الحدث- ريتا أبوغوش
عشرات آلاف المواطنين يمرون أسبوعياً عبر هذا الطريق الرئيسي الذي يربط جنوب الضفة بشمالها ووسطها، يمر المسافر بعد خروجه من منطقة حزما بمحاذاة عناتا التي لا يبدو منها سوى مجموعة من الكتل الإسمنتية والحجرية، لتبدأ بعدها الطريق بالانحدار الشديد نحو الغور.
لا شيء يلفت الانتباه سوى قطعان متناثرة من الماعز ومعسكر ضخم لجيش الاحتلال يجثم فوق مجموعة من التلال مسيطراً على المنطقة جميعها، ومع استمرار الانحدار نحو الغور يدهش المسافر برؤية مجموعة من بساتين الزيتون على جانبي الطريق، ولكن الدهشة لا تلبث ان تنقلب الى مرارة عند اكتشافك أن الزيتون هذا يعود بغير حق لأحد المستوطنين.
كروم الزيتون، والبدو، ومعسكر الاحتلال، وأهالي البلدة يلخصون حكاية بلدة عناتا. هذه البلدة المقدسية عزلت عن مدينتها ووجهتها التاريخية القدس وانحصرت اليوم في مساحة تقل عن ألف دونم.
محمد عبد الحق، أبو وسام، هو أحد أهالي بلدة عناتا، أخذ على عاتقه أن يثبت ملكيته لأرضه بعد ما حصر الملاك وأوراق الطابو، وعاد لإحصاءات القرية وبياناتها.
يقول أبو وسام لـ"الحدث" انه جرى احصاء في عام ١٩٥٠ لعدد سكان هذه القرية الذي وصل حينها لـ٣٥٠ نسمة فحسب، لاحقاً أقيم مخيم شعفاط-عناتا ورحل إليه الآلاف عقب تهجير أهالي حي باب المغاربة وحي الشرف عام ١٩٦٧.
ويضيف أبو وسام لـ"الحدث" أنه وفي السنوات الأخيرة، وبسبب تضييقات سلطات الاحتلال على البناء في القدس، اضطر الآلاف من سكان القدس للبناء في هذه المنطقة التي باتت تضم اليوم ٧٥ ألف نسمة يعيشون على ذات البقعة التي خصصت يوما ل ٣٥٠ نسمة، في حين صادرت سلطات الاحتلال قبل ٤٠ عاماً ٣١ ألف دونما من أراضي عناتا ومن بينها الأراضي المخصصة لخمس مستوطنات ومعسكر جيش الاحتلال والكروم التي استولى عليها أحد المستوطنين.
نضال أهالي عناتا
بعد ٤٠ عاماً من المصادرة، بدأ أهالي عناتا نشاطهم القانوني والسياسي لاسترداد نحو ٣٠ ألف دونما من أراضي البلدة التي صودرت منهم تحت مسوغات قانونية حملت شعار "المنفعة العامة" و"وضع اليد"، لم يتنبه لها أهالي البلدة آنذاك، جهود فردية تمكنت من إثبات ملكية الأراضي لنحو ١٤ مالكاً، وضحد ادعاءات سلطات الاحتلال بأن المصادرة جاءت حينها للمصلحة العامة.
يقول سعيد يقين، منسق هيئة العمل الشعبي لمقاومة الجدار والاستيطان في عناتا، أنّه وبموجب القرار العسكري ١٤/٧٥ أصبحت كافة أراضي المنطقة والمنحدرات الشرقية تابعة لما تسمى مستوطنة "معاليه أدوميم"، وكانت المصادرة بشكل تدريجي، وبعد تنبه أهالي القرية بدأت الجهود موجهة لإثبات الملكية وحصر الملاك واستجداء الاستشارات القانونية من قبل المجلس المحلي لعناتا بصدد وضع القضية تحت الضوء القانوني بعد ٤٠ عاماً من التجاهل.
وأضاف يقين في مقابلة مع الحدث، أن المسوغ الأساسي لمصادرة الأراضي كان "لأغراض عسكرية ومنفعة عامة"، مؤكداً أن الأراضي لم تشهد عملاً عسكرياً ولا أمنياً، وبالتأكيد لم تقدم أي مصلحة أو منفعة للأهالي.
وأردف يقين، أنه وعلى إثر ذلك، قدم المجلس البلدي لعناتا وبمساعدة منظمة "ييش دين" التماسا للمحكمة الإسرائيلية العليا.
