ناصر الهدمي: الاحتلال يستهدف المدارس لأنها القلاع التي تحافظ على الهوية الوطنية
أحمد الصفدي: ما يجري في مدارس القدس حالات فردية من جانبنا وهناك مساعٍ مستمرة للأسرلة من جانب الاحتلال
زيد القيق: تعدد المرجعيات السياسية أفرغ العاصمة من وجود قيادة تتحمل توحيد القرار التعليمي المقدسي
الحدث- سوار عبد ربه
شهدت مدينة القدس في الآونة الأخيرة حدثين منفصلين في اثنتين من مدارسها، كشفا عن خرق للوعي التعليمي لدى الطلبة المقدسيين الذين يخوضون ومعلميهم ومدارسهم معركة تعليمية مستمرة ومتجددة، ترجع جذورها إلى العام 1967 بعد احتلال المدينة المقدسة والبدء في استهدافها بكافة مكوناتها شيئا فشيئا.
رفع علم الاحتلال في مدرسة راهبات الوردية الأهلية في القدس، شكل صدمة في المجتمع المقدسي خاصة والفلسطيني عامة، نظرا لغرابة المشهد، ما أدى إلى تفاعل شعبي واسع أظهر رفضا لهذا الحدث، وامتد إلى إصدار مواقف رسمية كذلك أدانت الحدث واستنكرته، لتطل بعدها مدرسة أخرى تقيم فعالية لا منهجية لطالباتها اللواتي ظهرن في مقطع مصور يرقصن عن أنغام الأغاني العبرية، الأمر الذي دفع باتجاه البحث عن المستقبل التعليمي في مدينة القدس في ظل محاولات الأسرلة المستمرة لهذا القطاع بدءًا من المناهج وصولا إلى مؤسسات بأكملها.
وفي لقاء خاص مع صحيفة الحدث علق رئيس هيئة مناهضة التهويد في القدس ناصر الهدمي على حادثة رفع علم الاحتلال في مدرسة راهبات الوردية بقوله: "هذه المدرسة كان لها تاريخ من التراخي في موضوع الثبات بوجه سياسة سلطات الاحتلال التهويدية بحق التعليم بالذات في مدينة القدس".
وهذا التاريخ، وفقا للهدمي هو الذي شكل مقدمات لما وصلنا إليه من انحدار شديد ومرفوض ولا يبرر بأي شكل من الأشكال وهو رفع علم الاحتلال في أحد الاحتفالات حتى لو كان بشكل رمزي، وله هدف ورسالة، إلا أن هذا لا يبرر، بالذات في الفترة التي نعيشها من هجمة واضحة من قبل سلطات الاحتلال على العلم الفلسطيني وعلى الهوية الفلسطينية.
وكانت مدرسة راهبات الوردية الثانوية في بيت حنينا بالقدس المحتلة قد أصدرت بيانا توضيحيا حول رفع علم الاحتلال خلال عرض مسرحي للطالبات قالت فيه "إن فكرة العرض كانت بخروج طالبات يحملن أعلام دول متنازعة كأمريكا وكوريا وروسيا وأوكرانيا وفلسطين و"إسرائيل"".
وجاء في البيان أيضا أن "الرقصة التعبيرية للطالبات انتهت بسقوط جميع الأعلام وانتصار علم فلسطين".
ويرى الهدمي أن مدرسة راهبات الوردية ليست مضطرة وليست بحاجة إلى المال إلا أن إدارة المدرسة معنية أن يكون لها تعامل مع الاحتلال واعتراف من الاحتلال لأهداف أيديولوجية وهذا الذي جعل المدرسة تنحدر في إدخال "البجروت" إلى صفوفها وأصبحت تدرس المنهاج الإسرائيلي دون الاضطرار إلى ذلك، وعندما تمت مراجعة المدرسة كان من الواضح أن إدارتها لم تكن مضطرة ولا مجبرة على ما قامت به من انحدار وهذا الأمر استمر حتى وصلنا إلى ما شهدناه.
بدوره، عبر التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة، في بيان صحفي، عن رفضه بشدة رفع علم دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال العرض الذي أقيم في مدرسة راهبات الوردية في القدس، وتناول النزاعات الدولية.
وأوضح التجمع أنه "يُشجع العروض الثقافية والفنية التي تعكس التنوع وتعزز التفاهم والحوار بين الثقافات المختلفة. ومع ذلك، فإن رفع علم دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تواصل انتهاكاتها اليومية لحقوق الشعب الفلسطيني وتستمر في الاحتلال الظالم للأراضي الفلسطينية، يعد تجاوزا واضحا للمبادئ الأخلاقية وتربيتنا الوطنية".
