الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سلفيت "استملاك للصالح العام"/ بقلم: عصام بكر

2023-06-07 09:32:16 AM
سلفيت
عصام بكر

تكاد محافظة سلفيت إن لم تكن فعلاً الأمور "حسمت" فيها لصالح الاستيطان الاستعماري غير الشرعي الذي تشيده دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية منذ احتلالها التي تأتي ذكراها السادسة والخمسين فيما يعرف بنكسة حزيران حيث تمتد المشاريع الاستيطانية منذ العام 1968 على أراضي المحافظة وحتى اليوم، وعندما يتم استخدام مصطلح حسمت فإن هذا لا يعني بطبيعة الحال الاعتراف بسياسة الأمر الواقع الاحتلالي على الإطلاق أو تفسير إمكانية التعايش مع هذا الواقع.

وبالعودة لهذا الموضوع يمكن القول إن سلفيت التي نهش أرضها وحش الاستيطان هي المحافظة الوحيدة التي يزيد عدد المستوطنين فيها عن عدد السكان، وسلفيت لمن لا يعرف أيضاً هي المحافظة الوحيدة التي يزيد عدد المستوطنات فيها عن عدد القرى الفلسطينية 21 قرية 24 مستوطنة هذا عدا عن كونها تضم أكبر أو أحد أكبر التجمعات الصناعية في الضفة الغربية المسمى منطقة بركان الصناعية التي تضم عشرات المصانع التي نقلت بطريقة غير مشروعة من الداخل لصالح مشروع غير مشروع في قلب الضفة الغربية وما تنشره من تلويث للبيئة والأرض، وتدمير للمزروعات والحقول، وإغلاق مساحات شاسعة مما تبقى من أراضيها لأسباب أمنية أو عسكرية أو غيرها، وأيضا هناك منطقة واد قانا التي يجري الاستيلاء عليها تحت مسمى محمية طبيعية إضافة لمصطلحات قانون أملاك الغائبين أو ما يسمى أراضي أميرية أو أراضي دولة وكلها تم إقرار قوانين لها بما يخدم ويغذي التطبيق الفعلي العملي المباشر لنهب الأرض وإحكام القبضة عليها، وسلفيت لمن لا يعرف في ذات السياق تقع على إحدى أهم الأحواض المائية التي تمثل مطمعاً هاماً للاحتلال إضافة لتربعها جغرافيا على موقع مطل على مناطق الداخل المحتل الأمر الذي يجعلها تتمتع بأهمية استراتيجية ويضعها بطبيعة الحال في عين المطامع الحساسة بالنسبة للاحتلال.

 وشهدت المحافظة بدايات المشروع الاستيطاني فيها بعيد الاحتلال فورا وصولاً لبدء إنشاء مستوطنة أرئيل وهي إحدى الكتل الاستيطانية (المدن) التي تضم كل مقومات المدن الرئيسية داخل الخط الأخضر ففيها جامعة ومرافق خدماتية تضاهي تل أبيب أو غيرها من المدن ويتم وصفها أي أرئيل بأنها الحديقة الخلفية لتل أبيب ووضع حجر الأساس لها وزير جيش الاحتلال في حينه أرئيل شارون نهاية سبعينات القرن الماضي وسميت على اسمه، ومن هذا نستدل بما لا يجعل مكان للجدل الأهمية التي تعكس التوجهات الأيديولوجية لما يجري في الأراضي الفلسطينية والتي لا تختلف إلا في بعض القضايا الشكلية لكن جذر المشروع الاستيطاني هو ذاته القائم على طرد العرب وتطهير البلاد من أصحابها، وممارسة كل أشكال الاقتلاع بكل الوسائل للاستيلاء على الأرض وما سلفيت إلا مثالاً حيا مباشراً لهذا المشروع والتوجهات العنصرية القائمة على نفي الآخر، والسعي لإنهاء وجود الشعب الفلسطيني برمته.

