تتشابه الظروف الحالية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني إلى حد بعيد مع ظروف ما قبل انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، من مصاعب اجتماعية، واضطرابات في الحالة الأمنية، وشعور الفلسطيني بعدم الأمان، والأعباء الاقتصادية المتصاعدة، وسيطرة نخب المال على مقاليد القرار.
وقد كرست الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة جل جهودها لإحداث فجوة ثقة في العلاقة بين المواطن الفلسطيني، ومكونات الدولة الفلسطينية بكافة الوسائل الممكنة وعلى رأسها افتقاد الدولة قدرتها على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها الأساسية عبر الحسم الدائم من مواردها المالية "المقاصة والعوائد الضريبية"، وافقاد المواطن الفلسطيني شعوره بالأمان في ظل دولته عبر تكريس الاقتحامات للمناطق الخاضعة لولايتها، وآثارة الفئوية والنعرات والانقسامات والتغاضي عن التسلح المرتبط بالاقتتال الداخلي، لتكريس صورة مهزوزة عن تلك الدولة، عبر ضرب نواتها.
وقد سعى الاحتلال لضرب روافع الدولة الفلسطينية، بتعطيل العملية الديمقراطية عبر تغذية الانقسام بين الضفة وغزة، وعزل القدس الذي أسهم في تعطيل الانتخابات العامة للإبقاء على الوضع الراهن، في ظل استمرار التغول الاستيطاني وتمدده في الأراضي الفلسطينية.
وقد استحسن الاحتلال هذه السياسة حتى أصبح التضييق على الفلسطيني مكوناً أساسياً في تكوين أي حكومة إسرائيلية، وضمانة أساسية لاستمرارها، ما فتح المجال واسعاً أمام اليمين المتطرف للاستحواذ على دعم غالبية الناخبين الإسرائيليين ظناً في أن هذه الطريقة تشكل ضمانة استقرار في مجتمعهم.
ساهمت هذه السياسات إلى حد كبير في إيجاد حالة غضب كامنة في نفس الفلسطيني، نشهد وسنشهد بعض ملامحها على الساحة الفلسطينية، ولكن جله سيفسر في مواجهة مباشرة – لم تتوقف يوماً- مع قوات الاحتلال، وأن الاعتقاد بأن الضغط على الفلسطيني سينعكس في مواجهة بين الفلسطينيين أو بينهم وبين جهة تمثيلهم، أثبت فشله في أعقاب مرحلة تكوين جسم تمثيلي بديل لمنظمة التحرير، والانتفاضة الثانية، التي أعقبت محاولة تقديم القيادة الفلسطينية كمسبب لفشل المفاوضات السياسية.
إن الاعتقاد أيضاً بأن أضعاف المنظومة الفلسطينية قد يصب في صالح الأمن الإسرائيلي هو اعتقاد تمت البرهنة على فشلة، في مرات المواجهة، ولا أوضح على ذلك من إخراج قيادة منظمة التحرير من بيروت، وعودة مركزيتها متمثلة في قيادة الانتفاضة الأولى. كما أنه يمكن الاستدلال عليه بالمفهوم الأمني الإسرائيلي الذي أطلق رواد المقاومة الفردية اسم "الذئاب المنفردة"، ففي اللحظة التي تضعف فيها مركزية القرار يعني ارتفاع منسوب العمل الفردي والحلول الفردية.
وعليه؛ فان إغراق المجتمع الفلسطيني بهذا الكم من الإشكاليات الداخلية، وارتفاع مناسيبها سيتدفق لفتح مجارير مواجهة شاملة، ولا أظن أن الفلسطينيين كانوا أقرب في أي مرحلة من بعد العام 2005 الى جولة أخرى من المواجهات المفتوحة بقدر اليوم.