السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تحديات وحلول لمشاركة شرقي القدس في انتخابات برلمانية ورئاسية فلسطينية مقبلة

هبة الحسيني، دكتوراه في القانون

2023-07-06 10:57:29 AM
تحديات وحلول لمشاركة شرقي القدس في انتخابات برلمانية ورئاسية فلسطينية مقبلة
أرشيفية

مقدمة:

أجريت كل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية للسلطة الفلسطينية مرتين منذ عام 1996، وكان آخرها في عامي 2005 و2006 على التوالي. في عام 2021 أعلن الرئيس محمود عباس (الذي انتخب في عام 2005 لولاية مدتها خمس سنوات، تم تمديدها في عام 2009) أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية ستجرى في الربيع والصيف في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.  تم تحديد حق سكان القدس الشرقية في الانتخاب في اتفاقيات أوسلو.   لكن في نيسان/أبريل 2021، وقبل شهر واحد فقط من الموعد المقرر لتوجه الفلسطينيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس تشريعي فلسطيني جديد، أعلن عباس تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، مدعيا رفض دولة إسرائيل السماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية وبعد مرور عامين، لا يزال هذا التأجيل مستمرا، على حساب حق الناخبين الفلسطينيين في حكم أنفسهم واختيار قيادتهم. لم يصوت الكثير من المواطنين الفلسطينيين أبدا في انتخابات وطنية بعد أن بلغوا 18 عاما بعد عام 2006.

ستسلط هذه الورقة الضوء على التحديات الحرجة التي تواجه الانتخابات المستقبلية في القدس الشرقية، وتحديدا تعاون إسرائيل (أو عدم تعاونها) في إجراء الانتخابات، والمشاركة السياسية لسكان القدس الشرقية (بما في ذلك العقبات التي يواجهها سكان القدس الشرقية في المشاركة في العملية السياسية). وستقوم بعد ذلك بتقييم الخيارات أو الحلول المتاحة لصانعي القرار الفلسطينيين والمجتمع الدولي للتغلب على هذه التحديات.

1) خلفية:

عندما أجل الرئيس عباس الانتخابات في نيسان/أبريل 2021، أشار إلى رفض إسرائيل السماح بإجراء انتخابات في القدس الشرقية. خلال الجولة الأخيرة من الانتخابات التشريعية في عام 2006، قلصت إسرائيل الانتخابات من خلال السماح فقط لسكان القدس الشرقية بالتصويت في ضواحي المدينة وفي مكاتب البريد. مع استمرار احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، والإصرار على أنها جزء من "العاصمة الموحدة" التي يحظر فيها النشاط السياسي الفلسطيني، كان من غير المرجح أن يكون مثل هذا الحل الوسط ممكنا لو جرت الانتخابات في عام 2021. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قالت إن الانتخابات هي "قضية فلسطينية داخلية، وأن إسرائيل ليس لديها نية للتدخل فيها أو منعها"، فمن المرجح أن يكون الواقع مختلفا تماما. ومن المفيد الإشارة أيضا إلى أن ذلك القول لم يترافق مع بيان تأييد لحق الناخبين الفلسطينيين في انتخاب ممثليهم السياسيين، أو ما شابه ذلك. لو كان عباس قد مضى قدما في إجراء الانتخابات، وهو يعلم أنه لن يصوت أي من سكان القدس الشرقية لممثليهم السياسيين، لكان من الممكن تفسير ذلك على أنه قبول من السلطة الفلسطينية بالاحتلال والضم غير القانوني للقدس الشرقية.

