الحدث- محمد مصطفى
من رأى بلدة خزاعة وما أصابها من ويلات قبل نحو تسعة أشهر، يظن أن القرية الصغيرة الهادئة لن تعود للحياة من جديد، وسيظل سكانها يبكون على أطلال منازلهم المدمرة، ومزارعهم المجرفة.
لكن إرادة الحياة لدى هؤلاء السكان فاقت كل التوقعات، ففي غضون أشهر، ورغم قسوة الحياة والتهجير، والإقامة في بيوت من الصفيح "كرفانات"، استطاعت البلدة الزراعية استعادة عافيتها من جديد، ووقف سكانها على أرجلهم، وراحوا يحتفلون كعادتهم بجني محصولي القمح والشعير.
إصرار على الحياة
الحاج إبراهيم النجار، "أبو سفيان"، من سكان القرية المنكوبة، كان يردد أناشيد تراثية وهو يحصد محصول القمح الناضج بمنجل يدوي صغير، ويضعه في أكوام، تمهيداً لدرسه.
أبو سفيان بدا سعيداً وهو يحصد محصوله بمعاونة أبنائه، فالأرض ورغم ما أصابها من ويلات، وقصف وتجريف، إلا أنها جادت بخير وفير عليهم.
وأكد أبو سفيان أن إصراره وباقي المزارعين على الحياة، والمضي قدماً فيها، دفعه لزراعة أرضه بمحصول القمح، رغم الويلات التي أصابت بلدته وإصابته هو شخصياً، فلو ما حل به حل بغيره لتوقف عن فعل شيء.
وأكد أنه تعالى على جراحه، وواصل تخضير أرضه والاعتناء بها، ومن أجل ذلك خصص كل جهد ووقت، فالأرض كانت ولازالت عنوان التحدي والصمود، ومن أجلها خاص الفلسطينيون ويخوضون معاركهم ضد المحتل.
وأشار أبو سفيان إلى أنه متمسك بأرضه، ولن يتركها مهما حدث، فالأرض ورغم وقوعها على بعد مئات قليلة من الأمتار من خط التحديد، وما قد يشكله ذلك من خطورة عليهم، إلا أنهم متواجدين فيها باستمرار، يخضرونها ويزرعونها
على مدار العام.
وبدت سعادة المزارع علاء قديح، وهو ينظر لحبوب القمح الناضجة خلال خروجها من آلة الحصد كبيرة، وقد أنسته همومه وتعبه طول الفترات الماضية.
وقال قديح: هم أرادوا إجبارنا على ترك البلدة، بعد أن أزالوا معظم مساكنها من على الخارطة، وجرفوا أراضيها، ونحن نرد عليهم بحبوب القمح الناضجة، ونعلمهم بأننا متمسكون بوطننا".
وأشار قديح إلى أن البلدة تجاوزت جزء كبير من محنتها، وستتجاوز كل المحنة، خاصة بعد بدء إعادة الإعمار، وبناء ما دمر من مساكن من جديد.
وأشار إلى أنه وبجهود أبناء البلدة المخلصين وتعاضدهم، استطاع الناس لملمة جراحهم، وباشروا بعجلة الحياة في شتى المجالات.
وجه مشرق
أما الصحافي مثنى النجار، من سكان البلدة، فأكد أنه ومنذ انتهاء العدوان، وما خلفه من كوارث طالت البشر والحجر والشجر، بدأ يلمس نوع من التحدي لدى السكان، ورفض الخضوع لإرادة المحتل، التي سعت وتسعى لكسرهم، فبدأ سكان البلدة ينهضون من جديد، متحدين كل الصعاب.
وأكد الصحافي النجار، أن أولى خطوات التحدي كانت فتح الشوارع بجهود ذاتية، وإزالة مواطن الخطر من حفر، وأجسام مشبوهة وخلاف ذلك، ثم توجه السكان وجلهم يعملون في حقل الزراعة إلى أراضيهم، وقاموا بتنظيفها، وتجهيزها، وأعادوا تخضيرها من جديد، غير مبالين بعمليات إطلاق النار شبه اليومية التي تستهدفهم من قبل الاحتلال، وما ألحقه ذلك من إصابات متكررة في صفوفهم.
وأكد النجار أن إصرار سكان البلدة المنكوبة على وضع "كرفانات الإيواء"، على أراضي البلدة نفسها شكل نوع آخر من التحدي، كي يبقوا إلى جانب بيوتهم المدمرة، ومزارعهم، وها هم يواصلون الحياة بكل جد وكد، غير مبالين بالصعوبات، وتقاعس الجهات المعنية عن دعمهم والوقوف إلى جانبهم.
وأكد النجار أنه يتعمد وضع صور ومقاطع فيديو خاصة بالمزارعين وهم يحصدون أرضهم ويرددون الأناشيد، على معظم مواقع التواصل الاجتماعي، على شبكة المعلومات الالكترونية "انترنت"، في محاولة لإبراز الوجه المشرق للبلدة، التي اشتهرت على مدار الأشهر الماضية، بنكبتها وما حل بها من كوارث.