خاص الحدث
أمان: المسودة المطروحة تحجب المعلومات ومصممة لخدمة الحكومة
مساواة: المسودة تلغي بنودا مهمة تم التوافق عليها سابقا
مدى: المسودة المطروحة فيها تراجع وعودة خطوة للوراء
أثارت مسودة قانون الحق في الحصول على المعلومات لعام 2023، انتقادات ومخاوف لدى المؤسسات الصحفية والإعلامية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية، التي عبرت عن قلقها من إقرار هذا القانون الذي يجري نقاشه بشكل سرّي داخل أروقة مجلس الوزراء، دون السماح لغير الوزراء بالاطلاع على أحكامه.
تظهر مسودة مشروع القانون التي يتم تداولها في مجلس الوزراء، سرّا، تراجعا كبيرا مقارنة بالمسودة التي تم طرحها سابقا والتي تم التوصل لإجماع حولها في عام 2018 ما بين مؤسسات المجتمع المدني ومجلس الوزراء وهيئة مكافحة الفساد في حينه، حيث كانت نقطة الخلاف الرئيسية هي وجود جسم مستقل لإدارة وتنظيم الحصول على المعلومات العامة.
يقول بلال البرغوثي، المستشار القانوني للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان، إن مشروع القرار بقانون هو أقرب لقانون حجب المعلومات وليس الحق في الحصولة على المعلومات، الذي وضع استثناءات اعتبر من خلالها أي معلومة سرية ممنوعة من النشر والاطلاع عليها أكثر من المعلومات المتاحة أو تلك التي يمكن نشرها، حيث استخدمت مادة الاستثناءات مصطلحات مطاطة وفضفاضة تمكن السلطة التنفيذية والموظف المختص من حجب أي معلومة يتم الادعاء بأنها سرية بدعوى أنها معلومات تمس بالأمن والنظام العام وغيرها.
وأكد مستشار أمان القانوني، في لقاء خاص مع صحيفة الحدث، أن مسودة مشروع القرار بقانون مخالفة للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها الحق في الحصول على المعلومات وخاصة مبدأ مواءمة التشريعات، حيث منحت مسودة مشروع القرار بقانون، الحكومة من خلال تشريعات ثانوية ولوائح وتعليمات تصدر عن الوزير أو الحكومة، إمكانية اعتبار أي معلومة ما سرية، وبالتالي تحجب عن النشر ولا يستطيع طالب الحصول على المعلومة الوصول للمعلومة.
وبحسب البرغوثي، فإن هذه المادة تتعارض مع واحد من المبادئ التي يقوم عليها الحق في الحصول على المعلومات، والأصل يجب استثناء أي معلومة من الحق في الحصول في المعلومات حصرا في القانون ذاته، وبالتالي، والحديث عن الدرجة التشريعية يعني الحديث عن تشريع بدرجة قانون وليس أي تشريع ثانوي.
ويرى البرغوثي، أن مسودة مشروع القانون تأتي في سياق سعي السلطة التنفيذية، والأمانة العامة والأمين العام لمجلس الوزراء، للسيطرة على معظم القضايا التي تمكن من السيطرة على الحكم. وقال: المفترض أن يتم إنشاء هيئة أو جهة مختصة مستقلة ماليا وإداريا يرأسها شخص مشهود له بالأمانة والاستقلالية (مفوضية) تراقب على مدى التزام الحكومة بحق المواطنين بالحصول على المعلومات، إلا أن هذه النسخة من مسودة القانون أناطت بهذه المهمة لموظف دائرة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، يتبع للأمين العام لمجلس الوزراء، على نحو يتعارض مع كافة النسخ السابقة التي كان هناك توافق مجتمعي ورسمي حولها، وخصوصا من هيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة المالية والإدارية.