ومع ذلك، رفضت جميع الفصائل الفلسطينية الأخرى تقريبا قرار الرئيس عباس، بل وصفت حماس التأجيل بأنه "انقلاب". كان هناك شعور بين بعض معارضي عباس وحركة فتح بأن عدم تعاون إسرائيل هو مجرد ذريعة للتغطية على الانقسامات الداخلية داخل حزب عباس. فالرئيس يواجه منافسة شديدة من بعض الجماعات المتحدية لسيطرته على حركة «فتح» بقيادة أفراد من بينهم مروان البرغوثي (الذي يقضي حاليا خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة في سجن إسرائيلي)، وناصر القدوة (ابن شقيق ياسر عرفات)، ومحمد دحلان (رئيس الأمن الوقائي السابق). وصف دحلان التأجيل بأنه "غير قانوني" وأنه إجراء اتخذه رئيس "فقد شرعيته". وقد أشير إلى البرغوثي، على وجه الخصوص، كمرشح مفضل للناخبين الفلسطينيين في استطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.ومن المحتمل أن يكون عباس قد كان قلقا من أن فوز حماس قد يضعف فتح ويقسمها لمجموعات متنافسة، أو أن يفقد مكانته كرئيس لحركة فتح وللسلطة الفلسطينية.

وقد يكون التخوف من احتمال فوز «حماس» قد أدى لتبلور ضغوط دولية وإقليمية لتأجيل الانتخابات. فقد ذكرت صحيفة القدس أن عباس واجه ضغوطا عربية وأمريكية لتأجيل التصويت، خوفا من فوز حماس  وكانت حماس قد انتصرت على فتح في انتخابات عام 2006، وسيطرت منذ 2007 بحكم الأمر الواقع على قطاع غزة. وفوق كل ذلك، فإن حركة حماس موصوفة كجماعة إرهابية من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

2) التحديات الرئيسية لإجراء الانتخابات في القدس الشرقية

رفض إسرائيل للتعاون

إن احتمال إجراء أي انتخابات فلسطينية في القدس الشرقية في المستقبل يتضاءل مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي وقيامها بضم أجزاء من الضفة الغربية، وكلما تعزز الافتراض بأن الحكومة الاسرائيلية ستتدخل أو تمنع إجراء الانتخابات.  زادت الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2006 من توسعها العدواني في القدس الشرقية وتتميز الحكومة المنتخبة مؤخرا، بقيادة بنيامين نتنياهو، بمواقف متطرفة تدعو للمزيد من الضم وتعميق الاحتلال.

في انتخابات عام 2006، أظهرت الحكومة الإسرائيلية عدم رغبتها في السماح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في القدس الشرقية. وحظرت افتتاح مراكز للتصويت والاقتراع، مما أجبر الناخبين على الإدلاء بأصواتهم في مكاتب البريد في القدس حيث كانت الشرطة الإسرائيلية تشرف عليها. وعلى الرغم من أن الأثر الفعلي لهذا السلوك المقيد لحرية التصويت غير مؤكد، فإنه يمكن للمرء أن يفترض أن هذا الإشراف من قبل شرطة الاحتلال خلق جوا عدائيا يثبط المشاركة الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، تمت مداهمة جميع مكاتب حماس وإغلاقها، وحرم مرشحو حماس من الإذن بالقيام بحملاتهم الانتخابية.

قبل انتخابات 2021 المفترضة، ذكرت الحكومة الإسرائيلية أنه ليس لديها "خطة" للتدخل في الانتخابات، لكنها رفضت التعليق على وضع القدس، ولم تصدر أي بيان دعم للانتخابات أو حق المجتمع الفلسطيني في انتخاب ممثليه. كان ينبغي أن يكون هذا هو الرد الأساسي على أي أسئلة حول الانتخابات. ويدعي الرئيس عباس أن المسؤولين الإسرائيليين قد أبلغوه مباشرة بأنه لن يسمح بإجراء الانتخابات، ولكن لا يمكن التحقق من صحة هذا الادعاء.

تنص القوانين الإسرائيليين الراهنة على حظر كافة الأنشطة السياسية المرتبطة بالسلطة الفلسطينية في القدس. ومن غير المرجح أن يتغير هذا الوضع، وهذا بالطبع بالإضافة إلى حظر حملات «حماس» ومشاركتها في الانتخابات في المستقبل المنظور.

