"يا عيب الشوم عليك، يا عيب الشوم على طولك وعرضك، العيب فيك أنك جئتني زائرا لا محررا، العيب فيك أنك لبست لباسا أنيقا وظننت في نفسك أنك قد أصبحت رجلا، العيب في الأمة العربية التي تنتمي إليها، والعيب في الأمة الإسلامية التي أنت فرد منها".
بهذه الكلمات كما يقول عبد المجيد العلي (79 عاما) استقبلته أمه أرض فلسطين عام 1977 بعد أن تركها عام النكبة 1948 على وقع ما يقول الفلسطينيون إنها مجازر ارتكبتها ما يسمونها "عصابات صهيونية مسلحة".
العلي، الذي هُجّر عام 1948 من قريته "كويكات" في قضاء عكا بلواء الجليل الشمالي على بعد 20 كم من الحدود اللبنانية الجنوبية، زار قريته عام 1977 ضمن عمله مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فاستقبلته أرضه بخطاب لا يزال محفوظا في ذاكرته حتى اليوم.
العلي كان عمره 12 عاما حين أٌخرج من بيته، ويحتفظ اليوم بحجر صغير أخذه من ركام بيته المدمر في فلسطين، مع جزء من منكوش (معول) كان يستخدم في فلاحة الأرض ليقول للعالم "مازلنا متمسكين بأرضنا وبحق العودة إليها"، على حد قوله.
اللاجئي الفلسطيني الذي يعيش في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في ضاحية بيروت الجنوبية، يقول في مقابلة مع الأناضول إن "اليهود احتلوا الأرض وهدموا البيوت ودنسوا المقدسات".
والغصة تملأ صدره وتكشف عنها ملامح وجهه، يتحدث العلي عما جلبه معه من بيته المدمر: "هذا حجر من أحجار بيتنا المقام فوق أرضنا، وهذا منكوش كان ينكش به آباؤنا أرضَنا، نحن أصحاب البيوت وأصحاب الأرض، وأصحاب المقدسات".
ويقص العلي، الذي عايش النكبة ولا يعرف اليوم جديدا عن بيته في فلسطين، تفاصيل تلك المرحلة بقوله: "كنا في بلادنا وأراضينا التي ورثناها أبا عن جد، حيث يعود تاريخها إلى 5 آلاف سنة.. كنا نعيش قبل النكبة في قريتنا مع مجموعة من اليهود، يبعدون عنا مسافة ساعة مشيا على الأقدام، وكانوا آمنين، فنحن كعرب ومسلمين ديننا ينهانا أن نعتدي على أحد".
وأشار إلى أن "الاحتلال البريطاني لفلسطين، الذي بدأ عام 1917، هو الذي غذى روح الضغينة والكره بين المسلمين والنصارى واليهود في فلسطين.. بريطانيا هي التي شجعت وقادت هجرة اليهود من مختلف دول العالم الى أرض فلسطين".
هذه الخطوات من قبل بريطانيا يرى العلي أنها "أتت بعد أن كان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني رحمه الله (31 أغسطس/ آب 1876 - 27 أبريل/ نيسان 1909) قد رفض إعطاء اليهود حبة تراب واحدة من أرض فلسطين".
وتابع بقوله إن السلطان عبد الحميد "رفض أيضا أموالا طائلة من قبل اليهود من أجل أن يشتروا أرضا في فلسطين، ويقيموا عليها مستشفى، التي كانت ستكون الحجة الكاملة للتمليك والتمدد".
ويعتبر العجوز الفلسطيني أن "ما سهل تطبيق المخطط البريطاني بإقامة بلد قومي لليهود على أرض فلسطين هي المؤامرة والخيانة التي تعرضت لها الدولة العثمانية وإخواننا العثمانيين والأتراك، خاصة من الشريف حسين (هو حسين بن علي الهاشمي مؤسس المملكة الحجازية الهاشمية والذي نادى باستقلال العرب عن الدولة العثمانية)، الذي وعده البريطانيون بملك كبير على العرب، وخدعوه".
ويرفض العلي وصف الوجود العثماني الذي كان على أرض فلسطين بأنه "استعمار"، فهو يعتبره "وصف غربي لئيم لا نرضى به".