استهداف القطاع التعليمي في مدينة القدس
ويعتبر قطاع التعليم في مدينة القدس أحد أبرز القطاعات التي تتعرض لهجمة مستمرة، تصاعدت وتيرتها هذا العام، بهدف ضرب الهوية الوطنية وإحلال هوية بديلة تتماشى وسياسات الاحتلال الاستعمارية.
وفي هذا الجانب قال رئيس هيئة مناهضة التهويد إن الاحتلال يعي تماما أن التعليم لا يقتصر فقط على المواد العلمية، إنما هو هوية وقيم وأخلاق وثوابت يتم تدريسها للأبناء حتى تتكون شخصيتهم، سيما وأنهم مستقبل هذه المدينة، وأظهرت الوقائع أن هذا الجيل لا يعترف بالاحتلال ولا يقبل به، لذلك يجري استهداف المدارس لأنها قلاع تحافظ على الهوية الوطنية.
وتابع: "أراد الاحتلال أن يشوه هذه الهوية الوطنية وأن يزورها وأن يبنيها بشكل تفقد فيه بوصلتها وتوجهها الحقيقي، بدءًا بتزوير الكتب المدرسية باتجاه تغيير كافة أشكال التعليم والتربية كما قام باستهداف النشاطات التي يتم تنفيذها داخل المدارس في فترة الدوام وبعده".
ويرى الهدمي أن هذا الاستهداف مفهوم وطبيعي جدا من احتلال إحلالي لا يريد للشعب الفلسطيني أن يبقى على ما هو عليه، سعيا منه في إذابة أهل مدينة القدس لأن يصبحوا أقلية هامشية لا تعبر عن هوية ولا تعبر عن توجه.
من جانبه قال الناطق الإعلامي باسم اتحاد المعلمين الفلسطينيين في القدس، أحمد الصفدي في لقاء خاص مع صحيفة الحدث إن هذه حالات فردية ولكن تعكس أن الاحتلال وبلديته ووزارة المعارف لا يكفون أيديهم عن المدارس وخاصة المدارس الأهلية التي تمولها، ذلك من خلال ربط موضوع التمويل في النشاطات الثقافية وهنا تكمن المخاطر. مضيفا أن هذا يعبر عن الأفكار المسمومة للاحتلال الذي يريد أن يطبّع في مدارسنا ويخترق الوعي، ويؤدي إلى تهويد الهوية والواقع الفلسطيني.
وأوضح الصفدي أنه مقابل ما يقوم به الاحتلال هنالك تصدٍ وعدم تكرار لهذه الحوادث، لذا من جانبنا الفلسطيني هي أحداث فردية ولكن من جانب الاحتلال هي محاولات لا تتوقف في كل أنواع المدارس، ما يعني أنه علينا التيقظ والانتباه لمثل خطورة هذه الأنشطة والتصدي لها.
وعرج الصفدي على أن الاحتلال منذ عام 1967 لم يكف عن عملية الأسرلة وتهويد التعليم، حينما أراد أن يفرض المنهاج الإسرائيلي مقابل المنهاج الأردني، ولكن بفعل تصدي المعلمين آنذاك ومنعهم لهذه الخطوة عبر الإضراب وغيره، أفشلوا مخططات الاحتلال.
وبحسب الناطق الإعلامي باسم اتحاد المعلمين الفلسطينيين في القدس؛ "عام 2011 حاول الاحتلال مرارا وتكرارا فرض المنهاج الإسرائيلي، لكن قوبل أيضا بتصدٍ من الكل الفلسطيني، إلا أنه لا يكف عن هذه المحاولات التي كانت آخرها ما حدث في مدارس الإيمان والإبراهيمية، من خلال محاولته سحب ترخيصها وربط تمويلها بفرض المنهاج الإسرائيلي إلا أن هذه المحاولات أيضا قوبلت بالمواجهة من قبل أولياء الأمور.
وأصدرت وزارة معارف الاحتلال، بتاريخ 28 تموز 2022، قرارا يقضي بسحب تراخيص كلية الإبراهيمية، وكافة مدارس الإيمان "للبنين والبنات" الابتدائية والثانوية، بحجة "التحريض عبر المناهج الدراسية".
وحسب وزارة معارف الاحتلال فإنه وجد في الكتب المدرسية "الواردة ذكره أعلاه" تمجيد الأسرى وكفاحهم المسلح في "دولة إسرائيل"، واتهامات بالمسؤولية عن أزمة المياه في السلطة الفلسطينية، والحديث حول القتل والترحيل.
وقالت وزارة المعارف إنه تم استدعاء مديري المدارس إلى جلسة استماع، وفي نهايتها تقرر، بتوجيه من وزير التربية والتعليم شاشا بيتون، سحب ترخيص "التشغيل الدائمة"، وبدلاً من ذلك إعطاء المدارس ترخيصًا مشروطًا لمدة عام واحد، من أجل تصحيح محتويات الكتب، وبعد التصحيح سيتم منحهم الترخيص الدائم.