وأشار مستشار أمان القانوني، بلال البرغوثي، إلى أن مسودة مشروع القانون مصممة لخدمة الحكومة وبهدف سيطرة الحكومة على تدفق المعلومات العامة ومنحها الصلاحيات الواسعة بتصنيف المعلومات العامة على أنها سرية دون وجود مبررات حقيقية، وهو ما يشكل التفافا على مفهوم التشريعات التي يفترض أن تمكن بالفعل من الحق في الحصول على المعلومات وهذا القانون يعطي الحكومة إمكانية السيطرة المطلقة على حجب المعلومات.
وحول نقاش مشروع القانون بسرية داخل أروقة مجلس الوزراء مع عدم السماح لغير الوزراء بالاطلاع عليه، قال بلال البرغوثي: الحكومة انتهجت نهج النقاشات السرية وعدم الانفتاح على المشاركة المجتمعية. مرجحا أن يكون هناك متطلب دولي من خلال الالتزام في ما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي في أحد الأعوام خلال المراجعات الدورية التي تجرى للاتفاقية تمت الإشارة إلى فلسطين على أنها خالية من قانون الحق في الحصول على المعلومات وهو متطلب وارد في الاتفاقية التي وقعت عليها فلسطين في وقت سابق وذلك إرضاء للمتطلبات الدولية، مؤكدا أن القانون يمكن الحكومة من حجب المعلومات أكثر من تدفقها.
ونوه البرغوثي إلى قضية تجريم نشر المعلومات التي تصنف على أنها سرية، ولا يمكن ملاحقة الصحفيين لنشرهم معلومات سرية، وإقرار القانون يعني وجود مرجعية قانونية يلاحق عليها الصحفيون الفلسطينيون، بسبب نشرهم معلومات يتم تصنيفها دون علمهم على أنها سرّية، والقرار بقانون خطير ويفضل عدم إصداره على الرغم من أننا طالبنا كمؤسسات مجتمع مدني بأهمية إصدار هذا القانون للحصول على المعلومات لتعزيز الشفافية والمساءلة.
ووفقا للبرغوثي، فإن نقابة الصحفيين، كانت غائبة عن التعقيب على هذا القرار كونها الأكثر اتصالا بهذا القانون، ما يضع إشارات استفهام حول غيابها ومدى موافقتها ودعمها الحكومة في إصدار مشروع القرار بقانون.
وأكد، أن الائتلاف من أجل المساءلة والنزاهة أمان، يحاول مع مؤسسات المجتمع المدني بكافة الطرق المتاحة قانونا تنظيم حراك مجتمعي واسع يرفض ويسعى إلى محاولة منع إصدار هذا القرار بقانون، لخطورته الكبيرة على المجتمع وعلى إدارة المعلومات العامة وتكريس هيمنة السلطة التنفيذية والأمانة العامة لمجلس الوزراء على مفاصل الحكم.
واعتبر الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان، أن القانون إساءة لفلسطين ومخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، خصوصا وأنه تضمن العديد من الاستثناءات التي تحدّ من الحق في حرية الرأي والتعبير، وتجعل من حجم المعلومات القاعدة العامة بينما الوصول للمعلومات الاستثناء. وأكدت أنه لا يمكن إقرار قانون للحق بالحصول على المعلومات دون وجود نظام موحد للسجلات العامة.
وأكد الائتلاف، على ضرورة توحيد الجهود لمنع إقرار هذه المسودة بشكلها الحالي، لذا ستقوم مؤسسات المجتمع المدني بإعداد مسودة موقف، من أجل قانون يضمن للمواطنين كافة الحق في الوصول إلى المعلومات العامة بسهولة ويُسر، لأن الأصل يكمن في إتاحة المعلومات للجميع.
من جانبها، عبرت مؤسسات إعلامية وحقوقية، عن رفضها لمسودة قانون حق الحصول على المعلومات، وتم الاتفاق بين عدد من المؤسسات على رفض المسودة الحالية نظراً لما يعتريها من قصور، ونظراً لتجاهل الحكومة لضرورة فتحها للنقاش المجتمعي وإشراك الجهات ذات العلاقة بالموضوع، إضافة لمضمون بعض بنودها، وخاصة ما يتعلق بطبيعة واستقلالية الجهة المرجعية الضامنة لحق تدفق المعلومات وإحالتها لأمين عام مجلس الوزراء بدلاً من تشكيل مؤسسة مهنية مستقلة، وتم تكليف الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، بمخاطبة مجلس الوزراء برسالة رسمية تتضمن هذا الموقف، والملاحظات التفصيلية على المسودة.