وفي ذات السياق، قال عضو لجنة المدافعة عن الأراضي وأحد ملاك الأراضي، وائل سلامة أن الأجيال القديمة لم تكن واعية بالدرجة الكافية للوقوف أمام مصادرة الأراضي والمشروع المحاك ضدهم، وأن أهالي القرية اليوم كثفوا جهودهم لإثبات ملكية الأراضي وبدأوا التحرك من خلال الإجراءات القانونية.
وأضاف لـ"الحدث" أنه وبمساعدة الاستشارات القانونية التي قدمتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ومركز القدس للاستشارات القانونية تم تجهيز الأوراق القانونية التي توثق الخروقات القانونية، بحق القانون الدولي وقانون حكومة الاحتلال نفسها، باللغتين العربية والعبرية تمهيداً لتقديم الالتماس.
وكان المجلس البلدي للقرية قد قدم التماساً لمحكمة الاحتلال العليا بواسطة منظمة "ييش دين" مطالباً فيها إلغاء قرار مصادرة ٣٠ ألف دونماً صادرتها سلطات الاحتلال لإقامة مستوطنة "معاليه أدوميم".
وأوضح المجلس البلدي لعناتا، في الالتماس التي حصلت عليه الحدث، أن سلطات الاحتلال استخدمت جزءاً من الأراضي لإقامة مستوطنة "معاليه أدوميم" إلا أن باقي الأراضي، والتي تبلغ مساحتها حوالي ٣٠ ألف دونم، لم تستخدم للبناء وتم ضمها لمنطقة نفوذ المستوطنة المذكورة.
سابقة قانونية
وأضاف سلامة ان القضية اليوم قيد الانتظار، مضيفاً ان التخوف يكمن بإيجاد مسوغات قانونية جديدة لمشاريع سياسية واستيطانية.
وفي هذا الشأن، قال المحامي من منظمة "ييش دين" محمد شقيرات، إن الدلالة القانونية تقضي بإعادة الأرض لأصحابها ونزع الملكية للمصلحة العامة، إلا أنها كحكومة احتلال تستطيع تغيير واقع الأراضي لأسباب عسكرية.
وأردف شقيرات لـ"الحدث" أنه لا يوجد أسباب عسكرية ولا منفعة عامة، ولا تستطيع حكومة الاحتلال تبرير عدم استعمال الأراضي ما سيحتم عليها إعادتها لملاكها الأصليين، لا سيما أننا ندعو بإخراجها من حدود المستوطنة والمخطط الإقليمي في المنطقة، وهو سبب غير قانوني لمصادرتها.
وأضاف شقيرات أن قضية تقديم التماس للمحكمة العليا حول إعادة أراض لم تستخدم للسبب التي صودرت بسببه لم يُثَر من قبل، وأنه وعلى الرغم من أنه من الصعب التكهن بالنتيجة الآن إلا أنها ستكون سابقة قانونية لم نشهدها من قبل إذ أنه من الصعب على المستشار القانوني الإسرائيلي تبرير عدم استخدامها.
عناتا ومخطط E-1
إن الرعاية الحكومية الإسرائيلية للنشاط الاستيطاني لا تتوقف عند حدود التوجه السياسي لحكومة الاحتلال او توفير الارض بل تشمل تشجيع السكن في المستوطنات عبر تقديم الدعم الدائم للمستوطنين واقامة البنى التحتية لها، فتعمل على تسويغ مصادرة الاراضي من خلال الاستناد الى مبدأ الضرورة القسرية بهدف السيطرة على الاراضي والمقدرات الفلسطينية، وبلدة عناتا لا تعد استثناء.
فحول ارتباط القضية بمخطط مشروع E-1، أكد سعيد يقين أن ما تشهده عناتا هو جزء لا يتجزأ من المشروع التوسعي الذي تشهده المنطقة والتي تهدف لعزل الضفة الغربية عن القدس من خلال تشكيل شريط مستوطنات يعزل مدينة القدس نهائياً عن بقية أراضي الضفة الغربيّة، ويقسم الضفة إلى قسمين منفصلين تماماً، إضافة إلى توسيع مستوطنة معاليه أدوميم التي تقدر مساتحتها المتوقعة بمدينة كبيرة أكبر من تل أبيب.
وأضاف يقين أن أراضي عناتا تعد ذات أولوية استراتيجية لتنفيذ المخطط المذكور، لا سيما وأن أهاليها لا يسيطرون إلا على ٩٠٠ دونم فحسب، وبسبب موقعها إلى الشمال الشرقي من مدينة القدس وكونها أكبر القرى مساحة في الضفة الغربية.