وتسعى سلطات الاحتلال منذ سنوات لإقامة برامج ثقافية مشتركة مع الفلسطينيين ضمن خطتها التهويدية.
وفي هذا الجانب قال الباحث في شؤون التعليم في القدس زيد القيق في لقاء خاص مع صحيفة الحدث إنه منذ سنوات جرى طرح العديد من البرامج الثقافية، كالماراثون الرياضي المشترك بين طلبة من القدس وطلبة من المستوطنين، وتم طرح برامج ولقاءات مشتركة على مستوى مديري المدارس أو بين معلمي المدارس، موضحا أن هذه الأنشطة اللاصفية تحاول بثها وزارة المعارف منذ سنوات وفي العام الأخير وبحكم التصعيد الذي حصل برزت هذه المحاولات بشكل أكبر أمام العالم، إذ شهدنا أخيرا تنازل بعض المدارس وموافقتها على تقديم بعض الفقرات ضمن الأنشطة أو الفعاليات اللاصفية أو ضمن حفلات التخرج التي تتضح بصمة وزارة المعارف وسلطات الاحتلال الإسرائيلي فيها من خلال بث رسائل مشوشة تهدف إلى ضرب الهوية الفلسطينية والحقيقة الفلسطينية والقيمة الوطنية في عقل الطالب.
وبحسب القيق ظهرت خلال العام الدراسي الحالي العديد من لجان أولياء الأمور التي عبرت بالصوت عاليا عن رفضها لمنهاج الاحتلال، هذا الصوت الذي تجاهلته وزارة المعارف من خلال تحميل إدارات المدارس المسؤولية عن إدخال المناهج وأن هذا الموضوع متعلق بإدارة المدرسة ولا علاقة لولي الأمر فيه، إلا أن النشاطات اللاصفية الذي يشارك فيها هو الطالب والذي يقوم بها هو الطالب.
وتوجه القيق برسالة إلى أولياء الأمور، بعدم السماح لأبنائهم بالمشاركة بمثل هذه الأنشطة التي تبث رسائل تحاول تشويه القضية الفلسطينية في عقل الطالب.
غياب السلطة الفلسطينية وتحديات أخرى
وفي الوقت الذي تشهد فيه مدينة القدس عمليات تهويد وأسرلة تستهدف كافة القطاعات تركت السلطة الفلسطينية العاصمة، تواجه سلطات الاحتلال وحدها على كل الأصعدة بينها التعليم والهوية الوطنية الفلسطينية وفقا لرئيس هيئة مناهضة التهويد في القدس ناصر الهدمي.
ويرى الهدمي أن المدارس أصبحت مهملة ولا يتم دعمها بشكل جيد، ومضطرة لأن تواجه سياسات الاحتلال، مشيرا إلى أن غالبيتها وقعت في فخ المال المسموم الذي في البداية تم تقديمه للمدارس على أنه حق وأن هذا مال غير مشروط بأي شيء، ولكن شيئا فشيئا بدأنا نرى أن المدارس أصبحت تعتمد بشكل رئيسي على هذا المال وحينما شعرت سلطات الاحتلال بهذا، أصبحت تبتز المدارس من هذا المنطلق.
وأشار الهدمي إلى أن غياب مرجعية وطنية رسمية من السلطة كوزارة التربية والتعليم ومكتبها في القدس أسهم في هذا السقوط في الفخ، منوها أن الجهات الرسمية هي من اختارت ألا يكون لها دور بما يخص التعليم في مدينة القدس واتخاذ مواقف واضحة في هذا الموضوع.
وبحسب الهدمي فإن هذا الأمر يتطلب وجود مرجعية تتخذ موقفا صارما وإجراء مناسبا لهذه الخروقات، والموقف الموجود في القدس هو موقف شعبي يظهر عبر مبادرات فردية كما هو الحال دائما في كل قضايا مدينة القدس.
إلا أن هذه المبادرات وفقا للهدمي تصنع الرأي العام الشعبي في المدينة وهذا الرأي العام يتراكم شيئا فشيئا حتى يتلاشى في مراحل معينة أو يصبح موقفا رسميا من أهل المدينة، والوضع اليوم بات بحاجة إلى حملات توعية ووقفات ترفض هذا المسار نحو التطبيع مع الاحتلال والقبول بوجوده والسماح له بالتدخل في مناهجنا.
ويتطلب هذا الأمر وفقا للهدمي فعلا أهليا وشعبيا في مدينة القدس بالتعاون مع المدارس والشخصيات الفاعلة في المدينة من أجل إثارة الموضوع وجعله هم الشارع المقدسي، إلى جانب ضرورة وقوف الإعلام الفلسطيني والعربي عند دوره في إثارة هذا الموضوع وتوعية الفلسطينيين وتحريضهم لرفض تدخل الاحتلال في رسم الهوية الوطنية الفلسطينية بالذات في مدينة القدس.