مثل هذا العقبات تجعل الانتخابات المستقبلية صعبة لأسباب عدة. يمكن للمرء أن يتوقع مستويات كبيرة من الاضطراب في أي عملية تصويت، إما عن طريق تكرار أساليب التضييق المستخدمة في عام 2006، أو عن طريق التصعيد حيث يتم منع ناخبي القدس الشرقية من التصويت في المدينة تماما. يمكننا أن نفترض أن الناخبين قد يمنعون أيضا من التنقل إلى خارج المدينة للتصويت. ومن المرجح أن يقترن هذا التضييق باستخدام القوة والعنف لتحقيق أقصى قدر من الاضطراب. إن الوجود الفعلي للقوات الإسرائيلية، بغض النظر عما إذا كانت تستخدم القوة أم لا، هو عمل من أعمال التخويف السياسي. إنه تذكير مرئي بمن يمسك بالسلطة في المدينة، وتذكير بالعنف الذي استخدمته هذه القوة في الماضي. وعلاوة على ذلك، فإن الإشراف على التصويت من قبل الشرطة الإسرائيلية المسلحة يعزز إنكار الدور السياسي الفلسطيني ويؤكد الصورة النمطية الاستعمارية التاريخية بأن فلسطين مجتمع "غير متحضر" يتطلب إشرافا ناضجا (أي غربيا) ليتطور إلى دولة تتمتع بالحكم الذاتي، كما حددها الانتداب الأصلي لعصبة الأمم في عام 1923.

وقد يؤدي هذا التدخل أيضا إلى تطرف المجتمع الفلسطيني في القدس الشرقية، إذ كلما طالت مدة حجب الانتخابات عن الناخبين، زاد احتمال تبني الناخبين لأساليب التغيير غير السلمية، حيث ينظر إلى الأساليب الديمقراطية على أنها ميؤوس منها.

غياب الثقة بالنظام السياسي

إذا جرت أية انتخابات في القدس الشرقية، فستصعد للسطح مشكلة خطيرة تتعلق بالمشاركة السياسية والإيمان بإمكانية التغيير التشريعي. في استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في عام 2022، قال 93٪ من سكان القدس الشرقية إنهم لم يشاركوا في الانتخابات الفلسطينية السابقة. وكان العديد من المجيبين أصغر من أن يصوتوا في عام 2006. لكن الأهم من ذلك أن 6٪ فقط قالوا إنهم سيشاركون في انتخابات فلسطينية مستقبلية. هذا انخفاض بمقدار 33 نقطة مئوية عن نسبة الذين قالوا من بين سكان القدس الشرقية إنهم سيشاركون في استطلاع للمركز نفسه في عام 2010. وحقيقة أن هذه المشكلة قد تفاقمت على مدى عقد من الزمان تظهر استياء متزايدا من السلطة الفلسطينية. كانت هناك زيادة بمقدار 22 نقطة في التصور بأن السياسيين غير مؤثرين ولا يمكنهم مساعدة سكان القدس الشرقية. من المعقول أن نفترض أن تأجيل الانتخابات في عام 2021 لم يؤد إلا إلى زيادة هذه المخاوف.

من المهم الإشارة إلى أن الانخفاض في الدافعية للمشاركة لا يقابله ارتفاع مماثل في نسبة الاعتقاد بفائدة الانتخابات الإسرائيلية، حيث أن لهذه الانتخابات مستويات مشاركة مماثلة (95٪ من المستطلعين قالوا إنهم لم يشاركوا في انتخابات الكنيست أو الانتخابات البلدية). ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن هناك انخفاض بمقدار 12 نقطة في نسبة سكان القدس الشرقية الذين يؤكدون على مقاطعة الانتخابات البلدية أو انتخابات الكنيست الإسرائيلية على أساس أن الاحتلال يجعل هذه السلطة غير شرعية. قد لا يعني هذا أن هؤلاء المستطلعين ينظرون الآن إلى السلطة الإسرائيلية على أنها شرعية، بل يمكن أن يشير إلى انهيار الاعتقاد بأن المقاطعة جديرة بالاهتمام أو فعالة وتعزيز فكرة أن سكان القدس الشرقية يجب أن يحاولوا جعل الأمور تعمل في ظل الاحتلال الحالي.