وفي ذات السياق، قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وليد عساف، لـ"الحدث، إنّ الالتماس الذي تم تقديمه قد يشكل عائقاً أو حتى شللاً في هذا المشروع في حال لقي المرجو منه.
وأضاف أن المناطق البرية المحيطة والتابعة لمدينة القدس ستكون ضحية لهذا المشروع تحت مبررات أمنية وعسكرية، وهو ما عهدناه دائماً من قبل حكومة الاحتلال، وتصب في المحصلة في مصلحة المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية ومخططات التهجير القسري للتجمعات السكانية في منطقة ج وخصوصا الرعوية منها، والتي تبدو كإجراءات ادارية لتطبيق القانون أو محاولات للتوطين والتطوير.
الموقف الرسمي بين اقتصاره على الاستشارات القانونية والتوجه لمحكمة الجنايات
قال ع.م أحد الأهالي لـ"الحدث" أن الموقف الرسمي للمؤسسة الفلسطينية اقتصر على الاستشارات القانونية لا غير، مضيفاً أن الأهالي وحدهم من بادروا بخطوة إثبات الملكية واسترداد الأراضي، في حين لم تلق القضية اهتماماً رسمياً ولا حتى أهليا إلا بعد الجهود الفردية التي بذلها أهالي القرية، وأنه ثمة قصور رسمي واعلامي تجاه القضية.
وأضاف لـ"الحدث" أن الجهد المضني الذي بذله الأهالي وحده من سهل عملية تقديم الالتماس وتقوية القضية أمام محكمة الاحتلال العليا.
من جهته قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وليد عساف، لـ"الحدث"، إن "الجلاد والقاضي والمستوطن جسد واحد، والمحكمة والقضاء غير متزنان"، مضيفاً أن الهيئة سعت بكامل جهدها لدراسة الأوضاع القانونية والنضال من أجل استعادة الآراضي.
وأكد عساف أن الوضع القانوني لا يكفي فحسب لاسترداد الأراضي، اذ كان من الأجدر الأخذ بهذه الاجراءات في الفترة التي تم خلالها مصادرتها، أي قبل ٤٠ عاماً، وأن الهيئة مستعدة لتدشين حملة جماهيرية وقانونية للدعم القانوني، مشيراً إلى انها نظمت وشاركت من خلال أحد محاميها مع أهالي القرية.
وأردف أن الهدف الأساسي اليوم حماية هذه المنطقة من مشروع E-1، وتثبيت صمود القبائل البدوية وأهالي المنطقة، مؤكداً أن الجهات الفلسطينية الرسمية تبذل "جهوداً واضحة" وتعد الآن ملفاً حول التطهير العرقي وما يتعرض له أهالي المنطقة تمهيداً لمحاسبة الاحتلال على جرائمه في المحكمة الجنائية الدولية.
القضاء الإسرائيلي يخدم المشروع الاستيطاني
تلعب المحاكم الإسرائيلية دوراً مهما لشرعنة الإجراءات غير القانونية لسلطات الاحتلال بما يشمل المصادقة على بناء الجدار والتوسع الاستيطاني لمصادرة الأراضي، وكان آخر هذه القرارات ما جاء في قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية ، والذي يقضي بتطبيق قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي لسنة ١٩٥٠ على القدس الشرقية، وهو الدور الذي لطالما لعبته المحاكم الإسرائيلية، ما يطرح سؤالاً حول جدوى الملاحقات القانونية الهادفة لاسترداد الأراضي لصالح الفلسطينيين.
وحول ذلك، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت، إنّ سلطات الاحتلال تمكنت تاريخياً من إيجاد مبررات ودوافع عدة تبرر فيها إجراءاتها التعسفية.
وأردف شلحت أنّ كافة القوانين هذه ليس أكثر من أدوات مكملة وداعمة لنهج قامت بسببه هذه "الدولة" وهو استيطان أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، وأنّها لا تتوانى عن توظيف أساليبها المتنوعة بما فيها القانونية لتعميق مشروعها الاستيطاني وشرعنته في الأرض المحتلة.
في ظل غياب الأدوات النضالية والتأييد الرسمي والدولي لاسترداد الأراضي المصادرة من قبل سلطات الاحتلال، تخوض عناتا كغيرها من المناطق المهددة بالاستيطان نشاطاً قانونياً بصدد استرجاع بعض من أراضيها ومحاولة منها تعكير صفو مشروع E-1، ولكن يبقى الحسم في يد الجلاد.