمم المتحدة القرار رقم 194، بعد أن صوت لصالحه 35 عضوا، ورفضه 15، وامتنع عن التصويت 8، ما أشعل جذوة الأمل في نفوس المهجرين، غير أن الأمل، تحول عاما بعد عام، إلى يأس امتزج بالسخط، جراء عدم تنفيذ القرار، حيث إن قرارات الجمعية العامة بالأساس، تعتبر توصيات غير ملزمة.
ذلك الأمل كان نابعا من الفقرة الحادية عشر للقرار، التي تحدثت عن "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات، بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".
هذا يعني أن القرار 194 اعترف صراحة بحق اللاجئين في العودة كجزء أساسي وأصيل من القانون الدولي، تاركا الحرية للاجئين أنفسهم للاختيار بين البقاء في أماكنهم الجديدة أو العودة إلى فلسطين.
إلا أن السنوات مرت، وخفت الأمل شيئا فشيئا، حتى أنه لم يتبق على قيد الحياة، من اللاجئين الذين سمعوا هذا القرار في حينه، إلا القليل، فقد رحل معظم جيل النكبة عن الدنيا، وهم يعانقون مفاتيح بيوتهم التي هجروا منها، منتظرين تنفيذ قرار الأمم المتحدة.
"مع كل عام يمضي منذ نكبة الفلسطينيين، تعكف الجمعية العامة للأمم المتحدة على إصدار تقرير يوصي بتنفيذ قرار حق العودة 194"، يقول رائد أبو بدوية، أستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح الوطنية بنابلس شمالي الضفة لوكالة الاناضول، مشيرا إلى أن القرار يتضمن شقين أساسيين، الأول هو الحديث عن حق اللاجئين بالعودة لأراضيهم التي هجروا منها، أو التعويض لمن لا يريد أن يعود.
وبعد إصدار قرار العودة، أسست الأمم المتحدة جهازين دوليين لمتابعة قضية اللاجئين، هما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيي "أونروا"، والتي تهدف لتقديم المساعدة الدولية للاجئين الفلسطينيين، بشؤون حياتهم اليومية من صحة وتعليم وغيره، بحسب أبو بدوية.
وتابع: "الجهاز الثاني كان عبارة عما سمي حينها بلجنة الوساطة لفلسطين، والتي كان هدفها البحث عن الحل الدائم للاجئين الفلسطيين، لكن أعمال هذه اللجنة انتهت مع بداية الستينيات من القرن الماضي، لذلك لا يوجد جهاز دولي يتابع قضية اللاجئين الفلسطينيين غير الأونروا".
وعن خلفيات اتخاذ الأمم المتحدة لقرار حق العودة، أشار أبو بدوية إلى أن الأمم المتحدة كانت قد أرسلت وسيطا دولياً وهو (الكونت فولك برنادوت) إلى الأراضي الفلسطينية عقب تهجير الفلسطيينين، فقام بدوره بإعداد تقرير قدمه للجمعية العامة، قال فيه إن اللاجئين الفلسطينيين خرجوا من قراهم نتيجة العمليات العسكرية الموجودة بالمناطق والتفجيرات التي قام بها الإسرائيلون.
وأضاف أن "برنادوت أوصى أيضا بتقريره المقدم للجمعية العامة بعودة اللاجئين إلى وطنهم، وقبل انعقاد الجمعية العامة لمناقشته اغتاله الإسرائيليون، فقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتماد التقرير بالكامل وإصدار القرار 194، ليكون قرار حق العودة هو نتيجة وتوصيات الكونت برنادوت".
أما عن الدور الذي لعبته منظمة التحرير الفلسطينية فيما يخص اللاجئين، أو العمل على الضغط على المجتمع الدولي لتنفيذ القرار الأممي، قال أبو بدوية إن "المنظمة تؤكد بشكل دوري على حق العودة، إلا أنه ومع بداية عملية السلام في مدريد عام 1991، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومع توقيع اتفاق أوسلو(1993)، أصبح هناك بوادر وتخوفات على قضية اللاجئين وعدم عودتهم، بدليل أن اتفاقية أوسلو لم تعتمد بديباجتها على القرار 194 كأحد القرارات الدولية التي تستند إليها المفاوضات، بل اعتمدت على قرارات أخرى لم تشر للاجئين إلا مجرد إشارة رمزية وأنهم بحاجة لحل عادل".