ومضي قائلا إن "الاحتلال البريطاني كان يحظر على الفلسطينيين حمل أي سلاح حتى مجرد سكين، فيما كان يعمل على تدريب اليهود على أرض فلسطين على مختلف أنواع الأسلحة والآليات العسكرية مع مدهم بالسلاح".
وأوضح أنه "مع إعلان الحكومة البريطانية الانسحاب من أرض فلسطين في 14 أيار (مايو) 1948، كانوا (البريطانيون) قد هيأوا اليهود لاستلام المواقع والسلاح، إضافة إلى استئجار مرتزقة قادوا حينها 100 طائرة لقصف الشعب الفلسطيني الذي لم يكن يملك من السلاح إلا سلاح الصيد".
ولفت العلي، الذي يزين بيته بصورة خريطة فلسطين وصورة المسجد الأقصى، إلى أنه "بعد هذه التطورات تنادى الشعب الفلسطيني لمقاتلة العدو الجديد الذي يريد أن يحتل أرضه بمساعدة بريطانيا، فانطلقت مقاومة الشعب الفلسطيني على وقع مجازر شنيعة ارتكبها اليهود من أجل إجبار الفلسطينيين على ترك أراضيهم والهرب".
وزاد بأنه "عندما وصل اليهود إلى مشارف قريتنا كويكات، اتفق الرجال على أن يُخرجوا النساء والأطفال من القرية ليتفرغوا للعمليات الدفاعية.. وهذا ما كان.. قصفونا بالمدفعية وأطلقوا النار علينا بالرشاشات، ونحن لا نملك إلا الحراب وبنادق الصيد.. كيف كنا سنواجههم؟!".
وتابع أنه "في ظل هذه الأوضاع، خرجنا من قريتنا، وكان عمري 12 عاما، إلى قرية قريبة منا سكانها من الإخوة النصارى، حتى أمر اليهود هذه القرية بإخراج من لجأ إليهم، وكون لبنان هو البلد الأقرب لنا فتوجهنا إليه".
العلي تحدث عن فترة بدء السكن في لبنان قائلا "مكثنا في قرية العباسي في جنوب لبنان 7 أعوام، حتى أقامت وكالة الأونروا مخيما للاجئين الفلسطينيين في منطقة برج البراجنة، فانتقلنا إليه ومازلنا نسكن فيه منذ عام 1955".
ومضى بالقول: "سكنا بداية في خيام على أرض رملية حتى بدأ هذا الوضع في التحسن مع السنوات، ووصلنا اليوم إلى مبان، ولكن تفتقد لكثير من مقومات الحياة الكريمة".
وبعد 67 عاما على النكبة لا يزال كثير من اللاجئين الفلسطينيين، والعلي واحد منهم، ينتظرون يوما يعودون فيه إلى أراضيهم المحتلة عام 1948.
العلي لا يعتقد أن هذا اليوم قريب، حيث رأى أنه "في عام 1948 كانت المؤامرة على الشعب الفلسطيني من قبل اليهود بمساعدة بريطانيا ودول أوروبية وبعض حكام العرب (دون تحديد)".. واليوم بعد 67 عاما من النكبة لا يزال الأمر كما هو، ولا يزال بعض حكام العرب يتآمرون مع أمريكا ضدنا، وإلا ما بالهم على مدى 67 عاما لم يهيئوا أنفسهم لقتال هذا العدو الذي اغتصب منا الأرض والبلاد والمقدسات؟!".
ورأى أيضا أن "الشعب الفلسطيني يجاهد ويقاتل عدوه على أرض فلسطين، لكنه لن يستطيع التغلب عليه بمفرده.. للنصر أسبابه، أهمها الوحدة في الصف والكلمة والموقف، والإخلاص، وإعداد العدة".
واستغرب العلي مما يرى أنه "تلهي بعض الحكام العرب عن قتال إسرائيل بقتال شعوبهم.. نتعجب كيف أن المدفعية والصواريخ والبراميل المتفجرة تصب على رؤوس وبيوت وممتلكات مدنيين في دولة عربية (يقصد سوريا) تجاور اليهود المحتلين في (منطقة) الجولان (السورية المحتلة إسرائيليا)، مع العلم أن طلقة رصاص واحدة لم تطلق في أرض الجولان"، في إشارة إلى نظام بشار الأسد في سوريا.
المصدر: وكالة الأناضول