 وبالأمس القريب قبل أيام قليلة فقط تم الإعلان عن مخطط قديم جديد للاستيلاء على آلاف الدونمات من أراضي سلفيت يشمل أكثر من 10 آلاف دونم غالبيتها أراض زراعية وتمتد المساحة التي تقع في أراضي غرب المحافظة لمسافات شاسعة تصل إلى سينيريا في محافظة قلقيلية لصالح إقامة وتوسيع مناطق صناعية وسياحية، ووحدات استيطانية إضافة إلى طرق رابطة بين المستوطنات ومقبرة، ومنطقة صناعية جديدة، وشبكات مياه وكهرباء، وخدمات أخرى إلى جانب الآثار التدميرية للأشجار والمزروعات والأراضي ومن شأن تطبيق هذا المخطط أن يضع موضع التطبيق العملي فصل الضفة الغربية وسطها عن شمالها وجنوبها ويعزل عشرات القرى ويمنع حرية الحركة والتنقل فالاستيطان في سلفيت هو نقطة ارتكاز هامة في المشروع الجاري تنفيذه ولو نظرنا لمنطقة ما يعرف بحاجز زعترة واتجهنا غربا فإن الامتداد والاستيطان يتواصل دون انقطاع بشريط عريض وواسع ملتهماً عشرات الاف الدونمات وصولاً لمدينة راس العين، وملبس وتل أبيب في خط متواصل ولا تحتاج إلى الكثير من الذكاء إذا انطلقنا من نفس المنطقة شرقاً أي من حاجز زعترة لوصلنا للأغوار بشريط مماثل وكلنا يعرف أيضاً الأهمية البالغة للأغوار التي تعتبر السلة الغذائية للضفة الغربية بمعنى آخر ما يجري في سلفيت يشطر الضفة الغربية إلى شطرين منفصلين تماماً وهو ما يعني بصورة أدق أن الدولة الفلسطينية العتيدة في الضفة الغربية قد أصبحت في خبر "كان" انهاء فعلي لإمكانية قيام الدولة المستقلة ذات التواصل الجغرافي استيلاء على ثروات طبيعية، ومحميات ومياه هائلة وتقطيع للأرض وتحويلها إلى معازل، وفرض أمر واقع لتكون الصورة حسب المخطط لا تحتمل إلا حلين حل الضم لدولة الاحتلال وجرى الحديث عنه علناً مع تشكيل حكومة الاحتلال الحالية مع فرض إجراءات عنصرية على السكان، وعدم منحهم الهوية والعديد من الإجراءات المماثلة هذا أولا أو الإبقاء على الوضع الحالي مع فرض قيود أكثر صرامة مما يجبر السكان والقرى على المغادرة وهو ما يطلق عليه "الهجرة الناعمة" أي إجبار الناس مع صعوبة استمرار العيش حيث لا مساحة للمزارع، ولا مقومات حياة تليق بالبشر على البحث عن منافذ اخرى هذا جوهر المخطط الجاري بعقلية المحتل الذي يحاول بكل ضراوة نفي الرواية بل هو يحارب على ابسط الامور خذوا مثلا ينابيع المياه في المحافظة فعلاً لا احد يستطيع الوصول اليها انتشار الخنازير البرية المتوحشة التي تمنع المزارع من الوصول إلى أرضه، وسلفيت كانت الاولى في اطلاق الخنازير فيها اليوم أصبحت رحلة للوصول لحقل الزيتون محفوفة بالمخاطر بكل معنى الكلمة ناهيك عن اطلاق يد المستوطنين، ومنع الناس من قطف الزيتون وممارسة كل أشكال التعدي على الحقوق الفلسطينية هذا نذر يسير مما يجري في محافظة الزيتون كما تعرف . وهذا تلخيص مكثف لواقع الحال اليومي نسرده ليس من باب اليأس ولا اللطم على الخدود وليس من أجل جعل هذه الصورة بكل ما تحمل مداعاة للتعاطي مع ما يجري من واقع مؤلم وخطير، وإنما هي دعوة لنا جميعاً على المستوى السياسي الوطني الشعبي على السلطة ومرجعيتها منظمة التحرير، وعلينا العمل اليوم قبل الغد بارادة حقيقية وجدية ومساعي ضمن هامش ما هو متاح وطنياً وشعبياً لتجنيد كل الطاقات والإمكانيات لإنجاح حملات التصدي في سلفيت لا اقول هنا وحدها فواقع الحال في كل الأرض الفلسطينية مشابه ولا يختلف عما يجري الخان الأحمر، مسافر يطا، او القدس او الاغوار ولكن سلفيت تنزف ويتم تكريس واقع فيها من شأنه حسم الصراع، ولا احد يغرر او تنطلي عليه زيف المصطلحات الذي تحاول بثه والحديث عنه (استملاك للصالح العام) وفقاً للأمر العسكري للاستيلاء على أراضي بلدتي بروقين وسرطة غرب سلفيت 42 دونماً اعلن عنه امس الاول وهو امتداد لذات المخطط الذي كشف النقاب عنه قبل أيام لمصادرة عشرات آلاف الدونمات في المحافظة فالمشروع الصهيوني هو (استملاك للصالح العام) ولكن استملاك للارض على حساب سكانها واصحابها الذين ورثوها وهو قلب ونسف للصفة القانونية لها وسرقتها تحت مسميات براقة منها " المحميات الطبيعية" التي تخدم مشروع الاستيطان.

اذا لم يكن تحرك فاعل ومسؤول وجدي أمام ما يجري في سلفيت هذه الأيام على كل المستويات فإن البديل هو تطبيق قانون الاحتلال فيها وإضفاء الصفة الرسمية للضم والتوسع، ووضع اليد عليها مطلوب اليوم عبر صرخة ونداء اهالي سلفيت إنقاذ المحافظة قبل أن تغرق في بحر الاستيطان الجارف ومدها بمقومات الصمود والبقاء والعمل بارادة من الجميع للتصدي لهذا المشروع الخطير المدمر سلفيت تستغيث تئن تحت وطأة الضم والتهويد لماذا لا يتم العمل على اتخاذ قرار بوقف العلاقة مع حكومة اليمين المتطرف من زاوية وقف الاستيطان في سلفيت والمخططات الاخيرة فيها!!! ولماذا لا تعقد الحكومة اجتماعها القادم في سلفيت مع الأمناء العامين لكل الفصائل والقوى وليكن مؤتمراً شعبياً بعكس ارادة التمسك بالارض والحقوق الوطنية ويعالج قضايا الناس ويعمل على تلبية مقومات وشروط الحياة !! مطلوب العمل دون تأخير ودون تباطؤ.

 بقلم عصام بكر عضو المجلس الوطني الفلسطيني 5-6-2023