وأضاف: "اتفاقية أوسلو اعتبرت قضية اللاجئين أحد القضايا بالملفات المؤجلة، كما أن خارطة الطريق التي تبنتها اللجنة الرباعية المكونة من الأمم المتحدة، وأمريكا، وأوروبا، وروسيا، قبل عدة سنوات، لم تشر لقضية اللاجئين إلا بشكل رمزي، حيث لفتت إلى (حل عادل وممكن) للقضية، وقد وافقت القيادة الفلسطينية عليها".
الخطاب السياسي الفلسطيني لم يكن بمعزل عن المخاوف التي تعترض حق العودة، حسب أستاذ القانون الدولي، الذي أشار إلى أن "الجانب الإسرائيلي أوهم بخطاباته الجانب الفلسطيني بأن هناك تناقض بين حق تقرير المصير وحق العودة، وأصبحت وكأنها مساومة بإعطاء الدولة مقابل حق العودة".
وقال: "هذا التناقض الذي خلقه الجانب الإسرائيلي طوال فترة المفاوضات، للأسف أصبح يترجم بالخطابات السياسية الفلسطينية وحتى الداخلية منها، وهو ما جعلها تخضع للخطابات الإسرائيلية وترددها أيضا، على سبيل المثال الحديث عن العودة لأراضي الضفة الغربية فقط وليس للأراضي التي احتلت عام 48، وبذلك يكون هذا مؤشر آخر على التخوفات حول هذا الحق".
أما عن متابعة اللاجئين الفلسطينيين من خلال مؤسسات دولية، اضاف أبو دية أن "القانون الدولي ينص على أن اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يعاملوا كباقي اللاجئين بالعالم".
وتابع أن "المفوضية السامية للاجئين ترعى شؤون اللاجئين بالعالم حتى بأي اتفاق سياسي بين الدول المتنازعة، وتكون حاضرة في أي اتفاق سياسي لتضمن حقوق اللاجئين، لكن الأونروا غير مخولة بهذا الأمر، وبالتالي لا يوجد للفلسطينيين جسم دولي يمثل مصالح اللاجئين الفلسطينيين في أي حل سياسي قادم".
وأردف قائلا: "من يمثل الفلسطينيين فقط هي منظمة التحرير، والخوف من أن تكون غير قادرة، والمؤشرات كلها تشير أنها غير قادرة على تقديم مصالح اللاجئين الفلسطينيين بأي اتفاق سياسي قادم، وبالتالي على المجتمع الدولي أن يملأ هذه الفجوة، بجسم يمثل مصالح اللاجئين ضمن أي اتفاق سياسي قادم".
وعلى الرغم من تلك التخوفات، إلا أن منظمة التحرير وقيادة السلطة الفلسطينية تؤكد على حق العودة على لسان فصائلها.
واصل أبو يوسف الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قال إن "القرار 194 وحق العودة، هو جوهر القضية الفلسطينية ولا يمكن إسقاطه أو عدم التعامل معه".
وأشار أبو يوسف إلى أن القرار ومنذ إقراره "يتم تعطيله بسبب عدم الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للانصياع لتفيذ قرارات الشرعية الدولية، ولا حل للقضية الفلسطينية، دون حل جوهر القضية وهو عودة اللاجئين".
وأشار الأمين العام إلى أن "القرار الأممي 194 يندرج في إطار حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني"، مضيفا: "آن الأوان ليضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لتنفيذ الآليات التي تفسح المجال لعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها، هذا الأمر الذي نسعى إليه، ولا يمكن لأحد أن يمس بهذا القرار".
وأرجع عدم تطبيق القرار "بحكم الانحياز الأمريكي والعديد من أطراف المجتمع الدولي للتغطية على جرائم الاحتلال، وعدم الضغط عليه لتنفيذه، لذلك يجب وضع آليات من قبل المجتمع الدولي وضع آليات لتنفيذ القرار وليس التفاوض حوله".
وفي تعقيبه على عدم ارتكاز اتفاق أوسلو على قرار حق العودة، قال أبو يوسف: "اتفاق أوسلو مرحلي، وكان ينص على مرحلة انتقالية، سقفها الزمني خمسة أعوام، واعتبر القدس واللاجئين والمياه والاستيطان هي قضايا من مفاوضات الحل النهائي، وبالتالي لم يسقط أوسلو حق العودة بل تم تأجيله لمفاوضات الحل النهائي".
وتابع: "الاحتلال حاول من خلال الحديث عن التوطين أو تقسيم عودة اللاجئين إلى آليات لا تجعل من حق العودة هو حق أساسي، وقد راهن قادة الاحتلال على أن الكبار يموتون والصغار ينسون، لكن الشعب الفلسطيني يجدد العهد للتمسك بحق العودة مع كل ذكرى للنكبة".