وقال إبراهيم البرغوثي، مسؤول الشؤون السياساتية والقانونية في المركز الفلسطيني لاستقلال القضاء والمحاماة "مساواة"، إن مسودة مشروع القرار بقانون الذي طرح على جدول أعمال الحكومة لغايات إقراره ومن ثم تنسيب إصداره؛ تلغي عددا من البنود المهمة التي تم التوافق عليها في وقت سابق، أبرزها أن تكون هناك جهة مستقلة استقلالا ماليا وإداريا مختصة بالرقابة والمتابعة على مدى التزام الحكومة أو السلطة التنفيذية بسائر دوائرها ومكوناتها بحق المواطنين في الحصول على المعلومات وإتاحتها بمعنى أنه يجب أن تكون متاحة لمن يحتاجها إلا أن النسخة التي حصلنا عليها تلغي هذا البند، وjنص على تشكيل دائرة للمعلومات تابعة للأمين العام لمجلس الوزراء تفوض بتلك الصلاحيات وإتاحة المعلومات وتحدد إمكانية إتاحة المعلومات من عدمها، وهذا نسف لجوهر الحق في الحصول على المعلومات.
وأضاف إبراهيم البرغوثي في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، أنه تم التوافق على احترام القانون الأساسي، والأصل إتاحة المعلومات والاستثناء يجب أن يكون ضيقا ومحصورا ومحددا بالمعلومات التي تمس بالأمن القومي مثلا كما باقي دول العالم، ولكن المسودة الجديدة جعلت القاعدة استثناء والاستثناء هو القاعدة، بحيث منحت مجلس الوزراء صلاحية تحديد مدى صلاحية إتاحة المعلومات من عدمه، وتبقى المعلومة حكرا على الحكومة.
وأوضح البرغوثي، أن ما تم التوافق عليه وما هو مأخوذ فيه في باقي الدول يختلف عن ما ورد في المسودة، ويجب توثيق المعلومات والبيانات بآلية معينة كمتطلب مسبق لإقرار مشروع القرار بقانون من قبل الإدارات كافة، وهذه المسألة تشكل القاعدة الموردة للمعلومات، وهذا لم يرد ذكره في مسودة المشروع التي تجاهلت توفير المتطلب الأساس لإعمال حقيقي وجدي للحق في الحصل على المعلومات.
وأشار البرغوثي، إلى أن المشروع يخلو من ما يسمى وجوب الإتاحة للمعلومات. وكذلك يجري نقاش مسودة المشروع بسرية مغلقة وهو ما ينسف كل أوجه الاتفاقات السابقة مع الحكومة، فالحكومة تجري تداول ومناقشة المشروع بسرية مطلقة بحيث يقتصر الاطلاع على الوزراء فقط وكذلك إجراءات التداول، وهذا مخالفة بالإضافة إلى أن الحكومة وكأنها اعتادت العدول عن التزاماتها في إطار التوافقات مع مؤسسات المجتمع المدني وغيرها المعنية والمطالبة والباحثة في موضوع الحق في الحصول على المعلومات، وكأن الحكومة تتصرف على هواها ولا تلتفت لأحد، ولذلك نحن بصدد مشروع قرار بقانون يقيد الحق في الحصول على المعلومات كحق دستوري، وبالتالي يناقض جوهره بتقييد الحصول على المعلومات او إلغاء الحصول على المعلومات وليس الحق في الحصول على المعلومات ، رغم أن رئيس الحكومة الحالي صرح بأنه سيتبع الانفتاح والتشاور، ويبدو أنه تصريح للاستهلاك الإعلامي، متسائلا: لماذا يناقش مشروع القانون بسرية كما غالبية القرارات بقانون!.
