صلاح الخواجا: بعض السُفراء يستغلون القضية للالتفاف على الجهود الدولية للمقاطعة الإسرائيلية!
عزمي الشيوخي: فلسطينيون خالفوا قانون المقاطعة، وأسهموا في شرعنة الاستيطان انتصاراً لمصالح فردية!
غزة- محاسن أُصرف
أجمع خبراء اقتصاديون على ضرورة التصدي لممارسات بعض أصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين، في استثمار أموالهم داخل المستوطنات التي أُقيمت على أراض فلسطينية استولت عليها دولة الاحتلال قسراً، وقالوا في أحاديث منفصلة مع "الحدث" إن أموالاً طائلة قُدرت حسب دراسة فلسطينية بـ (10 مليار دولار) استُثمرت لإنشاء مشاريع بنى تحتية داخل المستوطنات الإسرائيلية.
وحسب الخبراء، فإن ذهاب تلك الأموال للمستوطنات؛ حرم الاقتصاد الفلسطيني من العوائد الإيجابية لتلك الأموال، سواء فيما يتعلق بارتفاع معدلات نمو الاقتصاد، أو تخفيض قائمة البطالة بتوفير فرص عمل لآلاف الشبان والعمال إذا ما أقيمت تلك المشاريع في الأراضي الخاضعة للسيطرة الفلسطينية التامة.
ويقول رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك في الضفة الغربية، عزمي الشيوخي: "من المؤسف أن تمد المشاريع الفلسطينية المستوطنات غير الشرعية بشرايين الحياة في الوقت الذي تتصاعد فيه مطالبات المقاطعة التامة لدولة الاحتلال الإسرائيلي"، مؤكداً أن تلك المشاريع تتنافى وقانون المقاطعة الذي يحظر على الفلسطينيين التعاطي مع المستوطنات ومنتجاتها من السلع والخدمات.
ثلاثة أسباب
"الحدث" تساءلت عن الأسباب التي أدت بالمستثمرين إلى الاتجاه نحو المستوطنات، وكانت الإجابة مُفصلة على لسان الخبير في الشأن الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، الذي أكد وجود ثلاث أسباب دعت أصحاب رأس المال الفلسطيني إلى الاستثمار في المستوطنات أولها – من وجهة نظره- اقتصادي بحت، والآخر سياسي عقدي، والثالث اجتماعي فرضته علاقات العمل والتبادل التجاري".
وبشيء من التفصيل يتحدث عبد الكريم عن خطورة الأسباب على اختلافها وخطورة المآلات السلبية للاستثمار الفلسطيني بالمستوطنات على الاقتصاد، كاشفاً إلى أن أصحاب رؤوس الأموال المندفعين للاستثمار في المستوطنات بشكل اقتصادي بحت يتخطون الأخلاقيات والمسؤولية الوطنية تجاه شعبهم ويتخطون الصراع مع العدو، واصفاً أولئك بـ"الميكافيليين" الذين يُؤمنون بأن الغاية تُبرر الوسيلة، قائلاً: "هم يعمدون إلى اقتناص الفرص المربحة دون اعتبار سياسي أو أخلاقي وطني".
ولا يستبعد عبد الكريم، أن تكون العلاقات الشخصية التي بناها عُمال قدامى مع أصحاب المستوطنات أدت بهم بعد تشرب المهنة وإتقانها إلى مشاركة أصحاب أعمالهم في مشاريع استثمارية مدفوعة بالجانب الاجتماعي، وتُدر عليهم ربحاً أكثر وأجزل، مُشيراً إلى أن تلك المشاريع غالباً ما توكل فيها مهمة التسويق للطرف الإسرائيلي من الشركة بينما التصنيع فتعود للطرف الفلسطيني الذي اكتسب المهارة والخبرة على مدى سنوات العمل السابقة لدى الشريك الإسرائيلي.
ويُعقب الخبير الاقتصادي بالقول لـ"الحدث" أن الاستثمار المدفوع بالجانب الاقتصادي والاجتماعي أكثر الاستثمارات الفلسطينية في المستوطنات والأراضي المحتلة عام 48، ونوه إلى ضرورة العمل على تقليصها بما تقتضيه المصلحة الوطنية.
رؤية سياسية
ولم يغفل عبد الكريم، عن تفسير السبب المدفوع بالعامل السياسي لاستثمار الفلسطينيين في المستوطنات، مؤكداً أنه يأتي في ظل القناعة العقدية السياسية لدى بعض أصحاب رأس المال، قائلاً: "أولئك يرون أن التفاهم والتعايش بين الشعبين هو ضرورة حتمية، ولا يجدون حرجاً في استثمار أموالهم في المستوطنات أو البلدات التي يسكهنا إسرائيليون كون الصراع سينتهي حتماً بالتوافق وليس التنافر"، كما أنهم، وفق تقديره، يعتقدون أن بوابة الاقتصاد يمكن أن تُحقق السلام والعيش المشترك لطرفي الصراع.