وإلى جانب الانخفاض في عدد المشاركين الذين قاطعوا الانتخابات بسبب الاحتلال، هناك انخفاض مقابل في عدد المستطلعين الذين كانوا على استعداد للتصويت في الانتخابات الإسرائيلية في حال طلبت السلطة الفلسطينية منهم ذلك. في عام 2010، قال 23٪ من المستجيبين إنهم سينفذون الطلب.  أما في عام 2022 ، فقال ذلك 3٪ فقط، وهذا يشير إلى انهيار كبير في مكانة السلطة الفلسطينية في القدس الشرقية.

وإذا افترضنا أن هذه الاتجاهات ستتأكد في حال إجراء انتخابات رئاسية أو تشريعية في المستقبل القريب، فإن نسبة إقبال أقل من 10 في المائة في القدس الشرقية ستضر بشكل لا يصدق بشرعية السلطة الفلسطينية أو الرئيس المنتخب حديثا. لذلك من الضروري محاولة معالجة مثل هذه المخاوف قبل الانتخابات.

في ظروف مثالية، مثلا في حال خففت فيه الحكومة الإسرائيلية قيود الاحتلال المشددة وسمحت بإجراء الانتخابات، من المرجح أن يخفف ذلك من الرأي القائل بأن مسؤولي السلطة الفلسطينية لا يستطيعون مساعدة القدس الشرقية. ومع ذلك، فإن احتمال حدوث ذلك ضئيل.  وثمة عامل آخر هو عدم قدرة المرشحين على الوصول إلى سكان القدس الشرقية لأن إسرائيل لن تسمح لهم بالقيام بحملة انتخابية هناك. وبالتالي، فإن التأثير المحتمل لهذه الانتخابات وهؤلاء المرشحين على القدس الشرقية كدائرة انتخابية يبقى غير واقعي وغير مؤكد بالنسبة لسكان القدس الشرقية.  لا يمكن معرفة ما إذا كان سيتم الاستماع إلى هذه المخاوف أم لا. ومن المرجح أن القضايا المتعلقة بجودة المرشحين لا يمكن تغييرها بشكل جاد إلا بمرور الوقت والانتخابات المتتالية حيث يثبت المسؤولون أنفسهم للناخبين على أنهم جديرون بالثقة وقادرون على إجراء تحسينات ذات مغزى في حياة سكان القدس الشرقية.

عقبات أخرى أمام المشاركة السياسية

بصرف النظر عن التدخل الإسرائيلي وعدم الثقة بالنظام السياسي الفلسطيني، هناك مشاكل إضافية – مرتبطة إلى حد كبير باحتلال القدس الشرقية –يمكن أن تقوض المشاركة السياسية في الانتخابات.

يواجه سكان القدس الشرقية انتهاكات يومية لحقوقهم في حرية التنقل والتعبير والتعليم. هذه أداة قوية للحكومة الإسرائيلية لإحداث تقليص تدريجي على شعور الفلسطينيين بالهوية وتقرير المصير والحرية. إن التأثير التراكمي لذلك في النظام الديمقراطي مدمر بشكل لا يصدق حيث يستسلم الناخبون لقبول الاضطهاد، أو على الأقل لأن يتعبوا من الاحتجاج - على اضطهادهم.

كما تم تقييد التعليم وتعطيله من قبل الاحتلال، مع فرض رقابة خاصة على المواد التعليمية التي تشير إلى الهوية الوطنية الفلسطينية. وهذا يشكل مشكلة للمشاركة السياسية إذ من الذي سيغرس في الأطفال الشعور بالمسؤولية المدنية للمشاركة في العمليات الديمقراطية.