من جانبه أوضح المختص في شؤون التعليم في القدس زيد القيق أن تحديات عديدة تواجه المنهاج الفلسطيني في القدس أبرزها تعدد المرجعيات السياسية الذي أفرغ العاصمة من وجود قيادة تتحمل توحيد القرار التعليمي المقدسي لمواجهة هذه الهجمة فنجد المدارس تواجه هذه الهجمة كل واحدة بشكل منفصل بعيدا عن المدارس الأخرى.
أما التحدي الثاني وفقا للقيق فيتمثل بالجانب المالي الذي يحتاج إلى مرجعية تعمل على توفير مخصصات مالية لهذه المدارس لتستغني عن الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي تزيح سيف المخصصات المالية المسلط على رقابها من قبل وزارة المعارف الإسرائيلية.
وعمل الاحتلال على دفع المدارس في القدس نحو القبول بالمخصصات المالية من خلال إجبارها على تطبيق القوانين المالية والضريبية الإسرائيلية، ما أرهق ميزانيات المدارس وأصبحت تتعرض لابتزاز مالي في هذا الجانب، وفقا للقيق.
نظرة رأسمالية إلى الانحدار التعليمي في القدس
في سياق متصل، خلص رئيس هيئة مناهضة التهويد في القدس إلى أن بعض مدراء المدارس باتوا يؤيدون هذا التوجه، كما أن بعض أولياء الأمور أصبحوا أكثر قبولا لهذا التوجه، بفعل المفاهيم المشوهة التي عمل الاحتلال على ترسيخها عبر السنين.
وأشار الهدمي إلى وجود إطار كامل وسياسة استراتيجية كاملة من قبل الاحتلال ومن قبل المدارس التي تجاوبت مع الاحتلال حتى أنه هناك مدراء مدارس يؤيدون هذا التوجه كما أنه بات يوجد توجه شعبي لدى أولياء الأمور، لرغبتهم تعلم المنهاج الإسرائيلي حتى يكونوا أقدر على دخول الجامعات العبرية وتحصيل وظائف أفضل فيما بعد.
واعتبر الهدمي أن هذا المفهوم لدى المدراء والأهالي مشوه وناقص لأنه يعتمد فقط على المكسب المادي للابن ويتجاهل حالة فقدان الهوية والكوارث التي ستجلبه عليه كشعب وكفرد فيما لو وصلنا إلى هذه المرحلة، حيث سيصبح الشاب الفلسطيني الذي مر بكل هذه المراحل من التشويه، مسخ، لا ينتمي إلى مجتمع ويبحث فقط عن مصالح مادية، والتي هي قضايا آنية وليست مضمونة.
نظرة قانونية إلى ملف التعليم
ولم يكتف الاحتلال بحربه الداخلية على القطاع التعليمي في القدس إنما توجه إلى البرلمان الأوروبي بطلب لوقف تمويل المنهاج الفلسطيني يزعم احتوائه على مضامين معادية للسامية.
وكان البرلمان الأوروبي قد أدان ما زعم أنه تحريض في كتب نظام التعليم الفلسطيني، باعتبارها تحتوي على مضامين معادية للسامية، داعيا إلى تجميد ميزانية السلطة الفلسطينية، وربط التحريض بزيادة العمليات التي ينفذها الطلاب الفلسطينيون، ورغم الجهود التي بذلها اللوبي الفلسطيني في البرلمان الأوروبي، فقد تمت الموافقة على النص المقدم بأغلبية كبيرة من النواب.
وحول هذا قال زيد القيق إن اتفاقية جنيف الدولية، تحديدا مادة رقم 24 و50 تنص صراحة على حق الشعوب المحتلة في تعلم منهاج يتناسب مع ثقافتها وأيضا أن يدرس هذه المناهج أشخاص من نفس الثقافة.
وأشار القيق إلى أن سلطات الاحتلال والبرلمان الأوروبي يحاولان التحايل على هذا القرار من خلال الادعاء أن محتوى المناهج الفلسطينية يحتوي على تحريض على الاحتلال الإسرائيلي، مستخدمين هذا الادعاء كغطاء لإلغاء المناهج الفلسطينية واستبدالها بإسرائيلية، إلا أنه وبعد مراجعة المنهاج الفلسطيني من قبل مختصين في التربية، تبين أن ما يحتويه من مضامين تأتي في سياق وصف الواقع، فعندما يتم التطرق إلى قضايا الأسرى وجدار الفصل العنصري وغيرها من القضايا، لا يكون هذا تحريضا.