ووفقا للبرغوثي، فإن "نحن في حراك بدأ منذ بداية الحصول على مسودة المشروع وأصدرنا ورقة موقف حملت الرؤية المشتركة للمؤسسات الحقوقية والمجتمع المدني وشخصيات وهيئات إعلامية، ومن ثم عقدنا مؤتمرا صحفيا حذرنا فيه من إصدار القرار بقانون، وطالبنا الحكومة الفلسطينية بالالتزام بتصريحاتها المعلنة بالانفتاح والمشاركة التي هي حق دستوري وليست منه من الحكومة.
شيرين الخطيب، القائم بأعمال مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الاعلامية "مدى"، قالت إن وجهة نظر مدى متطابقة مع وجهة نظر قطاعات واسعة من المهتمين بالحريات ومؤسسات المجتمع المدني، ونرى أن هذه المسودة المطروحة فيها تراجع وعودة خطوة للوراء، ومن المراجعة السريعة لهذه المسودة يمكن لمس مستوى التراجع الكبير مقارنة بالمسودة التي تم التوصل إلى إجماع حولها في عام 2008 ما بين مؤسسات المجتمع المدني ومجلس الوزراء الفلسطيني وهيئة مكافحة الفساد.
بحسب الخطيب، فإن القانون مصمم تماما لخدمة الحكومة ولا سيما الأمانة العامة والأمين العام لمجلس الوزراء، ونقطة الخلاف الأساسية تتمثل بوجود جسم مستقل لإدارة وتنظيم الحصول على المعلومات، والنسخة المتفق عليها بخصوص القانون تفترض وجود أو إنشاء هيئة مستقلة إداريا وماليا ومختصة يرأسها شخص مشهود له بالأمانة والاستقلالية، وهذه الجهة يفترض أن تراقب مدى التزام الحكومة بحق المواطنين في الحصول على المعلومات، لكن النسخة المطروحة حاليا أعطت هذه المهمة لموظف دائرة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء وهذا يتعارض مع كافة مواد المسودة التي توافقنا عليها مجتمعيا ورسميا، وخاصة هيئة مكافحة الفساد وهيئة ديوان الرقابة الإدارية والمالية.
وحول تأثير مسودة القرار بقانون فيما لو تم إقرارها؛ قالت الخطيب في لقاء خاص مع صحيفة الحدث: المسودة تؤثر سلبا على الإعلام الفلسطيني والصحفيين الفلسطينيين ومصادر المعلومات التي يلجأ لها الصحفي بشكل عام، ومن خلال هذه المسودة تسير الحكومة باتجاه تقنين الحصول على المعلومات، وغالبية المواد الموجودة فيها تسير بهذا الاتجاه رغم أن الأصل أن تكون المعلومات بشكل عام متاحة والمعلومات المستثناة منها يجب أن تكون محصورة وتختص بأمن الدولة وما إلى ذلك، ويمكن أن نصل إلى مرحلة قد يتم فيها تجريم الصحفي بسبب نشره معلومات تعتبرها الأمانة العامة لمجلس الوزراء سرية.
وذكرت، أن المداولات السرية لمشروع القانون واحدة من الملاحظات التي تحدثنا فيها بأنه لا يجب طرح مسودة قانون كقانون الحصول على المعلومات بعيدا عن مؤسسات المجتمع المدني، وبشكل فعلي نحن بدأنا بتحركات من خلال مؤتمر صحفي شمل نحو 38 مؤسسة، كان من بينها مركز مدى، ونحن ومؤسسات المجتمع المدني نسعى ونرغب بإقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات بعد إقراره من قبل نحو 110 دول حول العالم، ونحن في وضعنا المعقد نحتاج إلى إقرار هكذا قانون ولكن بالصيغة المناسبة والمتوائمة مع المعايير الدولية، ويجب أن يكون إقرار القانون بعد مناقشته مع جميع الأطراف ذات العلاقة من بينها مؤسسات المجتمع المدني.