ويشكل تقييد حرية التنقل تحديا خاصا. فحتى لو سمح بالتصويت المحدود في مكاتب البريد، على سبيل المثال، فإن هذا سيقتصر بشكل أكبر على أولئك الذين يمكنهم أخذ إجازة من العمل للسفر ولديهم الوسائل للقيام بذلك.

3) الخيارات السياساتية:

في ضوء التحديات الحرجة آنفة الذكر، هناك العديد من الخيارات المتاحة لواضعي السياسات للنظر فيها:

تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى:

الخيار الأول الذي يجب النظر فيه هو استمرار الوضع الراهن، أي تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى أجل غير مسمى، حتى يمكن ضمان إجراء الانتخابات في القدس الشرقية دون تدخل إسرائيلي كبير.

يجب تجنب هذا الخيار بأي ثمن. إن. التبرير الرئيسي لهذا الخيار هو أنه في إجراء الانتخابات من دون القدس الشرقية، ستكون السلطة الفلسطينية، أو يمكن أن تفهم على أنها تقبل ضمنيا الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وتتخلى عن حقوق سكان القدس الشرقية.

ومع ذلك، فإن السلطة الفلسطينية، باتخاذها موقفا ضد التدخل الإسرائيلي، تضمن استمرار حرمان بقية الناخبين الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير والمشاركة في الانتخابات. تأثير هذا يمكن أن يكون كارثيا. لقد فازت حماس بالفعل في الانتخابات السابقة للسلطة الفلسطينية ، وتخاطر فتح بتنفير الناخبين منها، وخاصة إذا اعتقدوا أنها تصرفت لما فيه مصلحتها الحزبية الذاتية. وكما قال النقاد بعد التأجيل، يمكن اتهام فتح بالسماح لإسرائيل فعليا باستخدام حق النقض (الفيتو) على الانتخابات الفلسطينية.

علاوة على ذلك، يجب على السلطة الفلسطينية أن تثبت قدرتها على الإدارة الحكومية الفاعلة وعلى الالتزام بالقانون الدولي وإجراء انتخابات منتظمة. وهذا أمر جوهري لتعزيز الدعم الداخلي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتوحيد الفلسطينيين خلف مؤسساتهم الوطنية، ولكن أيضا لحشد الدعم الدولي كدولة قادرة على حكم نفسها وكلاعب مساو لإسرائيل.

وتبقى الحقيقة الأساسية هي أن الانتخابات لم تحدث منذ عام 2006، وأن نسبة كبيرة من الناخبين الفلسطينيين تتراوح أعمارهم اليوم بين 18 و34 عاما، مما يعني أنهم لم يصوتوا أبدا في الانتخابات الفلسطينية. وهذا واقع غير مقبول ولا يضمن إلا استمرار خيبة الأمل السياسية ويضعف شرعية السلطة الفلسطينية وبالتالي يقلل من قدرتها على الحكم.

إجراء الانتخابات بدون القدس

هناك عدة بدائل للتأجيل إلى أجل غير مسمى. الأول هو المضي قدما في كل من الانتخابات التشريعية والرئاسية بغض النظر عما إذا كانت إسرائيل تسمح بإجرائها في القدس الشرقية. كما ذكرنا سابقا، هناك جوانب سلبية واضحة لإجراء هذه الانتخابات مع العلم أن عددا كبيرا من الناخبين لن يتمكنوا على الأرجح من التصويت، ومن المؤسف أن السلطة الفلسطينية يمكن أن ينظر إليها في هذه الحالة على أنها مسؤولة عن حرمان سكانها من التصويت.