تأثيرات خطيرة
لا يختلف اثنان على خطورة الاستثمار في المستوطنات على الاقتصاد الفلسطيني كونه يعني هروب أموال ومقدرات الشعب الفلسطيني لخزينة الاحتلال، وحرمان الرازحين على قائمة البطالة من فرص عمل قد توفرها المشاريع الاستثمارية في الأراضي الفلسطينية، وفي هذا السياق يؤكد عبد الكريم أن ذلك الاستثمار يحرم الاقتصاد الفلسطيني من رأس المال ويمنح أصحاب رؤوس الأموال فرصة للنزوح للخارج، ويُبطئ من عملية النمو، خاصة وأن النمو المستدام لأي استثمار في العالم يقوم على مشاريع استثمار القطاع الخاص، وفق تعبيره.
استمرار التطبيع
فيما أكد عضو سكرتاريا لجنة المقاطعة الإسرائيلية صلاح الخواجا، أن استمرار الاستثمارات في المستوطنات يُعطي الشرعية للتطبيع الاقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي، كما يمنحها للمستوطنات بما يُوغل يد الاحتلال في الاستيلاء ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وقال لـ"الحدث": "نطالب كل رجال الأعمال الفلسطينيين الذين يستثمرون بأكثر من 100 مليون دولار في المستوطنات أن يكفوا عن سياساتهم التي تخدم الاحتلال" خاصة في ظل انخفاض قيمة الأرباح التي يجنونها من تلك المشاريع والتي عادًة ما تختص بإنشاءات البنية التحتية الشاقة والتي تستنزف رأس مال كبير مقابل أرباح زهيدة، حسب قوله.
وشدد الخواجا على أن تلك الاستثمارات عار على الشعب الفلسطيني، خاصة وأنها تأتي في ظل احتدام حملة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية، مؤكداً أن استمرارها ينسف أي جهود للمقاطعة ولكسب التعاطف الدولي خاصة بعد الوصول إلى العضوية في محكمة الجنايات الدولية، متسائلاً: "كيف يُمكننا بعد الحصول على العضوية مطالبة العالم بتجريم الاستيطان وبعض أصحاب رأس المال الفلسطيني يوجهون أموالهم لخزينة الاحتلال ويدعموه اقتصادياً بمشاريعهم الاستثمارية فردية كانت أم مشتركة؟" داعياً إلى سحب كافة استثماراتهم وتوجيهها للأراضي الفلسطينية، وكشف الخواجا أن بعض السفراء الإسرائيليين في دول أفريقيا كانوا خلال المؤتمرات التي تعقدها حملة المقاطعة لإسرائيل؛ يعمدون إلى استغلال وجود استثمار فلسطيني في المستوطنات لثني تلك الدول عن الاستمرار في المقاطعة.
وفي ذات السياق دعا الشيوخي، كافة المستثمرين إلى إعادة النظر في ثقافتهم الوطنية ومسئوليتهم تجاه شعبهم، مطالباً كافة الجهات الرسمية والشعبية إلى المضي قدماً في حمل المستثمرين الفلسطينيين على سحب استثماراتهم ووقفها في المستوطنات حتى لا تكون حجة على القيادة الفلسطينية في المحافل الدولية خاصة بعد انضمام فلسطين لعدد من المؤسسات الدولية آخرها محكمة الجنايات الدولية.
مقترحات
وفي إطار الحلول المتوقعة، أشار عبد الكريم إلى أن السلطة الفلسطينية قامت بالعديد من التسهيلات وأوجدت بيئة منافسة للاستثمار في الأراضي الفلسطينية، إلا أن ذلك لم يمنع المستثمر من الولوج إلى المستوطنات لإقامة مشاريع تُحقق له ربحاً اقتصادياً ملموساً وإن لم يكن وفيراً، والسبب كما أفاد لـ"الحدث" ظروف فلسطينية سياسية موضوعية لا تستطيع السلطة إصلاحها أو تطمين المستثمر بشأنها، تتمثل في الاحتلال القائم، واعتداءاته اليومية والقيود على الحركة والانقسام الفلسطيني الداخلي، منبهاً أنها تُمثل عامل نفور للمستثمر الذي يُريد أن ينمو استثماره ويستمر بلا انقطاع لاستعادة رأس المال وتحقيق الربح وهو ما لا يتحقق في البيئة السياسية الفلسطينية غير الآمنة والمستقرة.
ويقترح عبد الكريم على السلطة الفلسطينية مزيداً من الحلول بشأنها جذب الاستثمارات إلى صالحها، كـ تسهيل إجراءات ترخيص المؤسسات والشركات الخاصة، وتخفيض الضريبة وتسوية ملفات الشركات سريعاً، ناهيك عن تغيير بعض سياساتها بتوفير شروط أفضل لعمل قطاع الصناعة والزراعة، وكذلك دعم جهود ترويج المنتج الفلسطيني في الخارج، وتوفير التمويل لأصحاب الأفكار الريادية، والأهم وفق قوله محاولة تسديد مستحقاتها على القطاع الخاص، مؤكداً أن الديون المتراكمة تُقلق القطاع الخاص وتُنفره من الاستثمار.