ومع ذلك، من الأهمية بمكان أن يتأسس المجلس التشريعي الفلسطيني، وأن يتم انتخاب رئيس بولاية جديدة. إن وجود دليل على أن التصويت قد تم قمعه يمكن أن يوفر للمجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب حديثا نقطة انطلاق قوية في وضع أجندة سياسية قوية تقف في وجه العدوان الإسرائيلي. ويمكن اتخاذ إجراءات رمزية لتمثيل الممثلين المفقودين من القدس الشرقية، مثل ترك المقاعد فارغة.

إجراء الانتخابات مع القدس:

ثمة خيار آخر لا يتمثل في المضي قدما في الانتخابات فحسب، بل أيضا محاولة إجراء شكل من أشكال التصويت في القدس الشرقية. كان هذا هو الخيار المفضل لحماس في عام 2021. صرحت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية قبل أيام من قرار عباس أنها تعتقد أن ما يقرب من 150,000 ناخب فلسطيني ممن يحق لهم حق الاقتراع من ضواحي القدس الشرقية (ما يقرب من نصف سكان المدينة الفلسطينيين) لن يحتاجوا لموافقة إسرائيل من أجل أن يتمكنوا من لتصويت. قد تكون هذه فرصة عظيمة لإظهار المقاومة وخاصة إذا حضرت أعداد كبيرة للتصويت على الرغم من التهديدات الإسرائيلية.

ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا عملا استفزازيا خطيرا يؤدي إلى العنف في جميع أنحاء القدس وربما في أماكن أخرى. ومن المرجح أن تشهد اعتقالات جماعية لأي شخص يحاول تسهيل الانتخابات في القدس الشرقية. ولن تكون هذه هزيمة نفسية قوية للسلطة الفلسطينية فحسب، بل يمكن أن تزيد أيضا من زعزعة استقرار السلطة الفلسطينية إذا تم اعتقال أعداد كبيرة من المسؤولين، مما يحول دون القدرة التشغيلية للسلطة الفلسطينية.

تشجيع الإسرائيليين على التعاون:

بطبيعة الحال، سيكون السيناريو المثالي هو أن تسمح إسرائيل بإجراء تصويت كامل وحر ونزيه في القدس الشرقية. ولتمكين حدوث ذلك، من المرجح أن يتطلب الأمر ضغطا دوليا أقوى بكثير على إسرائيل للسماح بإجراء الانتخابات، والتزاما أكبر من المجتمع الدولي بالدفاع عن حق السكان الفلسطينيين في الديمقراطية. ويمكن أن يتخذ ذلك شكل التزام المجتمع الدولي بالعمل مع السلطة المنتخبة (على الأرجح مع التحذير من أنها يجب أن تلتزم بالقانون الدولي). وربما يكون هذا الالتزام ضروريا لحشد دعم الأطراف الدولية مثل الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر حماس جماعة إرهابية. وللحصول على دعم الولايات المتحدة، ربما يتعين إجراء انتخابات عاجلا وليس آجلا بينما لا يزال الديمقراطيون يسيطرون على الرئاسة، حيث من المفترض أن تشهد عودة دونالد ترامب (أو مرشح مماثل) إلى البيت الأبيض موقفا أكثر تأييدا لإسرائيل.

ويتعين على المجتمع الدولي أن يكون واضحا في تحديد العواقب إذا تدخلت إسرائيل في الانتخابات؛ وينبغي تطبيق هذه العقوبات بحزم إذا لزم الأمر. وكما أشار عباس نفسه في خطابه أمام الأمم المتحدة في أيار/مايو 2023 في الذكرى ال75 للنكبة، كان هناك أكثر من ألف قرار للأمم المتحدة بشأن فلسطين ولكن لم يتم تنفيذ أي منها على الإطلاق. وإذا استطاع المجتمع الدولي أن يحدد العواقب ويطبقها، فقد تكون هذه لحظة حاسمة لاستعادة الشعور الفلسطيني بالثقة في المؤسسات الدولية.

يواجه هذا الخيار مشاكل كبيرة تتعلق بمدى واقعيته. لا يستطيع صانعو السياسات الفلسطينيون إجبار الجهات الدولية الفاعلة على اتباع خط العمل هذا. يركز المجتمع الدولي حاليا إلى حد كبير على الحرب في أوكرانيا ولا ينظر إلى فلسطين على أنها أولوية عالية. ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا هو المكان الذي يركز فيه المجتمع الدولي جهده في الضغط والدبلوماسية، لأن هذا هو الخيار الأكثر واقعية في أن يجلب تعاونا من إسرائيل.

 

معالجة الدوافع الأخرى لتأجيل الانتخابات:

تستند جميع الخيارات المذكورة أعلاه إلى افتراض أن عباس كان صادقا في تبريره لتأجيل الانتخابات. ومع ذلك، إذا افترضنا أن منتقديه محقون في تسليط الضوء على المخاوف من فوز «حماس» والتحديات المحتملة من داخل «فتح»، فهناك خيارات أكثر جدوى لصانعي القرار للنظر فيها.

لقد اتخذت فتح وحماس بالفعل خطوات لتحسين الأوضاع بينهما. اعتبارا من عام 2022، وافقت جميع الفصائل ال 14 على إجراء انتخابات وطنية في غضون عام.  ووعدت كل من فتح وحماس بأن هذا لن يكون وعدا فارغا آخرا لن يتم الوفاء به، ولكن الوقت وحده سيكون الحكم. يمكن لصانعي القرار أيضا ممارسة الضغط على حماس وأي فصيل آخر يدعو إلى استخدام القوة كأداة سياسية للالتزام باتباع القانون الدولي إذا تم انتخابه.

إن الانقسام الداخلي في حركة فتح ليس شيئا يمكن معالجته مباشرة من قبل صانعي القرار، لكن يمكنهم ممارسة الضغط على فتح لإقناعها بوضع مصلحة البلاد أمام مصلحة الحزب، الأمر الذي قد يجني ثماره.

 

معالجة قضية المشاركة السياسية:

كما هو مبين في بداية هذه الورقة، حتى لو أجريت الانتخابات، فإن السلطة الفلسطينية تواجه تحديا صعبا يتمثل في عدم الرغبة لدى سكان القدس الشرقية في المشاركة السياسية. إن من الصعب على صانعي القرار محاولة معالجة هذا الأمر دون إعطاء وعد ثابت بإجراء الانتخابات في المستقبل. كما أن المشاكل المتعلقة بتقييد الحقوق، لا سيما حرية الحركة والعمل السياسي والتعليم ، صعبة بشكل خاص. ومع ذلك، فإن أحد المجالات التي يمكن معالجتها هو الفساد والثقة في القادة السياسيين. ويمكن لصانعي القرار أن يركزوا طاقاتهم على ضمان قدر أكبر من المسؤولية والمساءلة في الحكومة، وبالتالي بناء الثقة تدريجيا في السياسيين والمؤسسات العامة.

 

4) الخلاصة:

إن احتمال إجراء انتخابات مستقبلية في القدس الشرقية وفلسطين هو احتمال قاتم. تواجه السلطة الفلسطينية الصعوبات في جبهتين منفصلتين: إسرائيل واللامبالاة السياسية، ويجب إزالة كليهما أو معالجتهما من أجل إجراء الانتخابات بنجاح.

على المدى القصير، ينبغي على صانعي القرار أن يركزوا غالبية جهودهم على إقناع حركة «فتح» بإجراء شكل من أشكال الانتخابات في أقرب وقت ممكن، بموافقة إسرائيل أو بدونها. كما أن الضغط على المجتمع الدولي للحصول على دعم أكبر يمكن أن يجني ثماره، على الرغم من أن احتمال حدوث أي تحول كبير في الوضع الراهن ضئيل. وعلى المدى الطويل، يجب على صانعي القرار معالجة اللامبالاة الخطيرة تجاه المشاركة السياسية. إن إجراء الانتخابات من شأنه أن يقلل جزئيا من هذه اللامبالاة، لكنه لن يحلها تماما.